تصوير الثدي (الماموغرام) عوامل الأمان من أخطار السرطان
بقلم: د. فواز إحسان أبو الهدى
الماموغرام نوع خاص من أنواع الأشعة السينية ذات الطاقة المنخفضة يستخدم لتشخيص أورام الثدي المختلفة من خلال الكشف عن الكتل المتميزة أو التكلسات الصغيرة فيه. وهذه الأشعة تؤدي دوراً مهماً جداً في الحد من معدل الوفيات الناجم عن سرطان الثدي عن طريق الاكتشاف المبكر له. تم اكتشاف هذه الأشعة في عام 1969، ثم شهدت تطورات مستمرة في تقنياتها بهدف الوصول إلى قدرة أعلى في دقة كشفها المبكر عن الأورام السرطانية، وفي الوقت نفسه استخدام جرعة آمنة منخفضة من الأشعة السينية (عادة نحو 0.7 ملي سيفرت).
وتستخدم الرعاية الدورية للثدي فحص الماموغرام ضمن وسائل الفحص الدوري للنساء، مثل الفحص الذاتي للثدي وفحص الطبيب، وممن لديهن خطورة من نشوء السرطان. فالأهمية الكبرى لهذا الفحص تكمن في الاكتشاف المبكر للمرض؛ إذ يمكن اكتشافه قبل الإحساس به من قبل النساء والأطباء بمدة ربما تبلغ سنتين؛ لأن بإمكانه اكتشاف الأورام الصغيرة في بداية تكوين الأنسجة السرطانية في الثدي التي متوسط قطرها 0.5 سم. وأثبتت الدراسات أن الكشف عن السرطان في مراحله الأولى يؤدي إلى نتيجة علاجية أفضل ربما تصل نسبة الشفاء فيها إلى %95 من الحالات.
استخدامات الماموغرام
الماموغرام مخصص اصلاً لاكتشاف الأورام في الثدي وبعض التغيرات المرضية الأخرى، وينقسم مجال استخدامه إلى نوعين: تشخيصي ووقائي.
الماموغرام التشخيصي:
عندما يفحص الطبيب الثدي ويجد بعض التغيرات المرضية التي تثير الريبة فإنه يطلب إجراء (ماموغرام) لتشخيص وتحديد سبب هذه التغيرات، مثل وجود كتل أو أورام محسوسة في الثدي أو تحت الإبط، أو زيادة في سمك حلمة الثدي، أو وجود إفرازات من الحلمة سواء دموية أو غير دموية، أو وجود حكة أو تغير في شكل أو لون جلد الثدي، أو وجود ألم مستمر في الثدي.
الماموغرام الوقائي:
يستخدم فى الحالات التي لا تتضمن أي تغير مرئي أو محسوس في الثدي. ويكون الهدف هو الاكتشاف المبكر لأي ورم قبل ظهور العلامات المرضية، وهو بدوره يحسن نتائج العلاج بصورة ملحوظة لاسيما عند النساء اللواتي تزيد أعمارهن على 40 سنة، أو اللواتي لديهن أقارب من الدرجة الأولى مصابات بسرطان الثدي.
تصوير الثدي بالماموغرام
يستغرق فحص الماموغرام نحو 20 دقيقة. ويختلف جهاز الأشعة المستخدم في تصوير الثدي عن أجهزة الأشعة الأخرى؛ إذ يتم وضع الثدي بين أجزاء الجهاز وتصويره من زوايا مختلفة، فتظهر فيها أنسجة الثدي بيضاء، والأنسجة الدهنية بلون داكن.
يتم ضغط الثدي باستخدام وحدة تصوير الثدي المخصصة، إذ يضغط الثدي بين لوحين متوازيين لتسوية سمك نسيج الثدي، بهدف زيادة جودة الصورة من خلال تقليل سماكة الأنسجة التي تخترقها الأشعة والحد من كمية الإشعاع المشتت الذي بدوره يقلل من جودة الصورة وجرعة الإشعاع المطلوبة.
وقد تشعر المريضة بألم بسيط أثناء الفحص نتيجة الضغط على الثدي، لذا يفضل إجراء الفحص من اليوم الخامس إلى اليوم العاشر من بداية الدورة الشهرية، حيث يكون الثدي أقل احتقاناً، ومن ثمَّ يكون الشعور بعدم الارتياح أقل ما يمكن.
التصوير الرقمي للثدي
حتى سنوات قليلة مضت، كان إجراء فحص الثدي بالأشعة يتم بأفلام الأشعة وأشرطة شاشة السينما. أما في الوقت الحالي فيشهد تصوير الثدي مرحلة انتقالية نحو الكاشفات الرقمية التي بدأ استخدامها في الولايات المتحدة عام 2000. في هذه الكاشفات يتم استخدام الحاسوب ومستقبلات رقمية في التصوير بدلا من الأفلام؛ فهو نظام تصوير إشعاعي للثدي يحول الأشعة السينية إلى إشارات كهربائية تستخدم لإنتاج الصور ويمكن رؤيتها على شاشة الحاسوب أو طباعتها على فيلم خاص مماثل لتصوير الثدي بالأشعة السينية التقليدية.
وميزة هذه التقنية أنها تختصر مدة الفحص، وتسهل تخزين الصورة في ذاكرة الحاسوب واسترجاعها للمقارنة بالفحوص اللاحقة، وإمكانية إجراء صور للثدي أكثر وضوحا وبأحجام مختلفة، وإمكانية الكتابة على الصور حسب تقدير طبيب الأشعة.
إجراء الماموغرام الوقائي
لم يتفق الخبراء والمنظمات الطبية على إرشادات نهائية بخصوص السن المناسبة والفترات الزمنية لإجراء الماموغرام بصورة منتظمة. لذا يجب على المرأة التحدث مع الطبيب حول عوامل الخطر لديها، وفوائد وأخطار فحص الماموغرام الوقائي. كل ذلك يمكنه أن يجعل المرأة تقرر الجدول الزمني المناسب لها.
في المملكة المتحدة يتم فحص الثدي للسيدات من سن 50 إلى 70 عاماً مرة واحدة كل ثلاثة أعوام. ولا يتم إجراء فحص روتيني للسيدات دون سن الـ 50 إلا في حالة الإصابة السابقة بسرطان الثدي، أو إصابة قريب من الدرجة الأولى بسرطان الثدي (أم أو أخت)، أو احتمال أن يكون لديها جين يجعلها أكثر عرضة لسرطان الثدي.
يبدأ إجراء الماموغرام بصورة منتظمة في العديد من الدول كالولايات المتحدة ودولة الكويت من سن 40 عاماً بمعدل مرة في العام، أو مرة كل عامين. وتختلف الاقتراحات في هذا الشأن، لكن الجمعية الأمريكية للسرطان تنصح بذلك، في حين تفضل بعض الدول البدء من سن 50 عاماً.
وضعت جمعية السرطان الامريكية سبع فئات قياسية (BIRAD Scoring) بناء على نتيجة فحص الثدي، وهي تعتبر خريطة طريق إرشادية لتقرير الوقت الذي يجب فيه على المرأة إعادة التصوير:
الفئة (0): تحتاج إلى صور تشخيصية إضافية، مثل السونار أو الرنين المغنطيسي لتحديد فئة المريض.
الفئة (1): هنا تكون نتيجة الصورة طبيعية، فتنصح المرأة بإعادة الفحص كل سنة أو سنتين وبخاصة لمن تزيد أعمارهن على 40 سنة.
الفئة (2): هنا تظهر الصورة ورما حميداً، ويصبح واجبا على المرأة إجراء الفحص كل سنة أو سنتين.
الفئة (3): قد تظهر الصورة ورماً حميداً لكن هذا غير مثبت، وهنا تحتاج المرأة للمتابعة كل ستة أشهر.
الفئة (4): يكون هناك شك في وجود ورم خبيث، وهنا قد تحتاج المرأة لأخذ خزعة تشخيصية تتمثل في عينة تؤخذ من الثدي لفحصها في مختبر الأنسجة والعينات بواسطة المجهر الضوئي.
الفئة (5): تشير إلى احتمال كبير لوجود ورم خبيث، وهنا تحتاج المرأة إلى خزعة تشخيصية.
الفئة (6): تشير إلى وجود خزعة تؤكد وجود ورم خبيث.
الفحص الذاتي للثدي والماموغرام
يصعب على جهاز الماموغرام الكشف عن سرطان الثدي خاصة لدى الفتيات اليافعات وذلك بسبب ازدياد كثافة الثدي لديهن. لذا تنصح الفتيات بالبدء في الفحص الذاتي للثدي من بداية سن الـ 20. وهو اختبار بسيط تجريه الفتاة بعد الدورة الشهرية كل شهر بصورة روتينية، حيث تقوم بفحص الثديين والإبطين باليد. إن انتشار الوعي بأهمية الفحص الذاتي وفحص الماموغرام كأدوات وقائية يزيد بصورة كبيرة إمكانية اكتشاف المرض مبكراً ويرفع نسبة الشفاء منه.
فحوص وقائية إضافية
في السنوات القليلة الماضية، أصبحت عملية «متابعة العمل» بعد الماموغرام الوقائي أمراً مهماً جداً. وهي تتكون من:
فحص الماموغرام التشخيصي: قد تكون هناك مناطق مثيرة للقلق عند بعض النساء لا يمكن حلها بالمعلومات المتاحة من الماموغرام الوقائي الفحصي. وعندئذ يمكن أن تُستدعى المرأة مرة أخرى لـ«تصوير الثدي بالماموغرام التشخيصي». وخلال هذه الجلسة يرصد الطبيب كل واحد من الأفلام الإضافية التي يتم التقاطها من جانب تقني الأشعة، وربما يطلب فحص سونار للثدي.
فحص الثدي بالسونار
في بعض الحالات تظهر أنسجة الثدي الغدية كمنطقة بيضاء وتغطي أي ورم في نفس كثافتها. لذا يتم إجراء فحص السونار، وهو عبارة عن فحص بواسطة الموجات فوق الصوتية لرؤية هذه المناطق بوضوح أكبر، والتمييز بين أنسجة الثدي الطبيعية والأورام الصلبة أو الحويصلية.
فحص خزعة عينة من نسيج الثدي
في حال وجود أي تغير غير طبيعي في فحص الماموغرام يصعب معرفة طبيعتها (ورم حميد أو خبيث)، يوصى باللجوء إلى أخذ خزعة للحصول على عينة من الموقع المصاب لفحصها مجهرياً لتحديد سبب الشذوذ بدقة. وكانت معظم الخزعات تتم بعمليات جراحية وتحت تأثير تخدير موضعي أو عام. وحالياً يتم معظمها بالإبر باستخدام موجات فوق صوتية أو التوجيه بالأشعة للتأكد من أن المنطقة ذات الاهتمام هي المنطقة التي يتم أخذ العينة منها. وهذه الخزعات الأساسية تتطلب تخديراً موضعياً فقط.
حدود تصوير الثدي
الصور الأولية للماموغرام ليست كافية في العادة لتحديد وجود أمراض حميدة أو خبيثة على وجه اليقين. فاذا كان هناك شك بوجود بقعة مشبوهة يوصى بالمزيد من الدراسات التشخيصية.
وتقييم صور الماموغرام يمكن أن يكون صعباً عند الرضاعة الطبيعية أو إذا كان هناك مسحوق أو مرهم على الثدي، أو إذا كانت المرأة قد خضعت لجراحة الثدي؛ لأنه في هذه الحالات يصعب اكتشاف بعض سرطانات الثدي. لذا فإن المقارنة بين فحص الماموغرام الحالي والفحوص السابقة ربما تساعد على التشخيص.
إن زراعة الثدي بالسليكون وغيره من المواد يمكن أن تعوق أيضاً قراءات دقيقة للماموغرام؛ لأن هذه المواد شفافة على الأشعة السينية، وقد تعرقل أي رؤية واضحة للأنسجة التي تقف وراءها، وبخاصة إذا كان زرع المادة قد وضع أمام الثدي بدلاً من تحته.
ويجري البحث عن مجموعة متنوعة من تقنيات تصوير الثدي يمكن أن تسهم في الكشف المبكر عن سرطان الثدي وتحسين الدقة في التمييز بين الأورام الحميدة والخبيثة.
انتقادات فحص الماموغرام
ان استخدام الماموغرام كأداة فحص للكشف عن سرطان الثدي في وقت مبكر ما زال عرضة لنقاش مستمر. فالهدف من برنامج الفحص الناجح يجب أن يحقق زيادة في عدد سرطانات الثدى المبكرة يتبعها نقصان في عدد السرطانات في مرحلة متأخرة. وحتى الآن فإن هذا الهدف لم يتحقق في معظم المراكز الطبية. وعلى عكس ذلك يشير النقاد إلى أن معدل الوفيات بسبب الإصابة بسرطان الثدي انخفض بنسبة %30 منذ عام 1990. وتشير دراسات أجريت في السويد وهولندا إلى أن ثلثي الانخفاض في الوفيات الناجمة عن السرطان كانت بسبب فحص الماموغرام. وهناك بعض السلبيات للماموغرام ناجمة عن الخطأ في التشخيص والعلاج الزائد، إضافة إلى التعرض للإشعاع مما يتسبب في ضرر واضح، والذعر من الإصابة بالسرطان، وإجراء التدخلات الجراحية غير اللازمة.
الخلاصة:
على الرغم من اختلاف الآراء بشأن نجاعة أو خطورة فحص الماموغرام فإننا نلاحظ أن هذا الفحص ما زال أداة وقائية تزيد بصورة كبيرة اكتشاف المرض مبكراً، وكذا نسبة الشفاء منه وبخاصة لدى السيدات اللواتي لديهن خطورة عالية لنشوء الورم السرطاني. وهذا مما يدعو إلى الطمأنينة ويسهم في تجنب القلق المفرط من سرطان الثدي.