استكشاف علاجات جديدة لسرطان الثدي
تحسـين فهمـنا لجين مرتبط بالسرطـان قـد يؤدي إلى علاجات جديدة أو خيارات أفضل للكشف عن المرض
لم تتوقع سجى فخر الدين أن تصير يومًا خبيرة في بيولوجيا السرطان. كانت قد خططت لأن تدرس الطب وتتخصص في الجراحة بعد تخرجها في المدرسة الثانوية، لكن الحظ قادها للالتحاق بأحد أفضل المعاهد البحثية في العالم ولأن تتوصل في النهاية إلى اكتشافات قد تؤدي إلى علاجات جديدة لسرطان الثدي. حاليًا، وبعد عودتها إلى الكويت، تحاول سجى فخرالدين وعدد قليل من العلماء الآخرين إنشاء مختبر بمواصفات عالمية وقدرات عالية تأمل أن تواصل فيه أبحاثها حول السرطان.
تركز فخر الدين في أبحاث محور دراستها للتخرج، على جين CRD-BP، ويُعرف عنه أنه يؤدي دورًا في سرطان الثدي. تاريخيًا، كان يُعتقد أن الجين كان يعبر عن نفسه فقط في الأجنة والأورام، لكن أبحاث فخرالدين دحضت وجهة النظر هذه وشرحت سبب اختفاء التعبير الجيني للجين CRD-BP في الأنسجة الأخرى. وهي تأمل اليوم أن المزيد من العمل على الجين CRD-BP قد يكشف عن أهداف علاجية جديدة.
بدأ اهتمام فخر الدين بالسرطان بالصدفة في مختبر عملت فيه كطالبة جامعية. انضمت إلى مشروع يستخدم قراءات الفلورسنت لتقييم تلف الحمض النووي DNA في نموذج فأر معدل جينيًا. تتذكر قائلة: “أدركنا أن إحدى أقوى قراءات الفلورسنت كانت في البنكرياس. … منحنا ذلك طريقة سهلة جدًا لقياس نقطة النهاية التي تهمنا والتي لفتت انتباهنا بشكل أساسي إلى سرطان البنكرياس. من هنا كانت البداية”.
كانت فخر الدين في الأصل مهتمة بدراسة الطب. تقول: “بعد تخرجي في المدرسة الثانوية، كان كل اهتمامي منصبًا على أن أصير طبيبة جراحة”. بعد أن وُضعت في قائمة الانتظار للالتحاق بالكلية الملكية للجراحين في أيرلندا، قررت الالتحاق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT وقُبلت. عن ذلك تقول: “تمامًا في اليوم الذي وصلت فيه إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تلقيت خطاب القبول في الكلية الملكية للجراحين في أيرلندا. لكنني كنت قد وصلت إلى كامبريدج، لذلك قررت البقاء هناك”.
لقد كان هذا القرار صائبا. تقول سجى إن المعيدة التي عملت معها في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهي طالبة دراسات عليا في المختبر الذي عملت فيه، كان لها تأثير كبير عليها؛ فقد فتحت عينيها على إمكاناتها وألهمتها لمواصلة البحث الأكاديمي. وجاء قرارها بالتركيز على الجين CRD-BP أثناء عملها على رسالة التخرج جزئيًا من المناقشات مع موجهتها التي حافظت معها على صداقة قوية حتى بعد انتهاء علاقتهما المهنية، عندما تركت موجهتها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
خلال دراستها بعد التخرج في جامعة ويسكونسن ماديسون University of Wisconsin-Madison التي مولتها جزئيًا مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ركزت فخر الدين في بحثها على الجينCRD-BP . كان من المعروف أن هذا الجين يرتبط بالحمض النووي الريبي المرسال RNA وتنظيم استقراره وتموضعه و/أو معالجته. ونظرًا لأن الجين CRD-BP يتفاعل مع الأحماض النووية RNAs وينظم تعبير الجينات المرتبطة بالسرطان في هذه الأحماض النووية RNAs، فإنه يؤدي دورًا مهمًا في السرطانات. أظهرت أبحاث فخر الدين أن الجين CRD-BP يشفر نسختين من بروتينه على شكل قصير وشكل طويل. وترتبط الأجسام المضادة التي استُخدمت للكشف عن الجين CRD-BP في الدراسات السابقة بجزء من البروتين مفقود في الشكل القصير. نتيجة لذلك، يمكنها فقط اكتشاف الشكل الطويل منه الذي يتم التعبير عنه في الأجنة والأورام. باستخدام كواشف مختلفة، بينت فخر الدين أن الشكل القصير للجين CRD-BP يُعبر عنه في أنسجة البالغين السليمة.
أظهر البحث أيضًا أن الجين CRD-BP يُعبر عنه على نحو أقوى في أورام الثدي مقارنة بالأنسجة السليمة. لا تصحح النتائج التي توصلت إليها سوء الفهم حول تعبير الجين CRD-BP فحسب، بل تشير أيضًا إلى احتمال مفاده أن البروتينات الأخرى ذات الأنماط التعبيرية المماثلة – المعروفة باسم البروتينات ’الورمية الجنينية’ Oncofetal – ربما جرى وصفها أيضًا على نحو خاطئ.
لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. فقد بينت فخر الدين وزملاؤها أيضًا أن خلايا سرطان الثدي التي تفتقر إلى الجين CRD-BP لم تكن جيدة في التكاثر والبقاء على قيد الحياة مثل الخلايا السرطانية المعتادة. ولدى إعادة الجين CRD-BP إلى هذه الخلايا، سواء في شكله القصير أو الطويل، استعادت أنماط بقائها الطبيعية.
تُبرز هذه النتائج معًا أهمية الجين CRD-BP في سرطان الثدي. تقول فخر الدين: “من السابق لأوانه معرفة ذلك، لكن إذا كان أحد الأهداف التي ينظمها الجين CRD-BP هو تقدم الأورام أو نموها، فيمكننا عندئذٍ استهداف هذا الجين أو البروتين المحدد لمزيد من الاستقصاء كخيار علاجي محتمل لمرضى سرطان الثدي”. وتضيف: “إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد يظل الجين CRD-BP مفيدًا في فحوص الكشف، لاسيما إذا ظهر أن الإفراط في التعبير لدى الجين CRD-BP مرتبط بتوقعات سيئة بشكل خاص، أو إذا تبين أن أورام CRD-BP المفرطة في التعبير أكثر استجابة لعلاجات معينة مقارنة بأورام أخرى”.
تضمن جزء من مشروع الجين CRD-BP العمل مع شركة خاصة لتطوير نظام تنقية جديد للمجمعات الجزيئية المصنوعة من الحمض النووي RNA والبروتينات. استخدم الباحثون هذا لتجميع قائمة بالأحماض النووية RNAs المرتبطة بالجين CRD-BP التي ربما تكون بمثابة أهداف لمزيد من البحث. تقول فخر الدين التي تدربت كمهندسة بيولوجية: “في نهاية المطاف، أنا مهندسة في الصميم، لذلك أحب تطوير أشياء جديدة وحل المشكلات. … إذا كان بإمكانك التوصل إلى طريقة جديدة لحل مشكلة قائمة ثم العثور على شخص يمكنه مساعدتك على تحويل مفهومك إلى أداة ملموسة ومتعددة الاستخدامات، فهذا حقًا شعور لا يضاهى”.
هذا الشغف بحل المشكلات يعد عنصرًا رئيسيًا في اهتمام فخر الدين المستمر ببيولوجيا السرطان. عن ذلك تقول: “لقد وجدت السرطان مجالًا رائعًا نظرًا لإمكانية تطبيقه الواسع على أي عضو تقريبًا في جسم الإنسان. على الرغم من أن هذه الحقيقة مؤسفة من الناحية الإكلينيكية، فإن تفرد كل حالة يمثل مشكلة بحثية مذهلة حيرت العلماء منذ فترة طويلة. … لا توجد مظلة واسعة يمكنك من خلالها حل المشكلة بمجرد فهمك للمبادئ الأساسية للسرطان. لو أن الأمر بهذه السهولة، لكان لدينا بالفعل علاج للسرطان، وهو ما لا نملكه. وليس بالضرورة أن يكون العثور على علاج واحد لجميع أنواع السرطان احتمالًا ممكنًا. فالأرجح هو تشكيل الأدوات التي تسمح بتطوير علاجات فردية مبنية على أساس كل حالة على حدة”.
ما يحفز فخر الدين على مواصلة العمل أيضًا هو التأثير الهائل للسرطان على حياة الناس، خاصة في الكويت حيث معدلات الإصابة بالسرطان عالية جدًا ومعدلات فحوص الكشف منخفضة ولا يوجد مرفق فاعل لأبحاث السرطان – وهي كلها مسائل تأمل وزملاؤها في معالجتها. وتقول: “كل هذه الأشياء تجعلني أرغب في العمل في هذا المجال والاستيقاظ في الصباح وأداء عمل ربما يكون له تأثير على الأفراد في مجتمعنا. … إلى جانب تحديات فهم السرطان على المستوى الجزيئي والتعامل مع تنوعه الهائل، لا يمكن لهذا العمل أن يكون مملًا على الإطلاق”.