الكويت.. سيناريوهات غرق المناطق الساحلية بمياه البحر
د. نواف المطيري
خلال القرن العشرين شهد مستوى سطح البحر ارتفاعاً بقدر 20 سنتيمترا، وبمعدل متوسط قدره 1.9 مليمتر سنوياً، في حين تضاعف معدل الزيادة في العقود الثلاثة الأخيرة إلى 3.4 مليمتر سنوياً. وكان للتطور الكبير في الأقمار الاصطناعية الأثر الكبير في رصد التغيرات في مستوى سطح البحر، وأصبحت بياناتها مصدرا للمعلومات المناخية لدقتها. ويتوقع الخبراء أن يرتفع مستوى سطح البحر بمعدلات مختلفة ابتداءً من نصف متر وحتى 7 أمتار فوق المستوى الحالي، ويرون أنه حتى مع توقف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تماماً فإن مستوى سطح البحر آخذ بالارتفاع على الأقل خلال الألف سنة المقبلة.
أضرار متنوعة
قد يسبب ارتفاع مستوى سطح البحر الكثير من الأضرار البيئية والبشرية والاقتصادية، ويشمل ذلك زيادة ملوحة المياه الجوفية الساحلية، وتراجع خط الساحل، وغرق المناطق إضافة إلى خسائر في البنية التحتية والمباني. وتعتبر المناطق الساحلية المنخفضة الارتفاع أبرز المناطق المهددة بخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، ويزداد حجم التدهور إذا كانت تلك المناطق مراكز تجمع بشري ونشاطات حيوية مهمة. ولكون دولة الكويت من الدول الساحلية ( إذ يبلغ طول حدودها البحرية 500 كيلومتر من ضمنها الجزر التسع)، فهي ليست بمعزل عن الآثار المتوقعة لارتفاع مستوى سطح البحر.
وثمة دراسة علمية أجريتها على آثار ارتفاع مستوى سطح البحر على المناطق الحضرية والمناطق السكنية في خمس محافظات بالكويت (حولي والكويت العاصمة والجهراء والأحمدي ومبارك الكبير)، وجرى استثناء محافظة الفروانية لبعدها عن خط الساحل. وشملت عملية الدراسة تقييم الخسائر في الأصول بالاستعانة ببرنامج نظم المعلومات الجغرافية ونموذج الارتفاعات الرقمية، كما تمت مراجعة حجم التآكل في خط الساحل عند الارتفاعات المحتملة لمستوى سطح البحر، والتي قد تراوح بين نصف متر ومترين، على الرغم من أن التوقعات في الأوساط العلمية ترجح تراوح الارتفاع بين نصف متر وسبعة أمتار.
سيناريو محافظتي الجهراء والأحمدي
تعتبر محافظتا الجهراء والأحمدي من أكثر المحافظات التي قد تفقد مساحات كبيرة، ربما تبلغ 18.11 كيلومتر مربع في الجهراء و 15.43 كيلومتر مربع في الأحمدي، في حين قد تفقد محافظة العاصمة 11.57 كيلومتر مربع، ومحافظة حولي 3.73 كيلومتر مربع عند ارتفاع مستوى سطح البحر نصف متر. ويعزى السبب في ذلك لكون محافظتي الجهراء والأحمدي من أكبر المحافظات من حيث المساحة في الكويت.
ومن المتوقع أن تبلغ المساحات المعرضة للغرق عند ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد في محافظة العاصمة %20.7، وفي محافظة حولي %8.4، وفي الجهراء %0.6، وفي الأحمدي %0.4، وفي مبارك الكبير %1 من مساحة كل محافظة. ولم تشهد محافظتا الأحمدي ومبارك الكبير تغيرا كبيرا عن سيناريو الارتفاع المقدر بنصف متر؛ وذلك لوقوع معظم مساحتهما في هضبة الأحمدي وتلال ساحلية يبلغ أقصى ارتفاعها 110 أمتار، وهذه تعمل كحواجز طبيعية لارتفاع مستوى سطح البحر. أما معظم المناطق في محافظتي العاصمة وحولي فهي سهول ساحلية وأراض منخفضة، الأمر الذي يفاقم أخطار ارتفاع مستوى سطح البحر. وربما تشهد مناطق كبيرة في كل المحافظات أخطارا إذا ارتفع مستوى سطح البحر بمقدار يراوح بين 1.5 متر ومترين، كما هو موضح في الجدول (1) حيث تشهد جميع النشاطات الساحلية، سواء المناطق العمرانية أوالصناعية أوالسياحية أومصافي النفط والموانئ البحرية، تداعيات هذه الارتفاعات في مستوى سطح البحر.
ولا ينحصر تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر في غرق المناطق الساحلية، بل يمتد إلى السكان في تلك المناطق، وهو ما سيدفعهم إلى ترك منازلهم والانتقال إلى مناطق مرتفعة. ومن المرجح أن تشهد محافظة حولي نزوح 5971 شخصا، ومحافظة العاصمة 2065 شخصا، ومحافظة الأحمدي 772 شخصا، عند ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو نصف متر.
وستزداد هذه الأرقام عند ارتفاع مستوى سطح البحر مترين لتسبب نزوح %9.3 من سكان محافظة حولي، و %5.17 من سكان محافظة العاصمة، تاركين منازلهم التي قد تخسر قيمتها الاقتصادية. وقد يسبب هذا الأمر ضغطا بشريا على المحافظات المجاورة، مما سيؤدي إلى كثافة سكانية عالية وارتفاع أسعار العقار في المحافظات التي يقل فيها تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر.
ولقد أدت الظروف الجغرافية الطبيعية، مثل انتشار المناطق الرطبة الطينية في غرب وشمال جون الكويت مع افتقار معظم أراضي الكويت إلى مقومات الزراعة، إلى تركز سكان الكويت على طول خط الساحل. وتضم المناطق الساحلية العديد من المنشآت الصناعية والتجارية والسكنية.
خسائر القطاع السكني
وجرت دراسة الخسائر في القطاع السكني دون غيره من القطاعات لتوفر البيانات من عدد الوحدات وقيمة الوحدة في كل محافظة. ويوضح الجدول (2) عدد الوحدات السكنية المتوقع تضررها عند ارتفاع مستوى سطح البحر إلى مستويات مختلفة.
وسيشهد القطاع السكني في محافظات حولي والعاصمة والأحمدي ضرراً كبيراً عند ارتفاع مستوى سطح البحر حسب المستويات المحددة، وهي من أكثر المحافظات كثافة سكانية. تراوح الخسائر الاقتصادية في القطاع العقاري بين بليون دينار كويتي و 3.5 بليون دينار كويتي في جميع المحافظات، كما هو موضح في الجدول (3).
ويختلف تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر من محافظة إلى أخرى بحسب مساحة المحافظة والكثافة السكانية وتكدس المباني السكنية وقيمة الوحدة العقارية.
ويتبين من الجدول أن محافظتي الجهراء والأحمدي هما أكثر المحافظات فقداناً للأراضي، في حين ستتضرر باقي المحافظات بصورة طفيفة، ويكاد التأثير يكون معدوما في محافظة مبارك الكبير. وعلى الرغم من ذلك، فقد تجاوزت الخسائر في السكان أو في الأراضي السكنية في المحافظات الأقل فقداناً للأرضي تلك المحافظات التي ستشهد خسارة في المساحة الأرضية كالجهراء والأحمدي. والأمر نفسه ينطبق في ما يتعلق بالخسارة المالية في القطاع العقاري، حيث ستشهد محافظتا العاصمة وحولي خسائر كبيرة مقارنة بباقي المحافظات.
ويعزى هذا التباين في تأثير ارتفاعات مستوى سطح البحر في محافظات الكويت إلى التوزيع البشري، حيث تعتبر العاصمة وحولي من أكثر المحافظات سكانا، في حين يندر أن توجد مناطق فضاء فضلاً عن مناطق صحراوية كالتي في محافظتي الجهراء والأحمدي اللتين تعتبران من أقل المحافظات كثافة سكانية. إضافة إلى ذلك، تعتبر محافظتا العاصمة وحولي من أكثر المحافظات كثافة في المباني السكنية مقارنة بغيرهما من المحافظات، مما يجعل غرق أي منطقة صغيرة فيهما مكلفا من الناحيتين البشرية والاقتصادية. وتحتاج المحافظتان إلى تدخل مبكر لتفادي الأخطار المحتملة لارتفاع مستوى سطح البحر، لأنهما تضمان مجموعات بشرية كبيرة وقطاعا عقاريا متكدسا. ويشمل التدخل تدعيم خط الساحل بإنشاءات صناعية، أو انتقال النشاطات البشرية الجديدة بعيداً عن المناطق الأكثر احتمالا للفقدان نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر.
تتطلب مواجهة التغيرات المناخية ومنها ارتفاع مستوى سطح البحر إدارة بيئية متكاملة تأخذ في الاعتبار الاحتياطات والاحتمالات التي قد تترتب على تلك التغيرات. وغياب مثل هذه الإدارة قد يتسبب في خسائر محتملة في القطاع السكني والتجمعات البشرية. ولعل الشكل (2) يوضح ذلك الأمر، إذ يتوقع أن يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في خسائر كبيرة في مدينة جابر الأحمد التي تم تأسيسها عام 2012.