هندسة مستقبل التبريد: رحلة عمار بهمن في عالم الابتكار
تسخير تكنولوجيا النانو لتعزيز كفاءة الطاقة في أنظمة تكييف الهواء
“لم يكن من الممكن أن أحصل على جائزة جابر الأحمد لولا دعمُ مساعدي البحث وزملائي في جامعة الكويت، وخاصة طلبتي. فهم الأساس لكل أفكاري وأعمالي” عمار بهمن.
عندما بدأ عمار بهمن دراسة الهندسة، أدرك بسرعةٍ أن أحد التخصصات في المجال الذي اختاره كان مميزاً، إذ يقول: “المهندس الميكانيكي يشبه “الجوكر”. فهو متعدد التخصصات، مما يعني أنه يمكنه التواصل مع مهندس مدني وكذلك مع مهندس كيميائي. ولذا يمكن للمهندس الميكانيكي أن يعمل في أي مجال”، كما قال بهمن، الذي يعمل الآن أستاذاً مساعداً في قسم الهندسة الميكانيكية في جامعة الكويت.
بعد أن نشأ في ظل درجات حرارة الصيف الخانقة في الكويت والتي تصل إلى 55°س وما فوق، سرعان ما قرر بهمن استخدامَ هذه القدرة الهندسية لـ “الجوكر”، للتركيز على جعل تكييف الهواء أكثر كفاءة. ويقول بهمن الذي درس أولاً في جامعة الكويت، ثم جامعة جنوب فلوريدا في تامبا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وحصل في النهاية على درجة الدكتوراه من جامعة بيردو في ولاية إنديانا الأمريكية: “لقد حرَصتُ دوماً على إيجاد حلول لكيفية تبريد المباني”.
وأوضح بهمن أن أغلب أنظمة التكييف صُممت لدرجات حرارة تصل إلى 45°س، وإذا اضطرت تلك الأنظمة إلى العمل في درجات حرارة تتجاوز هذا النطاق، فإنها ستضطر إلى العمل بجهد أكبر وستبدأ في استهلاك مزيد من الطاقة. وفي أبحاثه يعمل بهمن على ابتكارات متطورة تعالج هذه المشكلة، مما قد يؤدي إلى توفير الطاقة وتقديم حماية أفضل للبيئة. وقد حصل بهمن عن أعماله البحثية على جائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب للعام 2024.
وتتضمن إحدى أفكار بهمن حقنَ السوائل النانوية في وحدات تكييف الهواء والتبريد. وقال: “تُنشَأ السوائل النانوية عن طريق خلط جزيئات صُلبة صغيرة مع سائل أساسي يمكن أن يكون ماءً أو زيتاً أو أي نوع آخر من السوائل”. ويبلغ قياس الجسيمات النانوية عادةً ما بين واحد و100 نانومتر، أي ما بين واحد على البليون وواحد على عشرة ملايين من المتر. للمقارنة: يبلغ سُمك الورقة نحو 100,000 نانومتر.
إن دمج مثل هذه الجسيمات في وحدات تكييف الهواء يمكن أن يزيد من كفاءتها بطريقتين. فإضافتُها إلى زيت الضاغط -المكون الذي يدفع سائل التبريد أو المادة المبردة عبر النظام – يساعد النظام على العمل بسلاسة أكبر. ويقول بهمن: “الأمر أشبه بوضع الرمل على طاولة ثم رسم دوائر بيدك. فتنزلق يدك بسهولة أكبر لأنها تنزلق فوق الرمل. وعلى نحو مماثل تتسبب الجسيمات النانوية في تشغيل الضاغط باحتكاك أقل، مما يعني توفير الطاقة”.
يمكن أيضاً خلطُ الجسيمات النانوية بسائل التبريد نفسه. يوفر هذا السائل، الذي يدور عبْر نظام تكييف الهواء، التبريد الفعلي: يدخل المنزل بارداً ويمتص الحرارة من الغرف، وفي هذه العملية يسخن ويتحول إلى غاز. ويُوجَّه الغاز الدافئ إلي خارج المنزل، حيث ينضغط مجدَّداً مع إطلاق الحرارة التي التقطها ويعود إلى كونه سائلاً بارداً. ثم تبدأ الدورة من جديد.
أدرك بهمن أن هذه العملية يمكن أن تصبح أكثر فعالية بإضافة جسيمات نانوية ذات موصِّلية حرارية عالية إلى سائل التبريد. أي: فتات صغيرة جداً من المواد التي تتميز بقدرتها الفائقة على امتصاص الحرارة. ومن الأمثلة على ذلك عديدٌ من المواد القائمة على الكربون مثل الماس النانوي أو الغرافين. إن إضافة مثل هذه الجسيمات النانوية تسمح للمبردات بامتصاص مزيد من الحرارة بنحو أسرع، مما يسمح بأنظمة تكييف أصغر حجماً وأكثر كفاءة وتستهلك طاقة أقل.
وقد اختبر بهمن هذا النهج بالفعل في غرفة سيكومترية Psychometric chamber تتكون من حجرتين، واحدة تحاكي الداخل والأخرى الخارج. وعندما سخَّن الحجرة الخارجية إلى 55°س في يوم صيفي قائظ في الكويت، استخدم نظام التبريد المعزز بالسوائل النانوية طاقةً أقل بنسبة 8% على الأقل من وحدة التبريد التقليدية – وهو انخفاض كبير. وقال بهمن: “تخيل مقدار الطاقة التي يمكننا توفيرُها إذا لم تكن هذه مجرد وحدة واحدة وغرفة واحدة، ولكن منطقة كاملة في المدينة أو البلد بكامله”.
وتتضمن فكرة أخرى من أفكار بهمن التبريد الفرعي Subcooling. بعبارة أخرى: تمرير السائل المبرد عبر دائرة إضافية يُبرَّد فيها إلى درجة منخفضة جداً قبل إعادة دخوله إلى المنزل. ويوفر تبريد السائل المبرد بدرجة منخفضة دفعة إضافية لتكييف الهواء، مما يجعله أكثر كفاءة. وقد طور بهمن نظاماً يستخدم الطاقة الشمسية لخطوة التبريد الإضافية، مما يقلل من التأثير البيئي والاعتماد على محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري. وقد حصلت آلية التبريد الفرعي المبتكرة التي ابتكرها أخيراً على براءة اختراع مسجلة في الولايات المتحدة.
وفي الأمد البعيد يأمُل بهمن أن يجمع بين السوائل النانوية والتبريد الفرعي بالطاقة الشمسية في نظام مشترك. ويقول: “أريد تقليل استهلاك الطاقة من دون المساس بالراحة الحرارية Thermal comfort للأشخاص داخل المنزل”. وهو يبحث حالياً عن الجسيمات النانوية الأكثر ملاءمة لأغراضه. وقد تكون هجينة، أي مادة نانوية تنشأ بفعل الجمع بين مواد مختلفة. ويقول بهمن: “يمكن أن يسمح لك هذا بالاستفادة من أفضل ما في كل مادة. ربما تكون إحداهما منخفضة التكلفة والأخرى باهظة الثمن ولكنها ذات موصِّلية حرارية عالية. ومن خلال الجمع بينهما، يمكن للجسيم النانوي الهجين أن يوفر موصِّليةً حرارية عالية بتكلفة أقل”. وأكسيد الألومنيوم من بين المواد المُرشَّحة الواعدة. إذ يقول بهمن: “يمكننا الحصول على أكسيد الألومنيوم من موادَّ معاد تدويرُها، وهو ما سيكون مفيداً للبيئة، ثم نخلطه بمادة موصلة جداً مثل الأنابيب النانوية القائمة على الكربون”. ولكن يتعين على بهمن أولاً التغلُّب على بعض التحديات مثل التأكد من أن المواد الهجينة من هذا النوع تظل مستقرة في أثناء دورانها عبْر التيار المتردد.
ولكن أفكار بهمن تتعدى بالفعل أنظمة تكييف الهواء البسيطة إلى الدور الذي يمكن أن تؤديه المباني نفسها في الحفاظ على راحة سكانها. ويتساءل: “على سبيل المثال، ماذا لو طلينا المنازل بدهانات تحتوي على جسيمات نانوية تمتص قدراً أقل من الحرارة؟ هل من شأن هذا أن يجعل المنازل أكثر كفاءةً في استخدام الطاقة؟”.وستحفز جائزة جابر الأحمد بهمن أكثر على مواصلة أبحاثه. ويقول: “لم يكن من الممكن أن أحصل على الجائزة لولا دعم مساعدي البحث وزملائي في جامعة الكويت، وخاصة طلبتي. فهم الأساس لكل أفكاري وأعمالي”.