يقـضـي أحمد الـلافي وقـتـا طـويلا في الـتفكـير في شيء يـعـتـبره مـعـظــمـنـا مـفــروغًـا مـنـه، ألا وهـو سلامة الغـذاء. لكن بصفته أستاذًا لعلوم الغذاء والتغذية في جامـعة الكويت، فإن سلامة الغذاء تـدخل في صلب اهتـماماته. في عام 2022، كوفئ على تـكريـس جـهـوده لـهـذا المـجـال بـنـيله جـائزة جــابـر الأحـمـد للـباحـثـين الــشـبـاب التي تمـنـحـها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (لعام 2021، في مجال العلوم الحيوية).
لم يكن طريق اللافي الذي قاده إلى تحقيق النـجـاح في مـجال علوم الـتغذية والأغذية خاليًا من المنـعـطفـات. فـقد حـصـل على الـبـكالـوريوس في الهــنـدسـة الكيميـائيـة مع تخـصـص فـرعي في الرياضيات من جامعة ميزوري بالولايات المتحدة عام 2000. بعد التخرج، عاد إلى الكويت ليعمل مهنـدسـا في شركة الـبترول الـوطـنـية الكـويتية. ثـم حـصـل على درجة المـاجـسـتـير في الـهـنـدســة الكيميائيـة من جامعة الكـويت عام 2003.
أثـنـاء عمـله مهنـدسا في الـكويت، بدأ اللافي بتطـويـر اهتــمـامات جـديدة وضعته على مسار وظيفي مخـتـلف وعادت به إلى الـولايات المتـحدة لمـواصـلـة تعــلـيـمه. لـكــنــه هـذه المرة اســتــقـر في كولومبوس بولاية أوهايو، حيث درس للحصول على درجة الدكـتوراه في علوم الغذاء والتغذية من جـامعـة ولاية أوهـايو من 2005 إلى 2008.
وبيــنمـا قـد يـبـدو الانـتــقـال من الـهــنـدســة الكيمــيـائيـة إلى عـلوم الـغـذاء قـفـزة كـبـيرة، فإن اللافي يراه منطقيا تمامًا: “أعتقد أن الهندسة هي أســاس كل عـلم”.
ساعده تخصـصه في الـهندسة الكيميائية في أبحاثه لنيل الدكتوراه وسهّل الخطوة التالية في مساره المـهـني. وقال: “بـعد أن صرت مـهـندسًا كيميـائيًا، درست الكثير من الكـيمياء والأحـياء والمواد الأخرى التي ساعدتني على النجاح في علوم الأغذية والتغذية”.
عندما سُئل لماذا قرر إجراء تغيير في حياته المهنية، أوضح اللافي: “الأمر كله يتعلق بمساعدة الناس”. فالعمل في مجال علوم التغذية والأغذية يتيح الكثير من الفرص لتغيير حياة الآخرين، من البحث عن أنماط الحياة الصحية والترويج لها إلى ضمان سلامة الأغذية وجودتها.
وأضـاف الـلافي: “إن تـســهـيـل حـيـاة الآخـرين أمرٌ يجعلني أشعر بالسعادة. التخصص مهنيًا في علوم الغذاء أو التغذية مثالي لكل من يسعى إلى تحسين نمط حياة الناس”.
خلال دراسـته لنـيل الدكـتوراه، أجرى اللافي أبـحـاثًا على مـواد تـغـليـف الأغـذية الاصـطنـاعية ذات التـأثير الكـبير في التـغذية وسلامة الأغذية وحماية المستهلك والصحة العامة. وقال إن أركان التغذية والسلامة والحياة الصحية تُمثل أساسًا لكل أعماله.
بعد حصـوله على الدكتوراه، عاد إلى الكويت لـيــعــمـل مــنــذ ذلك الحين في الـتــدريـس والإدارة في جـــامـعـة الــكــويـت. تـتـطـرق مـحـاضـراتــه إلى تنظيـم الأغذية وتغليف المواد الغذائية والتغذية البـشرية ومـواد أخرى على صـلـة بـقـسم عـلـوم الأغـذية والتغذية.
يسـمـح له عـمـلـه كأسـتـاذ أيـضًـا بمـواصـلة البـحث الذي بدأه كـطالب دكـتوراه، واستكشاف استخـدام جـزيئات النـايلـون النـانوية في تـغليف المواد الغذائية. واستخدام الجسيمات النانوية غير العضوية في تغليف المواد الغذائية مجالٌ جديدٌ واعدٌ في علوم الأغذية. إذ يمكن لهذه الأغلفة أن تحافظ على جودة الطعام وتحميه مدة أطول.
في أحـدث مــشـروع أنــجـزه الـلافي، اخـتـبر الخصائص الحرارية لأغلفة الأغذية المصنوعة من النـايـلون ذي الجـسيـمات النـانـوية، وما إذا كـانت الأغـشـيـة “منـفِّذة” للأكسـجـين أو ثاني أكـسـيـد الكربون أو بخار الماء. بعبارات أبسط، قال اللافي إن المشروع اختبر “ماهية العبوة نفسها، وكيفية تصرف الأغـشية، وخطوات تـجهيز الأغذيـة، وما إذا كـانــت هــنـاك أي آثـار صــحـيــة لاســتـخــدام هذه العبوات”.
الهدف هو إطالة العمر الافتراضي للطعام قدر الإمكان مع ضمان ألا يكون للعبوة الجديدة تأثير ضار في الناس أو الكوكب. أوضح اللافي “هنا بيت القصيد. نريد زيادة مدة الصلاحية إلى أقصى حد من دون الإضرار بالبيئة أو بالبشر”.
يتطلب العمل في مشروع كهذا الاجتهاد والتركيز الشديد. وقد أثبت اللافي أنه على مستوى المهـمة. فــقـد حصل في مـثل هـذه الـسن المـبكرة، بفــضـل حمـاسه المـتـقـد، على الـعــديـد من المـنح ونـشر العديد من الأوراق الـبحثية، وأثني الكثير على أبحاثه.
التشــجــيـــع على اتـــبـــاع أســلــوب حــيـــاة صــحـي والحـــفــاظ على جــودة الـــطـــعـام هــمــا مـن المـــواضــيـع الـتي يـتــنـاولـهـا الــعــديــد مــن أبحاثه المـنـشورة في مــجـــلات مــرمـــوقـــة مـثل حــولــيــات عــلم الأحـيــاء Annals of Biology والمـجلة الـعــالمـية لتكنـولوجـيا وعـلوم الأغــذيـة Journal of Food Science and Technology International، ومجـلة تــخـوم الصــحة الـعامة Frontiers in PublicHealth.
ويتمثل آخر إنجازاته في نيله جائزة جابر الأحـمد للبـاحثـين الـشباب التي تـُمنح للكـويتيين دون سن 45 عامًا الحاصلين على درجة الدكتوراه في مختـلـف المـجالات تـقـديرا لـهـم على سـجـلهم الحـافل في مـجال الأبـحاث المنـشورة وإمـكاناتهم البحثـية المستقبلية.
أعرب اللافي عن شكره لسمو أمير الكويت وسمـو ولي الـعهـد ولمؤسـسـة الـكـويت للـتقدم العـلمي على تـقــديـم مـثل هذه الجـوائز لـتــكريم الإنجاز العـلـمي وإلهام البـاحثين.
وقال إن هذا الـتقـدير جـعله فـخوراً بـعمله ودفـعه إلى مواصلة عـمله البحثي بالوتيرة نفسها والانطلاق في مشاريع جديدة في علوم الغذاء. وذكر أن الجـائزة “أوقدت نار الحـماسة فيَّ. أشعر بـسـعـادة كـبـيرة لـتكـريـمي على ما فـعـلت، وهذا يدفعني إلى بذل مزيد من الجهد في هذا المجال. آمل أن أتمكن من تحقيق المزيد في السنوات المقبلة”.
لدى اللافي الكثير من أفكار المشاريع للاختيار من بينها، وبصفته باحثًا شابًا، أمامه مسيرة مهنية طويلة للمساهمة في المجال. ويود الخوض مستقبلا في مجال الأطعمة التي يُعلن عنها وتُباع لفوائدها الصحية المفترضة. وقال إن أحد الأمثلة النموذجية هو عبوات العسل التي يُروج لها على أنها تخفف التوتر.
كيف يمكن أن يثق المستهلكون في نقاء هذه المنتجات؟ كيف يمكنهم معرفة ما إذا كانت تحتوي على إضافات غير معلنة؟ وعن فكرة تراوده قال: “أود أن أبحث في طرق الغش في الطعام وكيفية ضبطها”. وهو يريد تطوير طرق اختبار منزلية “يمـكن لأي شـخص اسـتـخـدامـهـا في المـسـتـقـبـل القريب لتحليل الطعام”.
وبفـضـل مـسيرته المــهنـيـة الحـافــلة وأفـكاره الطمــوحـة وحـمــاسـتـه التي عــززتـها جـائـزة جـابر الأحمـد للبـاحـثـين الــشبـاب، يـبـدو أن لا حـدود لما يمكن أن يـنجزه في المستقبل.
بقلم ماريانا دينين