إن القدرة على إجراء اختبار الكشف عن مرض كوفيد19- وتشخيصه بكفاءة ودقة هو من الجبهات الرئيسية التي يخوض اختصاصيو الصحة العامة معركتهم خلالها ضد الجائحة منذ بداية ظهورها. ووسيلة الاختبار الأكثر شيوعًا هي المسحات الأنفية البلعومية التي تتيح الحصول على عينات من تجويف الأنف والحلق من المريض. ومع ارتفاع الطلب على مجموعات اختبار الكشف عن المرض، بدأ أطباء وباحثون في الكويت البحث للتوصل إلى حل محلي بفضل منحة سخية حصلوا عليها من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي (كيفاس). قاد فريق البحث ثلاثة اختصاصيين من مستشفى جابر الأحمد. ويرأس الفريق الدكتور سلمان الصباح، رئيس قسم الجراحة في مستشفى جابر والأستاذ المشارك في قسم الجراحة بجامعة الكويت. وضم الفريق كلا من الدكتور سليمان المزيدي، جراح السمنة، والدكتورة سارة اليوحه، جرَّاحة التجميل والترميم، وكلاهما يعملان في مستشفى جابر.
جاءت فكرة صنع المسحات في الكويت من محادثة جرت في بداية ظهور الجائحة. قال د. المزيدي: “في بداية انتشار كوفيد، كنت أنا والدكتور سلمان نعمل في وزارة الصحة ولاحظنا التكلفة الباهظة للمسحات، إذ إن متوسط السعر كان 750 فلسا للعلامة التجارية الصينية أو العلامة التجارية الأمريكية التي كنا نستخدمها”. وأضاف: “عندما نضيف إلى ذلك تكلفة إجراء اختبار تفاعل البوليميريز المتسلسل PCR فعليًا، تصير كلفة اختبار المسحة بالكامل نحو 13 إلى 14 دينارًا كويتيًا. قامت فكرتنا في البداية على تكرار خطوات العملية بكاملها لتنفيذها محليًا في الكويت”.
شكل الأطباء فريقًا يضم 34 طبيبًا ومهندسًا وفني مختبر واختصاصيًا إكلينيكيًا وأكثر من 60 متطوعًا لتطوير المسحات. وقال د. المزيدي: “ساعدت منحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ومدتها عام واحد، بالتعاون مع وزارة الصحة الكويتية ومستشفى جابر الأحمد، الفريق على تحسين عملية التصنيع لإنتاج مجموعات اختبار كوفيد19-.”
وقال د. الصباح إن المشاركين في تطوير المشروع أقبلوا عليه بحماسة كبيرة “لا سيما بالنظر إلى أنه في شهر مارس (2020) لم يكن هناك الكثير من الإمكانات أو القدرات لإجراء الاختبار”. ركز الفريق على المسحات المُنتَجة بطرق التصنيع المضاف، باستخدام تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد لإنتاجها بكفاءة. اختار الفريق صنع مسحات باستخدام طابعات النمذجة بالترسيب المنصهر Fused Deposition Modeling، وهي غير مكلفة إذ يبلغ سعرها أقل من 500 دولار أمريكي.
قال المزيدي: “أردنا شيئًا سهلًا ورخيصًا وسريعًا يمكننا استخدامه”. إضافة إلى ذلك، فإن المواد المستخدمة في صنع المسحات، وهي خيوط بلاستيكية من متعدد حمض اللبنيكPolylactic acid ، ذات تكلفة مناسبة؛ إذ يبلغ سعر الكيلوغرام منها نحو 25 دولارًا أمريكيًا، وهي آمنة للاستخدام الطبي”. من جهتها قالت د. اليوحه: “فيما يتعلق بعملية التطوير، تشاورنا مع العديد من الأشخاص، بمن فيهم أشخاص من الشركات المنتجة للمسحات ومصنعون ومهندسون، وحاولنا معرفة خصائص الشد التي يجب أن تتسم بها المسحات ومدى الصلابة التي يجب أن تكون عليها. أتذكر أن الدكتور سلمان أخذ بضع مسحات وأعطاها للمهندسين لأخذها إلى منازلهم حتى يتمكنوا من معاينتها جيدًا. وقد توصلوا إلى تصميم رائع”.
تعين عليهم أيضًا تحديد الكيفية التي يمكن بها صنع الوسيط العام الناقل، وهو المحلول الذي تُغمس فيه المسحات. قال المزيدي: “عاينا تركيبات مختلفة منه، وبمجرد أن صار المحلول جاهزًا بدأنا بصنع نماذج مختلفة من المسحات واختبرناها على أنفسنا”.
أجريت الاختبارات السريرية لاختبار المسحات على مرضى في مستشفى جابر مدة ثلاثة أسابيع تقريبًا. وقارنها الباحثون بالمجموعات المتوفرة تجاريًا من الولايات المتحدة والصين فكان أداؤها بالجودة نفسها.
ليس ذلك فحسب، بل إن تكلفة إنتاج مسحة مطبوعة ثلاثية الأبعاد بلغت 5 فلوس فقط. في المقابل تكلف المسحات التجارية 750 فلسًا، ناهيك عن تكلفة الشحن الإضافية التي يغني عنها الإنتاج المحلي للمسحات.
بمساعدة متطوعين، تمكنوا من إنتاج 2000 مسحة في اليوم وتعبئتها بعد تعقيمها باستخدام بلازما منخفضة الحرارة قبل دمجها مع الوسائط العامة الناقلة. أعد الباحثون نحو 60 ألف مسحة، وحتى أبريل 2021، وزعوا نحو 22 ألفا منها.
كانت تلك مساهمة كبيرة في العلوم الطبية. وكما أوضح المزيدي، فقد عُرفت الكويت عبر تاريخها بأنها دولة مصدرة لسلعة واحدة هي النفط.
وقال: “لم نصدر بتاتًا أي شيء آخر، على مدى ثلاثة أو أربعة أجيال. لكن ما جعلنا هذا المشروع ندركه هو أن لدينا في الواقع الكثير من المواهب الأخرى. وبروح من العطاء الذي شعرنا به خلال فترة الأزمة هذه، رغبنا في مشاركة معرفتنا مع أي شخص يحتاج إليها”.
عندما نشروا البحث على المسحة، جعلوا التصميم متاحًا عبر الإنترنت، وهذا يعني أنه يمكن لأي شخص في أي مكان في العالم تنزيل تصميم المسحة على طابعة ثلاثية الأبعاد في المنزل وطباعتها. قال الصباح: “يمكن الحصول على كل ما تحتاج إليه محليًا، مما يجعل الإنتاج ممكنًا أينما كنت في أي مكان في العالم”.
وقد تلقى الفريق اتصالًا من مسؤولين في بلدين ناميين غير قادرين على تحمل تكلفة المسحات المتاحة تجاريًا. قال المزيدي: “لقد تواصلوا معنا، ليس لشكرنا فقط على إتاحة التصميم مجانًا، بل أرادوا أيضًا أن يتعاونوا وأن يعرفوا الكيفية التي يمكننا وفقها العمل معًا. نشعر بالفخر لتصدير العلم؛ إنه شيء جديد بالنسبة إلى الكويت”.
انطلاقًا من إنجازه هذا، يسعى الفريق إلى إنجاز عدد من المشاريع اللافتة للاهتمام لاستخدام بقية المنحة التي قدمتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي هذه السنة.
قالت اليوحه: “نحن نعمل على مسحات الأطفال، لأن لدى الأطفال تشريحا مختلفا قليلاً. وإضافة إلى إجراء اختبارات على المرضى، نريد أيضًا اختبار أسطح ومبان بكاملها لنعرف الكيفية التي يمكننا بها إجراء ذلك”.
ويرى الفريق أن توفير بنية تحتية للطباعة ثلاثية الأبعاد داخل المستشفيات يضع العلم في الصدارة. قالت اليوحه: “كان هذا مشروعًا ناجحًا من حيث الحصول على المنتجات لأول مرة هنا وتغيير الثقافة نفسها إلى ثقافة أكثر ابتكارًا. أعتقد أن منحة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي ستساعدنا على مواصلة الابتكار”.