جربه معهد دسمان للسكري بنجاح دواء فعال لإنقاذ الأقدام المهددة بالبتر
صفاء كنج
عندما راجع أحمد خالد جاسم العيادة المتخصصة في معهد دسمان للسكري (التابع لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي) في منتصف يناير الماضي لم يكن واثقاً من النتائج التي سيحصل عليها. كان يعاني تقرحاً متقدماً ومركباً في القدم بحيث إن جميع الأطباء الذين عاينوه في مستشفيات عدة أبلغوه أن الخيار الوحيد أمامه هو بتر ساقه اليمنى من فوق الركبة. أحمد البالغ من العمر 50 عاماً يعاني من السكري من النوع الثاني منذ 30 عاماً ويخضع لغسل الكلى منذ عدة سنوات، ومجرد التفكير بأنه سيفقد ساقه كان يسبب له ألماً لا يحتمل ويجعله غير قادر على النوم، وكان يتساءل: كيف سيتحرك، ويتابع أعماله ويواصل حياته بساق واحدة؟
عندما كرر آخر طبيب عاينه القول إن البتر هو الخيار الوحيد الباقي أمامه، سأل أحمد الطبيب غير مصدق: «ألا يوجد حل آخر يا دكتور؟». فكر الطبيب قليلاً وقال له: «ربما هناك حل. هناك باحثون في معهد دسمان للسكري يجربون دواء جديداً ربما يكون مفيداً لك، لمَ لا تجرب ذلك؟».
وهكذا، على الرغم من فقدانه كل أمل، قصد أحمد قسم طب القدم في معهد دسمان «ليجرب حظه»، فليس هناك ما يخسره. وافق أحمد على المشاركة في التجربة السريرية، وبدأ العلاج في بداية 2015، وواظب على الحضور ثلاث مرات أسبوعياً، وبعد 11 أسبوعاً من المتابعة، أعيد بناء النسيج الميت في قدمه.
تقول الباحثة ليانيت رودريغيس المشاركة في الدراسة لمجلة إنه «بعد 76 يوماً من العلاج بعامل النمو الظهاري عن طريق التشريب المباشر (direct infiltration)، اكتمل نمو النسيج الحبيبي الضام في مكان الجرح، وهي المرحلة المهمة قبل التئام الجرح وشفائه التام. بعدها تابع أحمد العلاج في قسم طب القدم بمعهد دسمان حتى شفي تماماً في بداية شهر أكتوبر».
وتضيف الباحثة المساعدة والاختصاصية في الكيمياء الحيوية: «في الزيارات الأولى كان المريض يبدو متعباً ومهموماً ومتألماً، لكن مع تقدم العلاج وبفضل الاهتمام الذي حظي به من الأطباء والممرضين بدأ مزاجه يتغير. بات حضوره مع زوجته يضفي جواً من المرح في العيادة. وكانت فرحتنا جميعا غامرة عندما رأيناه يمشي وحده للمرة الأولى».
دراسة سريرية
أحمد واحد من 50 مريضاً شاركوا في الدراسة البيانية السريرية في المرحلة 4 لدواء هبربروت-بي (Heberprot-P) في معهد دسمان للسكري التي بدأت في ديسمبر 2014, وكانت في مرحلتها النهائية في بداية أكتوبر 2015. ووفقاً للبيانات الإحصائية الأولية لهذه الدراسة مع أخذ المرضى الذين تخلفوا عن الحضور والمتابعة بعين الاعتبار، بلغت نسبة النجاح في إعادة بناء النسيج الحبيبي بصورة تامة نحو %95، وفق قول الدكتور رافايل ايبارغويين، الاختصاصي في علم الوراثة والمسؤول عن (دراسة فعالية وسلامة دواء هبربروت-بي لدى المرضى المصابين بتقرح متقدم في القدم السكرية بمعهد دسمان للسكري في الكويت).
يوضح الدكتور ايبارغويين أن دواء هبربروت – بي مسجل في كوبا منذ 2006، وتم حتى الآن تسجيله في أكثر من 20 بلداً، حيث تم استخدامه في علاج التقرح المتقدم للقدم السكرية لدى أكثر من 185 ألف مريض. وبناء على نجاح التجربة السريرية في معهد دسمان، يجري العمل حالياً على تسجيل الدواء في الكويت لاعتماده علاجاً للحالات المتقدمة لتقرح القدم السكرية.
وبالمقارنة، يعطي العلاج بالأكسجين العالي الضغط (HBOT) وغيره من وسائل العلاج – وهي متوافرة في معهد دسمان للسكري- نتائج لا تتجاوز 15 إلى %20 في بناء النسيج الضام خلال أقل من 20 أسبوعاً وفق نتائج الدراسات السريرية المنشورة، كما أنها غير ناجعة في علاج تقرحات القدم السكرية المتقدمة والمعقدة.
ويتبع العلاج بدواء هبربروت – بي بروتوكولاً مختلفاً لأنه منتج حيوي فعال يقوم على تشريب عامل النمو الظهاري مباشرة في النسيج المتضرر وبصورة متكررة. وجميع الدراسات السريرية البيانية أظهرت فعاليته في مختلف أنواع تقرح القدم السكرية سواء الناجمة عن الاعتلال العصبي السكري أو عن الاعتلال العصبي الإقفاري (الأسكيمي)، وفق ما تقول الباحثة ليانيت رودريغيس.
ويمكن إعطاء الدواء إلى جانب أي علاج آخر وخصوصاً العلاج بالأكسجين العالي الضغط، لأنهما يعملان على مسارين مختلفين دون وجود تعارض بينهما.
وعي المريض للأخطار
يوصى مرضى السكري بإيلاء عناية كبيرة بأقدامهم وفحصها باستمرار. ويرى الدكتور إيبارغويين «أننا نواجه مشكلة عدم إدراك المرضى مدى خطورة هذه المضاعفات على حياتهم». ويضيف: «على سبيل المثال، إذا اكتشف مريض أنه يعاني مرضاً في القلب فهو غالباً سيهتم بصحته ويغير سلوكه، وإذا أبلغ مريض أنه يعاني السرطان، فسيسارع إلى البحث عن أفضل وسائل العلاج، لكن، عندما نقول لمريض السكري: لديك تقرح متقدم وخطر في القدم، فربما لا يأخذ الأمر على محمل الجد ويعرض حياته للخطر، علماً أن الجروح المهملة يمكن أن تتحول بسرعة إلى حالة مستعصية تستوجب البتر. وعدم إدراك مدى خطورة تقرح القدم السكرية مسألة خطرة جداً؛ لأن %50 من المرضى يفقدون قدمهم الثانية بعد سنة من بتر الأولى، وأن
%60 ممن يتعرضون للبتر يتوفون بعد خمس سنوات بسبب مشكلات في القلب والشرايين».
من كوبا الى الكويت
قد تبدو الفترة الممتدة بين البدء بتسويق الدواء سنة 2007 ووصوله إلى المرضى في منطقة الشرق الأوسط والكويت تحديداً في نهاية 2014 طويلة نسبياً؛ نظراً للحاجة الملحة إلى مثل هذا الدواء مع زيادة انتشار مرض السكري والأمراض المصاحبة له ومنها تقرح القدم السكرية. وإذا كانت الأدوية الجديدة تحتاج إلى سنوات عدة لتصبح معروفة، ففي حالة كوبا كان الحظر الاقتصادي المفروض على ذلك البلد سبباً إضافياً في تأخر انتشار الدواء في الخارج.
لكن الأمور بدأت تتغير حالياً مع تحسن العلاقات بين كوبا والولايات المتحدة. ويقول الدكتور ريديل فيبلس الجراح والاختصاصي في الأوعية الدموية والتروية المشارك في الدراسة البيانية إن العمل جار لترخيص الدواء في أوروبا عبر هيئة الدواء الأوروبية (EMA)، ويؤمل تحقيق ذلك خلال سنة 2016. وفي الوقت نفسه تم الحصول على موافقة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية لإجراء تجربة سريرية بعد موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) بهدف تسجيله في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن قبل تطبيع العلاقات الأمريكية الكوبية بكثير، زار الدكتور كاظم بهبهاني المدير العام لمعهد دسمان للسكري كوبا عندما كان يشغل منصب نائب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية في جنيف. وخلال زيارته، اطلع على الأبحاث الجارية هناك ومنها بحث واعد على دواء جديد لعلاج تقرحات القدم السكرية. وعندما عاد إلى الكويت وتولى منصبه مديراً عاماً للمعهد في 2009 قرر إنشاء وحدة لطب القدم لأغراض البحث والوقاية والعلاج في المعهد. وما إن باتت كل المستلزمات متوافرة، حتى وقع اتفاقية مع مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية في هافانا، وجرى إرسال ثلاثة من الأطباء والباحثين من المركز إلى الكويت لإجراء التجربة السريرية بالتعاون مع أطباء القدم في المعهد. واليوم تدمع عينا الدكتور بهبهاني كلما تذكر وقوف المريض أحمد بعد شفائه ومصافحته ومعانقته وهو يبكي من شدة الفرح، مع تعابير الشكر والامتنان على لسانه. ويقول الدكتور بهبهاني: «لقد دمعت عيناي ولم أعرف ما أقول، كان موقفاً يفوق الوصف، بعد نجاح التجربة، نعمل على تسجيل الدواء في الكويت، ونأمل أن يتم توفيره لكل المرضى الذين يحتاجون إليه».
تقرح القدم السكرية ومدى خطورتها
تقرح القدم السكرية (DFU) من المضاعفات الرئيسية المصاحبة لمرض السكري. وعدم التحكم أو السيطرة على مستوى السكر في الدم يؤدي على المدى الطويل إلى اعتلال أو تلف الأعصاب الحركية والحسية في القدمين واعتلال الأوعية الدموية الدقيقة الطرفية، وهو ما يؤدي إلى نقص التروية فيها.
يؤدي هذا بدوره إلى تأخر بناء النسيج الحبيبي الضام في الجروح فلا تلتئم بصورة طبيعية. وتقرحات القدم السكرية هي أكثر الأسباب التي تؤدي إلى دخول مرضى السكري إلى المستشفيات، وربما تستغرق أسابيع أو أشهراً حتى تشفى، وقد تعجز طرق العلاج عن شفائها فتتحول إلى جروح مزمنة.
ويصاب %15 من مرضى السكري بتقرحات القدم في مرحلة ما من حياتهم، وهي تعتبر السبب الرئيسي لنحو %84 من كل حالات بتر القدم لديهم.
وتراوح نسبة المصابين بالسكري في العالم ما بين 6 و %12 من السكان في أي بلد، لكن هذه النسبة ترتفع إلى نحو %30 في دول مجلس التعاون الخليجي، وفق بيانات الاتحاد الدولي للسكري.
وتصبح الأرقام مخيفة إذا أخذنا في الاعتبار أن مريضاً يفقد قدمه كل 20 ثانية بسبب التقرح المتقدم للقدم السكرية في العالم، مع كل ما يعنيه ذلك من أعباء على حياة الأفراد وعلى أنظمة الصحة العامة؛ إذ يراوح متوسط كلفة علاج تقرح القدم السكرية الذي لا يتطلب البتر في العالم ما بين 1150 دولاراً و35 ألف دولار، فيما يراوح متوسط كلفة البتر ما بين 19 و66 ألف دولار لكل مريض.