أبحاث ممولةفضاء
من القمر إلى الأرض
بقلم سوميا راجارام
حيث يوجد الكثير من الرمال في أعماق الأرض، يمكن أن يوجد الماء. يبدو الأمر مخالفًا للمنطق، لكن هذا الاكتشاف مكّن فاروق الباز من العثور على مياه جوفية في أكثر الأماكن جفافا التي يُستبعد العثور على الماء فيها؛ من صحاري مصر القاحلة إلى دارفور التي يجتاحها الجفاف في غرب السودان. عمله في اكشاف المياه الجوفية بالاستشعار عن بعد ساعد على توفير المياه لعدة قرى في دارفور مثلا. وهذا ما يجعل أيضًا منطقة شرق العوينات – الواقعة في جنوب غرب مصر بالقرب من الحدود مع السودان- تنتج ما نحو ثلث إجمالي الحبوب في مصر اليوم.
فاز الباز بجائزة الكويت في مجال العلوم الأساسية (علوم الأرض) لعام 2020 التي تمنحها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس)، تقديراً لمسيرته البحثية الطويلة، وعمله الرائد في مجال علم الآثار الستراتوسفيري Stratospheric Archaeology، والاستشعار عن بعد، ودوره في تطوير الأبحاث المتعلقة بجيولوجيا الأرض والقمر. وهو المدير السابق لمركز الاستشعار عن بعد Center for Remote Sensing في جامعة بوسطن Boston University بالولايات المتحدة، حيث يعمل الآن أستاذًا متقاعدًا للأبحاث. خلال حياته المهنية الزاخرة بالإنجازات، نظر إلى ما هو موجود تحت سطح الأرض وتطلع باتجاه القمر. بعد تخرجه في جامعة القاهرة في عام 1958، حصل الباز على منحة دراسية لنيل درجة الدكتوراه في الجيولوجيا من ولاية ميزوري بالولايات المتحدة في عام 1969، وسرعان ما صار له دور مهم في أحد أهم الإنجازات العلمية للبشرية، ألا وهو مهمة أبولو 11.
وبوصفه عالما عربيا في ذلك الوقت، أدرك الباز تمامًا الحاجة إلى إثبات نفسه. ومكّنه ولعه بالجيولوجيا من تبسيطها لرواد الفضاء، مما جعله عالمًا محبوبا هناك. يتذكر ما حدث قائلًا: “كان تعاون رواد الفضاء عاملاً أساسياً. فخلال أولى الدورات في المدار حول القمر تعين عليهم تحديد معالم معينة على سطحه باستخدام تلسكوب المركبة الفضائية. وكان هذا يسمح لمهندسي هيوستن }في الوكالة ناسا[ بحساب موقع مدار المركبة الفضائية بدقة”. المشكلة أن رواد الفضاء لم يرغبوا في التعامل مع عالم جيولوجي. لكن الباز دخل إليهم من باب آخر، متفاديًا التطرق إلى الجيولوجيا على الإطلاق. فقد أطلعهم على صور لسطح القمر للتعرف على أشكال التضاريس التي يمكن بفضلها التعرف على المعالم، وأطلقوا عليها أسماء وفق ما أوحاه شكلها لهم – وهكذا أُطلق على أحدها “رجل الثلج” وعلى الآخر “فوهة مزدوجة”، وهكذا. وسرعان ما أبدى رواد الفضاء اهتمامًا بالأمر، وكانوا سعداء بقدرتهم على تذكر هذه المعالم وأعينهم مغمضة. في عام 1974، دعاه الرئيس المصري أنور السادات لدراسة الصحراء بأجهزة الاستشعار عن بعد. يشرح الباز الصلة بين الأمرين بقوله: “من نواح كثيرة، كان برنامج أبولو البحثي تمهيدًا لذلك. كنا ننظر إلى سطح خارج الأرض ونفسره بالنظر إلى الصور.
صار ذلك دافعًا للنظر إلى الأرض بالطريقة نفسها، من خلال صور الأقمار الاصطناعية”. وهكذا عاين الباز ودرس مواقع صحراوية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا وشبه الجزيرة العربية والهند والصين. وعن الاكتشاف المهم حول الرمال الذي قادته إليه أبحاثه يقول إن مياه الأمطار تنقل ركام الصخور من قمم الجبال الشاهقة عبر مجاري الأنهار وتُحدث حركة تدفق قوية. هذا يحطم الصخور إلى قطع صغيرة تتدحرج في قاع النهر، فينتج عن ذلك حبيبات الرمل بعد ذلك بملايين السنين.
ويضيف: “على امتداد مجراها، تتسرب بعض المياه وتتراكم كخزانات مياه جوفية. في عام 1982 وجدنا أن موجات الرادار يمكن أن تخترق الرمال. ويمكننا اليوم تتبع مجاري هذه الأنهار القديمة إلى دلتاها. الكويت، على سبيل المثال، تمثل واحدة من مثل هذه الدلتاوات. توجد مياه جوفية في المملكة العربية السعودية على طول مسار النهرين اللذين نتجت عنهما دلتا الكويت”.
أدت جهوده الرائدة في مجال الاستشعار عن بعد إلى العثور على مياه جوفية تحت صحراء تاكلامكان الصينية، وتتبع انتشار الأمراض التي تفتك بالمحاصيل في المزارع بالهند، وشرح الأثر البيئي لحرب الخليج على الكويت. يقول الباز: “إن حصى الصحراء تعد حامية مهمة للرمال. خلال النزاع العسكري، تسببت الدبابات الثقيلة والمدفعية في تغيير معالم الغطاء الحصوي الطبيعي والرمال الموجود على سطح الصحراء. لقد تسبب ذلك في زيادة كبيرة في العواصف الترابية في شبه الجزيرة العربية”
يُستخدم الاستشعار عن بعد أيضًا لدراسة الغابات المطيرة في البرازيل، وعلاقة المناطق الساحلية في أوروبا بالمياه، والعواصف الترابية في الولايات المتحدة. يقول الباز: “كان الاستشعار عن بعد في طليعة الأدوات المساهمة في حماية بيئة الأرض. ولولاه لما عرفنا عن الكثير من مشكلات الأرض وكيفية إصلاحها”.
وحاليًا يمكن أن تستفيد البعثة المرسلة إلى المريخ أيضًا من الاستشعار عن بعد. عن ذلك يقول: “نحن بحاجة إلى فهم سبب فقدان المريخ للأكسجين وتسربه من غلافه الجوي. لقد ظل يفقد غلافه الجوي لدرجة أنه لم يتبق منه اليوم سوى 1/16 مما كان عليه من قبل. وبعثة ’الأمل’ الإماراتية حاليًا ترصد الطبقة العليا من الغلاف الجوي العلوي لكوكب المريخ. ونأمل أن تشرح لنا الكيفية التي يفقد بها الكوكب الأكسجين الموجود في غلافه الجوي. كما نأمل أن نفهم على نحو أفضل المكان الذي يمكن فيه العثور على الماء على المريخ، حتى نتمكن من إرسال رواد فضاء إلى هناك في المستقبل”.
belowarticlecontent