علاجات واعدة تبعث الأمل بمرضى الثلاسيميا
“كل من يبدع، أو يسجل اختراعاً، أو يستغرق وقته في بحث معين، لا يكون حافزه أي جائزة أو أي شيء في المقابل، بل هو شغف في ذاته لكشف لغز ما، كألغاز الأمراض مثلا… هو إيمان بفكرة ما يسعى إلى جعلها حقيقة، وتكبر في داخله لتصبح حلما وهدفا وهاجسا أحياناً. الشخص الطَموح يسعى إلى تحقيق أهدافه بغض النظر عن أي تقدير، مع أن التقدير مرحلة ضرورية فيما بعد لأنها تحتّم تطوير الفكرة وحمايتها وتسويقها واستفادة الإنسان منها. البحث والطموح والاختراع حاجات إنسانية لصاحبها أولا، وحين يُخرجها من داخله فإنها تدخل في خدمة الآخر”.
بهذه العبارات بدأ الدكتور علي طاهر، الفائز بجائزة الكويت لعام 2021 في مجال العلوم الطبية التطبيقية، حديثه الشائق مع مجلة (التقدم العلمي) عن مسيرته العلمية، وأبحاثه المتقدمة التي يجريها في ميدان تطوير العقاقير واللقاحات الجديدة والتصدي للأوبئة والأمراض السارية ولاسيما مرض الثلاسيميا.
ويتابع الدكتور طاهر حديثه بهذا الصدد قائلا: “أعتقد أن نجاحي في مسيرتي المهنية اعتمد على أمور عدة بينها شغفي وحبي لعملي. وأعتقد أنه لا يمكن لأحد أن ينجح من دون أن يحب ما يفعل. بمجرد أن يكون لدينا شغف بعملنا، بمجرد أن يكون لدينا شغف بمجال اهتمامنا، سنحقق النجاح. الأمر الآخر المهم هو التركيز؛ التركيز على مجال محدد والتعمق فيه. الأمر الثالث هو العلاقات والتشبيك Networking. لقد أنشأتُ شبكة من العلاقات في بلدي وفي منطقتي وعلى مستوى العالم، وأثّر هذا كثيرًا في نجاحي. عندما تكون لديك شبكة من العلاقات، حينها ستُحدِث فرقًا. من المهم أن تكون شغوفًا، وتركز على عملك، وتستخدم شبكة العلاقات التي لديك، وأن يكون لديك عقل علمي، وأن تؤمن دائمًا بالعدالة والتنوع والشمول”.
الشغف العلمي للدكتور طاهر بدأ في لبنان حيث درس المرحلة الثانوية في ثانوية الروضة، في وقت كان فيه لبنان يمر بواحدة من أصعب فترات الحرب الأهلية في تاريخه. وبعد إنهائه المرحلة الثانوية درس الطب البشري في الجامعة الأمريكية ببيروت، ثم تخصص فيها، وبعدها ذهب إلى لندن حيث تابع تدريبه في مجال أمراض الدم. وفي لندن نما لديه اهتمام بالثلاسيميا (مرض وراثي ينتقل إلى الطفل من كلا الوالدين، ويتطلب نقل الدم مدى الحياة، وهو ما يسمى الثلاسيميا المعتمد على نقل الدم)، لأنه كان يرى الكثير من المرضى المصابين بالثلاسيميا في لبنان. طرحت السيدة الأولى في لبنان في بداية تسعينات القرن العشرين، السيدة منى الهراوي، وأستاذه البروفيسور فيكتور هوفبراند فكرة تأسيس مركز لرعاية الثلاسيميا في لبنان، وهو ما بوشر به عام 1994.
وكانت هناك محطة مهمة للدكتور طاهر في هولندا، حيث حصل منها على درجة الدكتوراه، وكانت أطروحته عن الأمراض الملتبسة Unrevealing Morbidities في الثلاسيميا غير المعتمدة على نقل الدم.
علاجات واعدة
علاج مرضى الثلاسيميا المعتمد على نقل الدم يتطلب نقل الدم لهم باستمرار للبقاء على قيد الحياة. ولأن الدم يحتوي على الكثير من الحديد، سيترسب الحديد لدى هؤلاء المرضى في القلب والكبد والغدد الصماء. لذلك فإن أول ما سعى إليه الدكتور طاهر هو محاولة العثور على أفضل علاج لهؤلاء المرضى لإزالة الحديد من أجسامهم باستخدام أدوية لا تُعطى عن طريق حقن الوريد أو الحقن العادي، بل أدوية تؤخذ عن طريق الفم وتزيل الحديد من أعضاء هؤلاء المرضى. وهذا هو العمل الذي أجراه في مرحلة مبكرة على دواء ديفيريبرون وبعدها على ديفارازيروكس، وهما من الأدوية التي تؤخذ عن طريق الفم ويجب أن يلتزم المرضى بتناولها، ومن ثم يمكن إزالة الحديد من أجسامهم. فيما تركز الجهود الحالية على محاولة زيادة الهيموغلوبين أو خلايا الدم الحمراء في دم المريض حتى لا يحتاج لنقل الدم.
وعن الفوائد المترتبة على تلك الأبحاث على المرضى بصورة خاصة والبشرية بصورة عامة، يوضح الدكتور طاهر أنه بعد إزالة الحديد من هؤلاء المرضى سيصيرون أصحاء مثل أي فرد عادي، وهذا هو السبب في أنهم يعيشون حاليًا سنوات أطول ويندمجون على نحو أفضل في المجتمع. و”في الوقت نفسه “نعمل على تطوير حقن من شأنها زيادة خلايا الدم الحمراء في دمهم بدلاً من نقلها إليهم، وهذا سيحسِّن نوعية حياتهم ويزيد مستوى الهيموغلوبين لديهم، ويقلل من إصابتهم بالمرض”.
ويرى أن تلك الجهود ستؤدي إلى إيجاد علاجات واعدة، ومن ثم تحسين نوعية الحياة، ليس فقط في لبنان أو الدول المجاورة، بل أيضًا على الصعيد العالمي. وفي الآونة الأخيرة، أجيزت بعض هذه الأدوية. ونجري حاليًا العديد من التجارب الإكلينيكية الجديدة ليس فقط على حُقَن زيادة الهيموغلوبين، ولكن أيضًا على أقراص زيادة مستوى الهيموغلوبين.
ويضيف “نحن كعلماء سنستمر في مساعينا لإيجاد علاجات جديدة من شأنها تحسين نوعية حياة مرضانا وزيادة اندماجهم في المجتمع، ومنحهم فرصة العيش مثل أي فرد آخر في المجتمع. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نتطلع إلى المزيد من علاجات تقليل الحديد في الجسم وزيادة الهيموغلوبين لدى هذه المجموعة من المرضى”.
تحفيز الإبداع
حصل الدكتور طاهر على جائزة الكويت تقديرا لكل الجهود التي بذلها في مجال مرض الثلاسيميا، والأبحاث التي أجراها في هذا الشأن، ولاسيما مرض الثلاسيميا المعتمد على نقل الدم وتوضيح المشكلات المتعلقة بمرض الثلاسيميا غير المعتمد على نقل الدم، وكذلك للأبحاث المتعلقة بالعمل على إزالة الحديد الزائد لدى المرضى المعتمدين على نقل الدم وغير المعتمدين على نقله، وزيادة الهيموغلوبين في حالتي الاعتماد وعدم الاعتماد على نقل الدم.
وعن الدور الذي تؤديه مثل هذه الجوائز في تحفيز العلماء والباحثين العرب على الإبداع والعطاء والتميز في مجالات تخصصاتهم، يرى الدكتور طاهر أن الجوائز تمثل شيئا أكثر من قيمتها؛ وهو التقدير، والتقدير جميل، ويؤجج الحماسة للمزيد من العطاء، فليس هناك أجمل من أن تقدر الجهود الحثيثة التي يبذلها أي مخترع. والتقدير ويؤجج الحماسة أنك في مجتمع واعٍ لقيمة ما تفعله، ولذلك دلالته الكبيرة على المستوى المحيط باختراعاتك وأفكارك.
ويقول إنه ليس هناك سبيل أمثل لتحفيز بيئة الإبداع العلمي في الوطن العربي، وتشجيع الباحثين والعلميين العرب، ولاسيما الشباب، على الإنتاج والعطاء في أوطانهم؛ لأنه لا يوجد سبيل ثابت. “فالكون في تطور دائم، والمخترع هو كالجوهرة، يتزاحم عليه كثر بالعروض والتقدير. وهل هناك رهان على انتمائه، وتعلقه بوطنه؟ هذا صحيح. أنا تعلقت بالإنسان، لذلك صمدت واحتفلت بتقدير مرضاي، وتحديت نفسي لأرى الأمان في أعينهم. لكلٍّ حوافزه. لكن لا شك أن البيئة السليمة أمر مطلوب لكل من ينتج، وتسهم في توفير سبل الراحة له. والحافز الأساسي لخلق الإبداع هو مساحة مريحة لمزيد منه، هو التقدير والتحفيز والتمويل والاحتفال، هو حق الشعور المتبادل عندما تعطي”.
نزيف العقول
ويتطرق الدكتور طاهر إلى النزيف المستمر للعقول العربية المبدعة في كل المجالات ولاسيما في العقدين الأخيرين، ويعتقد أن السبيل الأمثل لإبقاء هؤلاء العلماء على صلة بأوطانهم، وتعزيز الصلات فيما بينهم، والاستفادة من إنجازاتهم، يمكن أن يتحقق من خلال تعزيز الفعاليات التي تجمعهم؛ لأنها تسهم في تبادل الأفكار والخبرات، كما أن من المهم أيضا الاستماع بتركيز كبير واهتمام بالغ للشباب، فهم نبض الأوطان والطاقة الكامنة، كما أنهم في الوقت نفسه عرضة للهجرة إلى الأماكن التي تحفزهم. وعلينا أن نتعاطى مع المخترع في عالم الطب على أنه كنز دفين؛ فهو خادم للبشرية برمتها. ومن وجد في وطنه ما يستحقه فسيعطي المزيد وسيبقى متشبثا بأرضه ووطنه.
ويشدد على ضرورة وجود استراتيجيات وطنية متميزة للبحث العلمي في الدول العربية لاسيما أن الفجوة تتسع بين تلك الدول ونظيرتها المتقدمة في هذا المجال، مع ضرورة التركيز على الأولويات المهمة للمجتمعات العربية، مثل موضوعات الصحة والتنمية والبيئة. ويدعو الجامعات العربية إلى إطلاق مبادرات في ميدان دعم البحث العلمي وتشجيع الباحثين، إضافة إلى تعزيز التعاون فيما بينها.
ويشير إلى الدور الحيوي الذي يمكن أن تؤديه المرأة العربية في المجالات العلمية، ويرى أنها تعتبر ثروة للأوطان، ولديها قدرة كبيرة على العطاء في كل المجالات، “لكن بعض التقاليد أو أنظمة العمل في بعض البلدان تحول دون بروز قدراتها. والتغيير يجب أن يكون على مستوى المجتمع، ومن يديرون السلطة يملكون القدرة على الاستفادة من الإمكانات الهائلة التي تملكها النساء في كل المجالات. وفي الآونة الأخيرة نشهد انفتاحا واعدا في كثير من البلدان العربية، وأنا متفائل بذلك”، كما يقول.
حوار عبدالله بدران
اين المقالات العلمية؟ الثقافية لماذا اختفت من المجلة؟ لماذا قلصتم حجم الاعداد وافرغتها من محتواها العلمي الثقافي؟ كنت من الحريصين جدا على متابعة مجلة التقدم العلمي أما الآن فاني لا اتابعها منذ شهور
ارجوكم اعيدو الحياة إلى مجلتي المفضلة التقدم العلمي