الطب وصحةوباء الكورونا

مؤشر الابتكار العالمي 2020.. كوفيد-19 وتمويل الإبداع

  • أزمة كوفيد-19 ستؤثر في مجال الابتكار، وعلى قادته التصرف خلال الانتقال من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة التعافي
  • البحث العالمي المشترك عن حلول صحية للحد من تداعيات جائحة كورونا أظهر مدى قوة التعاون العالمي وأهميته

 محمد الحسن
كاتب علمي ومحرر، (الكويت)

    فيما كان العالم يسير بوتيرة متميزة في مجال الابتكار في السنوات القليلة الماضية، ويحقق إنجازات مهمة في هذا الشأن على صعيد معظم دول العالم، تغير المشهد كثيرا في الربع الثاني من العام الحالي، واستمر على ذلك في الربع الذي تلاه؛ بسبب جائحة كوفيد-19 التي أخذت تداعياتها تؤثر في جميع مجالات الحياة، وتدفع الدول والشركات إلى تغيير خططها واستراتيجياتها، والتعايش مع الواقع الجديد، والاستعداد لما ستكون عليه الأمور خلال الأشهر المقبلة.

   وبعد نحو ثمانية أشهر من المعاناة مع جائحة العصر، جاء إصدار (مؤشر الابتكار العالمي 2020) في سبتمبر الماضي ليرصد التغيرات التي طرأت على ذلك المؤشر خلال السنة الماضية، وتأثير الجائحة على ذلك في الأشهر الأولى من العام الحالي، والتوقعات المستقبلية لذلك. وذلك المؤشر يهدف إلى توفير بيانات دقيقة عن الابتكار، مما يساعد واضعي السياسات على تقييم أداء الابتكار واتخاذ قرارات مستنيرة بشأن سياساته. ويساهم إصداره – باستنتاجاته الرئيسية بشأن تطورات الابتكار بشكل عام، في سياق أزمة كوفيد-19 الحالية، وفيما يتعلق بتمويل الابتكار على وجه التحديد – في تحقيق هذا التأثير.

   ويرى هذا الإصدار من المؤشر – الذي تصدره المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو)- أن معظم الاقتصادات التي ارتقت في تصنيف مؤشر الابتكار العالمي بمرور الوقت استفادت بشدة من اندماجها في سلاسل القيمة العالمية وشبكات الابتكار، والصين وفييتنام والهند والفلبين خير أمثلة على ذلك. وعلى الرغم من وجود مخاطر حقيقية للانفتاح والتعاون الدوليين بشأن الابتكار حاليا، فإن البحث المشترك عن حلول صحية خلال جائحة كورونا أظهر مدى قوة التعاون؛ فسرعة هذا التعاون وفعاليته أثبتتا أن مهمات البحث والتطوير المنسقة دوليا قادرة على مواجهة التوجهات الانعزالية المتزايدة بشكل فعال ومعالجة الموضوعات المجتمعية المهمة.

   وخلص المؤشر إلى ست نتائج رئيسية أوردتها المنظمة في عرض الملخص التنفيذي لذلك الإصدار المتميز، وهي:

1-أزمة كوفيد-19 ستؤثر في مجال الابتكار، ويتعين على قادة الابتكار التصرف خلال الانتقال من مرحلة الاحتواء إلى مرحلة التعافي:

   أدى انتشار جائحة كوفيد- 19 إلى تعطيل الاقتصاد العالمي على نحو لم يسبق له مثيل. وفي وقت استكمال إصدار مؤشر الابتكار العالمي 2020، بدأ تخفيف صرامة التدابير التقييدية فقط، ولا تزال المخاوف من “موجة ثانية” مرتفعة. ضربت الأزمة الحالية مشهد الابتكار في وقت كان فيه الابتكار مزدهرا.  ففي عام 2018، نما الإنفاق في البحث والتطوير بنسبة 2.5%، أي بمعدل أسرع بكثير من نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبعد انتعاش قوي من الأزمة المالية لعامي 2008-2009. ووصل رأس المال الاستثماري واستخدام الملكية الفكرية إلى أعلى مستوياتهما. وشهدت السنوات الأخيرة عزماً سياسيا قوياً على تعزيز الابتكار، وهذا اتجاه جديد وواعد نسبياً نحو ديمقراطية الابتكار وجعله في متناول الجميع. وبعد أن انخفض النمو الاقتصادي العالمي بشدة في 2020، يصبح السؤال: هل سيهوي البحث والتطوير ورأس المال الاستثماري والعزم السياسي لتعزيز الابتكار أيضاً؟

   بما أن الابتكار أصبح ذا دور محوري لاستراتيجيات الشركات والنمو الاقتصادي الوطني، فهناك أمل ألا يتباطأ الابتكار في المستقبل بذات الشدة المتوقعة. ففي الجوهر، لم تغير الجائحة من حقيقة الإمكانات الكثيرة لإنتاج تكنولوجيات وابتكارات خارقة. ومن الواضح أن الشركات الكبرى والمنفقين على البحث والتطوير سيخطئون إذا تخلوا عن البحث والتطوير والملكية الفكرية والابتكار في سعيهم لضمان قدرة تنافسية في المستقبل. وتمتلك العديد من كبرى شركات البحث والتطوير، في قطاع تكنولوجيا المعلومات مثلا، احتياطيات نقدية ضخمة، كما أن الدفع نحو الرقمنة سيعزز الابتكار. ويتوقع أن يشهد قطاع المستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية، وهو من أكبر المنفقين على البحث والتطوير، نمواً في البحث والتطوير مدعوماً بالتركيز المتجدد على البحث والتطوير الصحيين. إضافة إلى ذلك، قد تحفز أزمة كوفيد-19 الابتكار في العديد من القطاعات التقليدية، مثل السياحة والتعليم وتجارة التجزئة.

   ويرى المؤشر أن على واضعي السياسات اتخاذ إجراءات عدة للتخفيف من الآثار السلبية المحتملة لأزمة كوفيد-19 على الابتكار، وذلك من خلال توسيع دعم الابتكار وإجرائه بطريقة معاكسة للدورة الاقتصادية؛ أي مع انخفاض نفقات الابتكار للأعمال التجارية، ينبغي أن تسعى الحكومات جاهدة إلى مواجهة هذا التأثير من خلال زيادة الإنفاق الحكومي على الابتكار.  وبالتزامن مع ما سبق، يجب رصد آثار الجائحة على أنظمة العلوم والابتكار؛ فبعض جوانبها إيجابية، مثل المستوى غير المعهود للتعاون الدولي في مجال العلوم وتقليص البيروقراطية المطولة أمام العلماء. لكن بعض جوانب الجائحة مثيرة للقلق، مثل توقف المشروعات البحثية الرئيسية والتخفيض المحتمل وغير المتكافئ في نفقات البحث والتطوير في بعض المجالات.

2- تراجع تمويل الابتكار في ضوء الأزمة الحالية، لكن الأمل يلوح في الأفق أيضا:

 في سياق موضوع مؤشر الابتكار العالمي 2020 “من سيّمول الابتكار؟”، يرد سؤال رئيسي بشـأن تأثير الأزمة الحالية في الشركات الناشئة وشركات رأس المال الاستثماري ومصادر تمويل الابتكار الأخرى. وعلى النقيض من عام 2009، فالخبر السار هو أن النظام المالي سليم حتى الآن. أما الخبر السيئ فهو أن الأموال التي تمول المشاريع الابتكارية بدأت تجف؛ إذ تتراجع صفقات رأس المال الاستثماري بشكل حاد عبر أمريكا الشمالية وآسيا وأوروبا، وهناك عدد قليل من الاكتتابات العامة الأولية في الأفق، وقد تصبح الشركات الناشئة الناجية أقل جاذبية وربحية لرأس المال الاستثماري، لأن استراتيجيات الخروج مثل الاكتتابات العامة الأولية عرضة للمخاطر في عام 2020. ومن المثير للانتباه أن الأزمة عززت، فقط، تراجع صفقات رأس المال الاستثماري الذي بدأ قبل الجائحة. وعوضاً عن تمويل شركات ناشئة جديدة وصغيرة ومتنوعة، بدأ رأس المال الاستثماري في التركيز على “الصفقات الضخمة”؛ أي دعم عدد محدد من الشركات الكبيرة بدلا من منح أموال جديدة لقاعدة أوسع من الشركات الناشئة.

   ويرى واضعو المؤشر أن تعافي رأس المال الاستثماري سيستغرق وقتاً أطول من الإنفاق على البحث والتطوير، وسيكون تأثير هذا النقص في تمويل الابتكار غير متساو، وستبرز الآثار السلبية بشكل أكبر على المشاريع الرأسمالية حديثة العهد والشركات الناشئة المعتمدة على البحث والتطوير ذات الاهتمامات البحثية طويلة المدى في مجالات مثل علوم الحياة، والمشاريع خارج بؤر رأس المال الاستثماري. لكن وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمل لا يزال موجوداً؛ إذ ستظل البؤر الرئيسية لرأس المال الاستثماري (المتمثلة في بعض الدول المتقدمة) نقاط جذب لرأس المال الاستثماري. وربما يعود وضعها بسرعة إلى ما كان عليه، ويعزى ذلك جزئياً إلى التعطش لعوائد رأس المال في جميع أنحاء العالم.

3-المشهد العالمي للابتكار يتغير؛ الصين وفييتنام والهند والفلبين في صعود مستمر:

   تستمر جغرافية الابتكار في التحول هذا العام أيضاً، كما يتضح من تصنيفات مؤشر الابتكار العالمي. وعلى مر السنين، برزت الصين وفييتنام والهند والفلبين بوصفها الاقتصادات التي أحرزت أكبر تقدم في تصنيف الابتكار لمؤشر الابتكار العالمي بمرور الوقت. والبلدان الأربعة المذكورة أصبحت في قائمة أفضل 50 دولة. وتتصدر سويسرا والسويد والولايات المتحدة تصنيفات الابتكار. وشهد هذا العام دخول اقتصاد آسيوي ثان – جمهورية كوريا – ضمن قائمة العشرة الأوائل، بجانب سنغافورة.

ويرى واضعو المؤشر أن معظم الاقتصادات الأفضل أداء في مؤشر الابتكار العالمي لا تزال من بلدان الدخل المرتفع. والصين هي الاستثناء الوحيد، إذ تحتل المرتبة 14 للمرة الثانية على التوالي وتبقى الاقتصاد متوسط الدخل الوحيد في قائمة أفضل 30 لمؤشر الابتكار العالمي. وماليزيا (المرتبة 33 ) هي ثاني أكثر اقتصاد متوسط الدخل ابتكاراً. ودخلت الهند (المرتبة 48) والفلبين (المرتبة 50) قائمة أفضل 50 للمرة الأولى.

4- أداء ممتاز للابتكار في الاقتصادات النامية:

   بعيداً عن تصنيفات مؤشر الابتكار العالمي ذات المستوى الأعلى، يبرز أداء الابتكار بعدة طرق أخرى، مبيناً أن بعض أفضل أداءات الابتكار تحدث في الاقتصادات النامية أيضاً، وذلك على النحو الآتي:

  أولا- يقيم مؤشر الابتكار العالمي الاقتصادات التي تحتل باستمرار أهم المراكز العالمية في جوانب ابتكار معينة للمؤشر، مثل رأس المال الاستثماري والبحث والتطوير. وتتصدر هونغ كونغ (الصين) والولايات المتحدة هذا الترتيب.  وبعض المراكز البارزة في مؤشرات الابتكار المختارة ليست حكراً على الاقتصادات ذات الدخل المرتفع. ففي جنوب شرق آسيا، تحتل تايلند المرتبة الأولى في البحث والتطوير في مجال الأعمال على مستوى العالم، وتتصدر ماليزيا قائمة صافي صادرات التكنولوجيا العالية عالمياً. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، تحتل بوتسوانا المرتبة الأولى في الإنفاق على التعليم على مستوى العالم، وتتصدر موزمبيق الاستثمار على مستوى العالم. وفي أمريكا اللاتينية، تبرز المكسيك كأكبر مصدر للسلع الإبداعية في العالم.

  ثانيا: يقيم مؤشر الابتكار العالمي توازن نظام الابتكار ضمن الاقتصادات المشمولة بالمؤشر. ويتميز 12 اقتصادا بأداء عال في جميع ركائز مؤشر الابتكار العالمي، وهو أمر نادر الحدوث. فحتى ضمن قائمة أفضل 35 اقتصادا، تتأخر العديد من الاقتصادات في بعض الركائز.

ثالثاً: لا يزال “مخطط الفقاعات التفسيرية لمؤشر الابتكار العالمي” هو الوسيلة الأبرز للمؤشر في تحديد الأداء المتفوق للابتكار بحسب مستوى التنمية في الاقتصاد.  وإقليمياً، تتألّق أفريقيا في هذه القائمة؛ فهناك ثمانية من بين أفضل 25 اقتصادا متفوق الأداء موجودة في أفريقيا جنوب الصحراء.

5– الانقسامات الإقليمية مستمرة، لكن بعض الاقتصادات تحتضن إمكانات ابتكارية كبيرة:

  يقول معدو المؤشر إنه على الرغم من بعض حالات “اللحاق” بالابتكار، لا تزال الانقسامات الإقليمية قائمة فيما يتعلق بأداء الابتكار الوطني؛ فأمريكا الشمالية وأوروبا تقودان الركب، تليهما مناطق جنوب شرق آسيا وشرق آسيا وأوقيانوسيا، وبعد ذلك تأتي مناطق شمال إفريقيا وغرب آسيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي وآسيا الوسطى وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، على التوالي.

وتبرز القارة الإفريقية كإحدى أكثر المناطق غير المتجانسة في أداء الابتكار عبر القارات. فبعض اقتصاداتها ترد ضمن أفضل 75 (مثل تونس والمغرب)، في حين تحتل الاقتصادات الأخرى مراتب أدنى بكثير.

6- يتركز الابتكار على مستوى تجمعات العلوم والتكنولوجيا في اقتصادات مختارة عالية الدخل، إضافة إلى الصين بشكل أساسي:

    هناك فجوات أيضاً في ترتيب تجمعات العلوم والتكنولوجيا العالمية. يقع أكبر 100 تجمع في 26 اقتصادا، و6 منها – البرازيل والصين والهند وإيران وتركيا وروسيا- موجودة في اقتصادات متوسطة الدخل.  وتواصل الولايات المتحدة استضافة أكبر عدد من التجمعات (25)، تليها الصين (17)، ثم ألمانيا (10).

  وللمرة الأولى، يقدم مؤشر الابتكار العالمي 2020 قائمة بأفضل 100 تجمع مرتبة حسب كثافة العلوم والتكنولوجيا؛ أي مجموع حصص البراءات والنشر العلمي مقسومة على عدد السكان. ومن خلال هذه النظرة الجديدة، تُظهِر العديد من التجمعات الأوروبية والأمريكية نشاطاً مكثفاً في العلوم والتكنولوجيا أكثر من نظيراتها الآسيوية. وتظهر جامعتا كامبردج وأكسفورد في المملكة المتحدة كتجمعين مكثفين للعلوم والتكنولوجيا، تتبعهما أيندهوفن (هولندا) وسان خوسيه – سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة(.

 (وايبو) والمؤشر

المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) هي المنتدى العالمي للخدمات والسياسة العامة والتعاون والمعلومات في مجال الملكية الفكرية. وقد أسست في عام 1967، وتعد إحدى وكالات الأمم المتحدة، وهي تمول نفسها بنفسها ويبلغ عدد أعضائها 193 دولة.

  أما مؤشر الابتكار العالمي  الذي صدرت طبعته الثالثة عشرة في عام 2020، فأصبح أداة قيّمة للقياس والمعايرة يمكنها أن تيسر الحوار ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، ويمكن من خلالها لصانعي السياسات والشخصيات الرائدة في مجال الأعمال والأطراف المعنية الأخرى تقييم التقدم المحرز في مجال الابتكار على أساس سنوي.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى