“لقد فقدنا التوازنَ بين تحويل المدارس إلى أماكن سعيدة للتعلُّم تعمل على الثقة والاستقلالية مع الحفاظ على القواعد والانضباط والمساءلة” أمل الصالح.
عندما انتقلت أمل الصالح إلى الولايات المتحدة للحصول على الدكتوراه، سجّلت أطفالها الأربعة في مدارس أمريكية. وتتذكر قائلةً: “لم يكونوا يعرفون أي كلمة باللغة الإنجليزية”. ولكن بحلول الوقت الذي عادت فيه الصالح إلى الكويت بعد أربع سنوات، لم يكن جميع أطفالها الأربعة مصنفين على أنهم يتحدثون ويقرؤون على مستوى الأمريكيين الأصليين فحسب. بل كشف النظام التعليمي أيضاً أن ابنتها الكبرى – التي كانت في الصف الخامس عند وصولها إلى الولايات المتحدة الأمريكية – فنانة موهوبة وواحدة متفوقة في الرياضيات.
ومن دراسات الصالح للنظام التعليمي، أدركت أن ذلك تحقق من خلال الاختبارات الصارمة – والدراسة المنضبطة التي تتطلبها مثل هذه الاختبارات – إلى جانب خطة درس ثرية ترعى متعة التعلم لدى الطلبة. وتقول: “عندما كنت أذهب لأخذ أطفالي من المدرسة، كانوا غالباً لا يرغبون في العودة إلى المنزل. كانوا مستمتعين بوقتهم هناك”.
وتقول الصالح، التي درست التربية والإدارة التربوية في جامعة الكويت وهي الآن الأستاذة المشاركة في هذا المجال في جامعتها الأم، إن هذا التوازن المثالي بين المساءلة من ناحية وتقرير المصير من ناحية أخرى هو أمر يفتقر إليه نظام التعليم في الكويت. وعلى الرغم من أن الكويت حاولت عدة مراتٍ إصلاح نظامها التعليمي في العقود الأخيرة، قالت الصالح: “لقد فقدنا التوازن بين تحويل المدارس إلى أماكن سعيدة للتعلُّم تعمل على الثقة والاستقلالية مع الحفاظ على القواعد والانضباط والمساءلة”. ولأبحاثها حول كيفية تصدي الكويت لهذه المشكلة ومعالجتها، حصلت الصالح على جائزة جابر الأحمد للعام 2024.
حققت الكويت معدلات تخرُّج ممتازة في المدارس الثانوية ومستويات عالية من الإلمام بالقراءة والكتابة بين مواطنيها. ومع ذلك فإن أداء الطلبة الكويتيين عادة ما يكون أقل من المستوى المطلوب في مواد مثل الرياضيات والعلوم مقارنةً بالدول الأخرى، بما في ذلك دول الخليج الأخرى. وعلى الرغم من تمتعهم بالقدرة على القراءة والكتابة من الناحية الفنية، فإن عديداً من الطلبة يكافحون لتعلم الأشياء اعتماداً على القراءة بأنفسهم. تقول الصالح: “في بعض الأحيان، عندما أطلب إلى أحد الطلبة بنحو عشوائي في محاضراتي أن يقرأ، ولا يستطيع حقاً فهم معنى المحتوى”.
وتفاقمت المشكلات التي كانت قائمة بالفعل في أثناء جائحة كوفيد-19، عندما أُغلِقت المدارس في الكويت أكثر من ستة أشهر. وعلى الرغم من إدخال التعلم عبر الإنترنت، فإنه كان في كثير من الأحيان مرتجلاً، وأثبت أنه غير كافٍ. وفي اعديد من المدارس لم يُطلَب إلى الطلبة، في البَدء، تشغيلُ كاميراتهم، كما قالت الصالح. ونتيجةً لذلك “كان معظم الطلبة نائمين أو مشتتين في أثناء الفصول الدراسية عبر الإنترنت. حتى أن بعض المعلمين أفادوا بأن الآباء حضروا الفصول الدراسية بدلاً من الطلبة”. ومما زاد من المشكلة أن جميع المدارس لم تكن لديها موارد إنترنت أو حاسوب كافية. وعندما عاد الطلبة أخيراً إلى الفصول الدراسية الفعلية، “أدرك المعلمون أن هناك فاقداً تعليمياً كبيراً” بفعل الإغلاق، كما قالت الصالح. والآن، فشل عديد من طلبة المدارس الثانوية عندما حاولوا اجتياز امتحان القدرات في جامعة الكويت، كما قالت الأستاذة المشاركة. وتتابع قائلة: “لكن عندما تنظر إلى درجاتهم في المدارس المتوسطة والثانوية، تجد أنها جيدة. إذن ماذا يحدث في مدارسنا؟”
أجرت الصالح نحوَ 20 دراسة بحثية، وجمعت البيانات من المعلمين ومديري المدارس ورؤساء الأقسام. إحدى المشكلات التي وجدتها هي الافتقار إلى اختبارات التقييم الموحدة. أي: اختبارات منتظمة تختبر جميع الطلبة في مدارس مختلفة في جميع أنحاء البلاد بالأسئلة نفسها. قالت الصالح: “في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لديهم تقييمات وطنية، لكننا لا نختبر الطلبة بهذه الطريقة في الكويت”. بدلاً من ذلك، يعتمد النظام على المدارس نفسها لتقييم الطلبة بناء على امتحانات منتصف الفصل الدراسي والامتحانات النهائية.
ولاحظت الصالح أن المدارس تنقل الطلبة إلى الصف التالي، حتى لو كان مستواهم الأكاديمي ضعيفاً. وتقول: “يُنقَل الطالب إلى العام التالي ثم التالي ثم التالي، حتى يكمل اثني عشر عاماً في التعليم العام. ثم يذهب إلى الجامعة فيفشل في امتحان القدرات لأنه غير مهيأ له”.
وقالت الصالح إن الاختبارات الموحدة من شأنها أن ترفع من مستوى الرقابة والمساءلة. ولكن هذه المساءلة يجب أن تكون متوازنة مع مزيد من الاستقلالية للمدارس والمعلمين في جوانب أخرى. وأضافت: “إحدى أهم المشكلات التي يعانيها نظام التعليم في الكويت هي مركزية السلطة، والتي تحد من سلطة اتخاذ القرار في المدارس. إذ لا تتمتع المدارس بالاستقلالية في اتخاذ القرارات بشأن احتياجات المدرسة، مثل ميزانيتها أو تعيين المعلمين”. وخلال الجائحة عنى ذلك، مثلاً، أن المدارس لم تتمكن من إنفاق الأموال على موارد الإنترنت لتسهيل التحول إلى التدريس عبر الإنترنت. وفي هذا وغيره من الأسئلة، قالت الصالح إنه ينبغي منح المديرين مزيداً من المرونة في كيفية قيادة مدارسهم.
ومن جانبها نصحت الصالح مديري المدارس أنفسهم بمنح المعلمين مزيداً من الحرية في الفصول الدراسية. وقالت: “تُدار بعض المدارس بأساليب أوتوقراطية، وحتى لو كان المدير مدرساً للفنون الجميلة، فقد يتدخل في تقييم كيفية تقديم مدرس الرياضيات لمنهجه الدراسي”. وقد يجد المعلم نفسَه في معضلة، إذ قد يعتمد تقييمه بنسبة 50% على كيفية حُكم المدير على أدائه في الفصل الدراسي. واقترحت الصالح أن تُترك مهمةُ الإشراف على المعلمين لرؤساء الأقسام الذين يتمتعون بخبرة في المواد الدراسية المختلفة، وأن يمنحوا المعلمين ورؤساء الأقسام استقلاليةً في اتخاذ القرار بشأن أفضل السبل لقيادة فصولهم الدراسية وتقديم المواد التعليمية.
وتأمُل الأستاذة المشاركة أن تتوجه الكويت إلى مزيد من الإصلاحات. وقالت: “هناك عديد من الجوانب المشرقة في نظامنا المدرسي. فنحن ننفق كثيراً من الأموال على المدارس ــ على بناء مدارس جديدة، وعلى تعيين المعلمين. ومعدلات الالتحاق والتخرج مرتفعة جداً. ولكننا الآن في حاجة إلى التركيز على الجودة أكثر من الكمية”.
وأشارت الصالح إلى أن بعض المدارس تؤدي دورها بنحو جيد بالفعل. “لديهم مديرون منفتحون، ويُجرون اختبارات تقييم خاصة بهم لتتبع تطور مهارات الطلبة وصولاً إلى التخرج”. وقالت الصالح إن المنظمات والمؤسسات، مثل مؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي تدعم البحث في التعليم، قد ساعدت أيضاً. “لدينا كثير من الإيجابيات في نظامنا. وهناك ضوءٌ يلوح في نهاية النفق”.