يجعل الصيف الحار والتربة الرملية الكويت غير مناسبة للزراعة. ومع ذلك، فإن مناخ البلاد مناسب تمامًا لأشكال معينة من تربية الأحياء المائية، بما في ذلك الروبيان. ومن هذا المنطلق، بدأ باحثون في معهد الكويت للأبحاث العلمية بدراسة تربية الأحياء المائية في سبعينات القرن العشرين. ويعتقد المعهد أن توسيع نطاق استزراع الروبيان في الكويت ربما يحسِّن الأمن الغذائي في البلاد، وينوِّع مصادر دخل أصحاب المزارع المحليين.
كانت الأبحاث المبكرة حول استزراع الروبيان في معهد الكويت للأبحاث العلمية تدرس المزارع الساحلية حيث يُربى الروبيان في بيئته الطبيعية ذات المياه المالحة. ومع ذلك، فإن المساحات الساحلية التي يمكن فيها تطوير منشآت كهذه محدودة في الكويت، ويعمل معظم المزارعين في منشآت برية، لذلك بدأ المعهد في عام 2015 في استكشاف فرص استزراع الروبيان على البر. وقالت شيرين السبيعي، الباحثة العلمية المشاركة في قسم تربية الأحياء البحرية ومصايد الأسماك في معهد الكويت للأبحاث العلمية: “أردنا توفير فرص للمزارع الصغيرة والمتوسطة الموجودة في المناطق البرية”.
ينطوي إنشاء وتشغيل مزارع للروبيان في المناطق البرية على جملة من التحديات، أهمها هو أن المياه الجوفية غير مناسبة لاستزراع الروبيان، لأنها تفتقر إلى عناصر معينة من مياه البحر التي يعتمد عليها الروبيان للبقاء. هذه هي المشكلة التي عملت السبيعي وزملاؤها في معهد الكويت للأبحاث العلمية على التغلب عليها خلال سنوات من البحث والتجريب. وقالت السبيعي: “هناك العديد من العناصر في مياه البحر ينبغي معاينتها عنصرًا تلو آخر”. ومن خلال تعديل عناصر مثل المغنيسيوم والبوتاسيوم والصوديوم، يمكن للباحثين جعل المياه الجوفية تحاكي المياه المالحة، ومن ثم إنشاء موئل Habitat مناسب لتربية الروبيان بعيدًا عن الساحل.
أبحاث وفق نطاق جديد حقق فريق الاستزراع المائي في معهد الكويت للأبحاث العلمية أكبر قفزة في عام 2019 عندما قدمت لهم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي منحة مدتها عامان للمساعدة على تمويل موقع بحثي جديد وإجراء تجارب على نطاق شبه تجاري. قالت السبيعي “نجري عادة تجاربنا على نطاق صغير في المعهد. لكنني أردت الحصول على بيانات يمكن تطبيقها على القطاع التجاري، ولهذا كنت بحاجة إلى العمل على نطاق شبه تجاري”.
أنشأ الفريق موقعه البحثي الجديد في منطقة كبد، على بعد نحو 40 كم خارج مدينة الكويت و30 كم على الأقل من أقرب ساحل. تتوفر في الموقع مرافق خارجية وداخلية. ويوجد في المنشأة الداخلية خزانان دائريان يعيش الروبيان داخلهما خلال مرحلة الحضانة، بعد أن يفقس وقبل أن يصبح كبيرًا بما يكفي لنقله إلى الأحواض حيث يمكن أن ينمو إلى حجمه الكامل. وتوجد في المنشأة الداخلية كذلك ثلاثة أنظمة تدفق أو مجارٍ مائية بمساحة 75 مترًا مربعًا، حيث يمكن استزراع الروبيان بكثافة عالية. ويوجد في الخارج حوضان ترابيان ، تبلغ مساحتهما 1500 متر مربع، ويستخدمان أيضًا خلال مرحلة التسمين.
أتاح التمويل المقدم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي للباحثين كذلك شراء الموارد اللازمة لإجراء البحث، بما في ذلك أعلاف الروبيان المستوردة، ويرقات الروبيان المستوردة، ومجموعات اختبار مختلفة لمراقبة جودة المياه في موقع البحث والتأكد من خلو الروبيان من الأمراض. وقالت السبيعي: “لولا دعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، لما أمكن لهذا المشروع أن يرى النور”.
عندما بدأ فريق البحث عمله، كان معدل بقاء الروبيان على قيد الحياة، أي أعداد الروبيان التي تبقى على قيد الحياة إلى أن تصير كبيرة بما يكفي لحصادها، أقل من 20 %. وقالت السبيعي: “من خلال المشروع، زدنا معدل البقاء على قيد الحياة إلى 72 %. إنها زيادة هائلة”. كما أن معدل البقاء الجديد أقرب بكثير إلى المعدل الذي تحققه مزارع المياه المالحة ويبلغ عادة نحو 80 %. وجاءت قياسات النجاح الأخرى متساوية أيضًا مع ما يتوقعه الباحثون في مزرعة روبيان بعيدة عن الساحل.
مستقبل تربية الروبيان في الداخل بعد عامين من الأبحاث التي مولتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في كبد، تقوم السبيعي بإعداد نتائجها للنشر. وهي ستنشرها في مجلة مرموقة تعنى بتربية الأحياء المائية. وعن المرحلة التالية من البحث، قالت السبيعي إن الفريق يخطط لدراسة العناصر الثانوية، مثل الزنك والنحاس التي يمكن أن تؤثر في حجم نمو الروبيان قبل الحصاد. ويبحث الفريق أيضًا عن بدائل للاستعاضة عن الملح الباهظ الثمن الذي يضيفونه إلى المياه بعنصر أقل تكلفة وأكثر مراعاة للبيئة.
في المستقبل، قالت السبيعي إنه يمكن تطبيق هذا البحث أيضًا على تربية أنواع الروبيان المحلية في الكويت. فاستخدام الأنواع المحلية من شأنه أن يقلل الحاجة إلى استيراد يرقات الروبيان، مما يزيد من ربحية استزراعه. كما أن الأنواع المحلية تحظى بإقبال أعلى بين المستهلكين المحليين.
يتمثل العائق الأخير أمام توسيع نطاق استزراع الروبيان في الداخل في الكويت في نقص الدراية لدى المزارعين المحليين، لكن السبيعي وفريقها يعملون على معالجة هذه المشكلة أيضًا. ومن خلال الدورات التدريبية الميدانية في موقع أبحاث كبد، يقوم فريق معهد الكويت للأبحاث العلمية بتدريب مزارعين ليصيروا الجيل الأول من مزارعي الروبيان في منشآت برية في الكويت. كل عام يوفر الفريق دورة تدريبية للمبتدئين وأخرى متقدمة لمن لديهم بعض المعرفة. وتشمل أهداف الدورة ضمان فهم المزارعين للبنية التحتية لمزرعة الروبيان الداخلية، ومعرفة كيفية اختبار جودة المياه وضبطها، وتشخيص الأمراض الشائعة لدى الروبيان وعلاجها.
ومع هذه الخطوات التالية لفريق البحث والاهتمام المتزايد بالدورات التدريبية كل عام، يبدو أن مستقبل استزراع الروبيان واعد في الكويت. قالت السبيعي “لو سألتني قبل خمس سنوات لقلت إنه من المستحيل استزراع الروبيان في البر”. أما اليوم، وبفضل تصميم فريق البحث في معهد الكويت للأبحاث العلمية والتمويل الذي قدمته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، فإنه “أمر ممكن، ويمكننا أن نفعل ذلك في الكويت”.
بقلم ماريانا دينين