مشاري الموسى

يعيد إحياء البلاغة العربية بأبحاثه في تطبيــقاتها الحــديثة

يأخذ مشاري الموسى على عاتقه مهمة تبسيط فهم البلاغة العربية والأدوات اللغوية بما يتجاوز حدود الأدب الكلاسيكي. ومساهماته البحثية هي دليل على التزامه بتسليط الضوء على التطبيقات الحالية ذات الصلة والعملية لهذا المجال. ويكتسب هذا قـيـمـة خـاصـة في ضوء جـهـوده الـرامـية إلى تـحفيز طلبته على دراسة موضوع يساء فهمه على نطاق واسع.

حصل الموسى على الدكتوراه من الولايات المتـحـدة من بـرنـامج دراسـات الـشرق الأوسـط والبـلاغة العربية الرائد في جامعة إنديانا. وخلال فتـرة وجوده هناك، تركزت معظم أبحاثه على الأدب الـعـربي الكـلاسيـكي. وخلال دراسـتـه لـنيل الدكـتوراه، قدم بحثين إلى مؤتمر جمعية دراسات الشـرق الأوسط الشـهـيرة عـالميا. لـكن الـبـاحـث ينـسب الفـضل إلى الوقت الذي قضاه هناك في توسيـع نـطاق اهتـمامـاتـه. قال المـوسى: “لعله تجـلت لي آفاق جديدة أثناء دراستي في جامعة إنديانـا، وذلك من خـلال التـعرف إلى البـلاغة من منـظور آخر، مثل خطاب الاتصال Rhetoric of Communication الـذي يــشــمـل جـمـيـع أنـواع الـرسائل اللغـويـة”.

دفـعه شغفه بالبلاغة العربية والتدريس إلى أن يكون أكثر إبداعًا في السعي وراء التطبيقات الحديثـة والبـديلة. ومـدفـوعا بـشغفه، فـقـد كـتب العـديـد مـن الأبـــحـاث والـكـتـب التي تـبــحـث في تطبيقات البلاغة الحديثة. وهو يوضح أن “البلاغة الحـديــثـة لا تـقــتـصــر على دراسـة أدب الــشـعراء والكتـاب، بل تمتد إلى دراسة الإعلانات التجارية والخطب السياسية ومنشورات منصات التواصل الاجتماعي وكل نص يهدف إلى التأثير في المتلقي”.

إلى جـانـب جـهـوده البـحـثية، كرَّس المـوسى أيضًا وقته للتعليم. وهو يعمل أستاذًا في قسم اللغة العربية بجامعة الكويت، ويشبع من خلال تدريسها شغفه، وتسمح له بالتعمق في الموضوع الذي انشغل به منذ صغره.

قال “بدأ شغفي بهذا المجال عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري وقرأت قصيدة للإمام الشافعي. لقد أسـرتني كـثيرًا وذهبت إلى المكتبة واشتـريت ديـوانـه”. وفـيـما يـجد مـتعة كـبيرة في التـدريس، يـعـترف الموسى بأنه قد يـجد صعوبة في اســتـقـطـاب اهـتـمـام طلـبـتـه لأنـهـم “في أكثر الأحيان، لا يعـرفون الـكثير عن الـبلاغة باستثناء الفكرة الكلاسيكية القديمة القائلة بأن البلاغة هي دراسة التشبيهات والاستعارات وغيرها من الأدوات البلاغية”. ويـجادل بأن هـناك قـيمة في تجاوز التعريف الأدبي الكلاسيكي للبلاغة لصالح الدراسة المتعمقة للطرق التي تؤدي بها اللغة دورًا مركزيًا في استراتيجيات التأثير على نطاق واسع.

ومـجال البلاغة الحديثة جديد نسبيًا وغير محدد تمامًا، لكن مسيرة الموسى تزدهي بقائمة طويلة من الإنجازات، تعكس إمكاناته ذات الأوجه المتعددة. قال الموسى: “البلاغة الكلاسيكية هي بلاغة النثر والشعر، وكان الشاعر القديم السكاكي هو أول من وضع علم البلاغة، وهي بلاغة جامدة إلى حد كبير”. بدلاً من ذلك، يهتم المجال الحديث بتحليل النص والكلام والصور والأفلام.

إضــــافــة إلى ذلـك، يـــرى أن فـــهـم الأدوات اللغـوية قـد يـساعد على إنـشاء رسـائل مـقـنعة وإيصالها للمتلقي، إضافة إلى تطوير وعي أفضل كمستهلكين للتأثيرات التي نتعرض لها يوميًا. قال الموسى: “البلاغة الحديثة لا تقتصر على النص الشعري، بل تمتد لتشمل جميع أنواع النصوص. لن أبالغ إذا قلتُ إن البلاغة قادرة على دراسة جميع أنواع النصوص”. هذا يجعل البلاغة الحديثة جزءًا لا يتجزأ – بشكل مدهش– من مجالات الإعلانات والسياسة والثقافة الشعبية وكتابة الخطاب وما إلى ذلك. دفعت هذه الإمكانات الموسى إلى تكريس جهـوده لاسـتكشـاف جمـيع التـطبـيقات القـيمـة للاستراتيجيات البلاغية وتعليمها.

دراسة الموسى للتطبيقات اليومية للبلاغة الحديثة وتأثيرها في المتلقين تسهِّل دوره كمدرس. قال: “إنني أثير اهتمام الطلبة بالبلاغة من خلال ربـط الـدروس بـواقــعـنـا الذي نعـيشـه… فـأقدم لـهم الـعــديـد من الأمـثـلة المســتـقـاة من حيـاتنا اليـومـيـة مثـل الإعلانـات أو الخـطب السيـاسية، ونحاول منـاقشة هذه الأمـثلة معًا في الفصل الـدراسي”. يـقـدم المـوسى مـثـالًا مـثيرًا للاهـتمام من بحـثـه المنـشور بـعـنوان “الحـجج والـتمثيلات في الخـطاب الرقمي لوزارة الصحة السعودية في مواجهة انتشار جائحة كوفيد19-” الذي كان يهدف إلى رصد الاستراتيجيات الخطابية التي يستخدمها المـتــحــدث الــرسـمـي “لإقــنــاع الـنــاس بالـتـخــلي عن الـعـادات المجتمعية والتعبيرات الاجتماعية مثل المصافحة”.

تقديرا لمساهماته الملهمة في مجال البلاغة الـعــربـيـة الحــديــثـة، حـصـل المــوسـى على جــائـزة جـابر الأحــمــد للــبــاحثـين الــشــبـاب لـعام 2021 (في مـجـال الـعـلوم الاجـتماعية والإنسانيـة) التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. كان يـحـلم بالـفوز بالجـائزة منذ أن كان طفلاً. عن ذلك قال: “كنتُ دائـمًا مـتــحـمسًا لـقراءة إعلان الـفـائزين بهذه الجائزة، وكنت أطمح لأن أكون واحدًا منهم يومًا ما”. وأعرب عن امتنانه لمؤسسة الكويت للتقدم العلـمي لمنـحـه إحدى أعلى درجـات الـتـكـريم الـتي يـأمل الـبـاحـث في الحـصـول علـيها في دولة الكويت.

قريــبــاً، سيــبــدأ المـوسى بـــدراسـة جـــديـدة حـول “بــلاغــة الجــمــهـور، مـــجـال عـلمـي حــديـث للـبـلاغة”، مـواصلاً مساعيه لتوسيع نطاق هذا المجال وتعزيزة.

بقلم لولوة العفتان

Exit mobile version