في عالم يحتفي بالابتكار، ويُقدِّر المقاربات البحثية البينية (متعددةَ التخصصات) Interdisciplinary ، يقود باحثون مثل ضُحى الصالح – الأستاذ المشارك لإدارة الأعمال والتسويق، من جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا (GUST) – مهمةَ الدمج بين عوالم التكنولوجيا والفن والعلوم. وبفضل خلفيتها الأكاديمية الغنية، التي تضم علومَ الحاسوب والتسويق، تُجسد رحلة ضُحى التكاملَ السلس بين المجالات المتنوعة لإنشاء أبحاثٍ رائدة.
حصلت ضُحى على درجة البكالوريوس في علوم الحاسوب من جامعة الكويت، وتخصُّص مساند في التسويق، وقد زودَها المسارُ الأكاديمي بمزيج من البراعة التحليلية والتفكير الإبداعي. «من ناحيةٍ ساعدني مجالُ علوم الحاسوب على تعزيز مهاراتي في حل المشكلات والتفكير النقدي، ومن ناحية أخرى أدى مجال التسويق إلى تعزيز مستوى الإبداع لديَّ، وساعدني على فَهم الجوانب السيكولوجية للناس بنحو أفضل»، كما قالت تعليقًا على رحلتها التعليمية. وتابعتْ ضُحى قائلة: «لقد استمتعتُ دائمًا بالجوانب الملهِمة للجمع بين الفن والعلم. وقد استفدتُ من مزج العلوم الحاسوبية بالتسويق في دراستي الجامعية استفادةً جمة، إذ سمحت لي الخبرة بالانتقال بسهولة بين الأدوارِ والصناعات المختلفة».
ولتعزيز مساعيها الأكاديمية، تابعت ضُحى دراساتِها العليا في الولايات المتحدة، وحصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة جنوب إلينوي – كاربونديل (Southern Illinois University)، تلتها درجة الدكتوراه في إدارة الأعمال والتسويق من الجامعة نفسها. ولم يتوقف تعطُّشها إلى المعرفة عند هذا الحد؛ فالتحقت ببرنامج «قيادة الأزمات في التعليم العالي» في جامعة هارفارد (Harvard University)، ونالت فرصةَ زمالة البحث الصيفية في جامعة ميسوري – سانت لويس (University of Missouri).
وينصبُّ تركيز ضُحى الأساسي على الذكاء الاصطناعي، وتحديداً استكشافَ تطبيقاته في سلوك المستهلك والابتكار والتكنولوجيا. والتعاون في المساعي البحثية يبعث الرضا في نفسها. واهتمامها الخاص بالبحث عبْر الثقافات في مجال التسويق الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، أكسبها إنجازًا ملحوظًا في العام 2020: أصبحت أولَ عضوة كويتية أنثى في الأكاديمية العربية الألمانية للشباب للعلوم والعلوم الإنسانية (AGYA) ومقرها برلين، ألمانيا، وهي تُعدُّ بمنزلة منصةٍ لتعزيز التعاون البحثي متعدد التخصصات والثقافات بين ألمانيا والمنطقة العربية. هذا، وتُسلط أعمال ضُحى الصالح الأخيرةُ الضوءَ على اعتماد التكنولوجيا المدعومة بالذكاء الاصطناعي من وجهة نظر العميل، وتكشف تعقيداتِ سلوك المستهلك في مواجهة التقدم التكنولوجي.
وفي حوار مع ضُحى شرحت الدافعَ وراء بحثها، قائلةً: «اليومَ أصبح الذكاء الاصطناعي شائعًا في كل مكان. ويُستخدَم في مجموعة واسعة من التطبيقات، بدءًا من مساعدينا الشخصيين مثل ألكسا Alexa وسيري Siri، وحتى السيارات والمصانع والتعليم، والرعاية الصحية». فمِن الضروري أن نفهم ما الذي يدفع الأفراد إلى اعتماد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ونظرًا إلى نمو التكنولوجيا التي تدعم الذكاء الاصطناعي في الأجهزة الاستهلاكية، يحتاج الباحثون والشركات إلى فَهم سلوك المستهلك في قَبول التكنولوجيا الجديدة. كذلك قد ترغب الشركات – التي تفكر في تطبيق الذكاء الاصطناعي لتقديم الخدمات لعملائها – في فَهم سلوك المستهلك. ويمكن أن يساعدهم ذلك على تحديد ما إذا كان المستهلكون سيختارون اعتمادَ التكنولوجيا أو لا. وأوضحت: «بحثي الحالي يتساءل عن السبب الذي يجعل المستهلكين يختارون اعتماد تكنولوجيا الذكاءِ الاصطناعي».
تستخدم أبحاثُ ضُحى منهجيةً فريدة من نوعها، حيث تُجري دراساتٍ مقارنة بين الكويت والولايات المتحدة لقياس التأثيرات الثقافية في تبنِّي الذكاء الاصطناعي. وباستخدام نمذجة المعادلات الهيكلية (SEM) تتعمق دراستُها في النظر في تعقيدات سلوك المستهلك، وتُسلط الضوء على العوامل التي تؤثر في تبنِّى تقنيات الذكاء الاصطناعي.
تُسلط النتائج الرئيسة لبحث ضُحى الضوء على العلاقة الإيجابية بين المُحفِّز Motivation، والإدراك Perception، والموقف Attitude، والنية Intention ، في تبنِّي الذكاء الاصطناعي. إضافةً إلى ذلك تؤكد الدراسة على أهمية العوامل الاجتماعية والثقافية، خاصةً في المجتمعات الجمعية Collectivist societies مثل الكويت، حيث تتمتع المجموعات المرجعية وأفراد الأسرة بنفوذ كبير.
تعتمد الأبحاث المتعلقةُ باعتماد الذكاء الاصطناعي على نماذج راسخة مثل نموذج قبول التكنولوجيا (TAM)، ونظرية العمل المعقول (TRA)، والنظرية الموحدة لقبول واستخدام التكنولوجيا (UTAUT). ومع ذلك كشفت النتائج التي توصلت إليها ضُحى عن وجود قيود داخل اختبار TAM، الذي يأخذ في الاعتبار عاملَين فقط يؤثران في سلوك المستهلك تجاه اعتماد التكنولوجيا. إن إهمال العوامل مثل التأثيرات الاجتماعية والثقافية يقوِّض الدقة التنبُّئية للنموذج. وتقول: «تشير دراستنا إلى أن دمج العوامل الثقافية والاجتماعية الخارجية في نماذج مثل TAM يمكن أن يعزِّز فَهمَنا لاعتماد التكنولوجيا الاستهلاكية».
وينظر مشروع الصالح البحثي، بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، في سلوك المستهلك، ويوسِّع الدراسات الحالية حول قَبول التكنولوجيا، ويكشف عن التأثير الكبير للعوامل الاجتماعية والثقافية على قرارات المستهلك. ومن خلال تسليط الضوء على نتائج محددة، تُناقش ضُحى الصالح كيف تتوافق النتائج مع البُعد الفردي/الجماعي لهوفستيد (Hofstede)، موضحةً أن الثقافات الفردية مثل الولايات المتحدة تعطي الأولوية للإنجازات الشخصية، في حين تؤكد الثقافات الجمعية مثل الكويت على الولاء للأسرة الممتدة والوئام المجتمعي. يسلط هذا الانقسام الضوء على كيفية إعطاء المجتمعاتِ الفردية الأولويةَ للاحتياجات الشخصية على المصالح الجماعية، في حين تُعطي المجتمعات الجماعيةُ الأولويةَ لرفاهية المجموعة، وغالبًا ما تتطلَّب الامتثال والولاءَ مقابل الحماية الاجتماعية.
من منظور المستهلك يحثُّ بحث ضُحى على الحذر فيما يتعلق بالعزلة والإدمان المحتمل الناجم عن تبنِّي الذكاء الاصطناعي. وفي حين يَعِد الذكاء الاصطناعي بتعزيز الراحة والكفاءة، فإنه يطرح أيضًا مخاوف وتحديات أخلاقية تتعلق بالمعلومات الخاطئة وإدمان المستهلك.
بالنسبة إلى الشركات تُقدم النتائجُ التي توصلت إليها ضُحى رؤًى لا تُقدَّر بثمن حول تفضيلات المستهلك وعمليات صنع القرار عند دمج خدمات الذكاء الاصطناعي. ومن خلال فَهم العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي، يُمكن للشركات تصميمُ استراتيجياتها لتعزيز تجربة المستهلك وضمان الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي.
وبالنظر إلى المستقبل تؤكد ضُحى على ضرورة إجراء مزيد من الأبحاث الكمية Quantitative research، من أجل تعزيز فَهمنا لتبني الذكاء الاصطناعي. ومن خلال توسيع الدراسات لتشمل بيئات ثقافية متنوعة ودمج متغيرات إضافية، يمكن للباحثين تعزيزُ القاعدة المعرفية الحالية وتسهيل التكامل المسؤول للذكاء الاصطناعي.
وإذ تواصلُ ضُحى رحلتَها، تظلُّ ملتزمةً بتعزيز البحث العلمي في الكويت والمساهمةِ في المعرفة على مستوى العالم. ومن خلال الجهود التعاونية والأساليب المبتكرة، تتصور مستقبلًا تعمل فيه التكنولوجيا كمحرك للتحوُّل الإيجابي، وإثراء الحياة، وصياغة مسارٍ مستدام للأجيال المقبلة.
بقلم: ماجد المنيفي Majed Al Munefi