سعد لطفي
إعلامي وكاتب علمي (مصر)
في الأول من أكتوبر عام 1964، وقبيل أيام من أولمبياد طوكيو، انطلقت الرحلة الأولى لقطار “شينكانسن” الياباني الذي يعرف باسم “قطار الطلقة” من مدينة طوكيو إلى مدينة أوساكا، ليبدأ رسميًا عصر القطارات فائقة السرعة. لا يوجد مقياس محدد ومتفق عليه للسرعة التي يصبح عندها القطار فائق السرعة، إذ تتراوح السرعات بين 200 و أكثر من 350 كيلومترا في الساعة، لذا يمكن القول بشكلٍ عام إن القطار الذي تتجاوز سرعته 200 كيلومتر في الساعة يُعد قطارًا فائق السرعة. وعلى الرغم من مرور أكثر من 56 عامًا على استخدام ذلك النوع من القطارات، فإنه عادة ما يشار إليها في الوقت الحالي بالقطارات الحديثة. وعدد الدول التي تمتلك شبكة قطارات فائقة السرعة يتجاوز العشرين بقليل، في حين يبلغ إجمالي طول خطوط تلك القطارات نحو 52 ألف كيلومتر، وتمتلك الصين وحدها شبكة يتجاوز طولها 37 ألف كيلومتر.
ولطالما كانت القطارات التقليدية وسيلة نقل أساسية في عدد كبير من دول العالم، تستخدم فيها لنقل الأشخاص والبضائع، وتصل بين مدنها ومرافئها وقراها المتناثرة، كما تصل بين دول متجاورة. وقد شهدت تطورات متلاحقة طوال مسيرتها التاريخية، لكن تلك النطورات تسارعت بصورة كبيرة خلال العشرين سنة الماضية.
كيف تعمل القطارات فائقة السرعة؟
تشمل القطارات فائقة السرعة مكونين: قطارات سريعة، وخطوطا تسير عليها القطارات تشبه خطوط القطار التقليدية لكن مصنوعة من مواد أقوى. تمتلك القطارات عادة محركين كبيرين: واحد في كل جهة، يعملان بشكلٍ متزامن، ويحصلان على الطاقة اللازمة للعمل من خلال منساخ أو بانتوغراف -وهي أداة ميكانيكية مثبتة أعلى القطار- وخطوط الإمداد العلوية. وتُبنى معظم الخطوط بشكلٍ مستقيم مع تجنب الانحناءات للحفاظ على السرعات العالية دون الحاجة إلى تخفيضها.
وعلى الرغم من أهمية تلك الخطوط، فإن بعض القطارات تستطيع العمل على خطوط القطارات الحالية لكن بسرعاتٍ مخفضة؛ إذ لا تتحمل تلك الخطوط السرعات العالية. هناك نوع آخر من القطارات لا يعتمد على المسارات التقليدية منها القطار المغناطيسي المعلق. وكما يشير اسمه، فإن هذا القطار يطفو على وسادة هوائية مغناطيسية على ارتفاع يتراوح بين 1 و10 سم بدلًا من استخدام العجلات التقليدية.
في الثالث عشر من يناير 2021، كشفت الصين عن نموذج أولي لقطار مغناطيسي معلق تبلغ سرعته 620 كيلومترا في الساعة، ويعمل بتلك التقنية، وربما يكون جاهزا للعمل خلال 3 إلى 10 أعوام. تمتلك الصين قطارًا مغناطيسيا آخر، هو قطار شانغهاي المعلق، الذي بدأ تشغيله عام 2003، وتبلغ سرعته 431 كيلومترا في الساعة. وعلى الرغم من أن القطار المغناطيسي المعلق يُعد أسرع بشكلٍ ملحوظ، فإن هناك انتقادات لهذا النظام، إذ يشير معهد دراسات الطاقة والبيئة في الولايات المتحدة إلى أن شبكة خطوط القطارات فائقة السرعة أفضل من شبكة القطار المغناطيسي المعلق؛ نظرًا لأن الأخير يحتاج إلى بناء خطوط مخصصة ذات تكلفة مرتفعة، كما يوجد بها مخاطر في الصحة والسلامة، إضافة إلى أنها تقنية ما زالت تحتاج إلى المزيد من الوقت، مقارنة بخطوط وشبكات القطارات فائقة السرعة التي تُعد أكثر أمانًا وأفضل من الناحية الاقتصادية.
مقارنات وفوائد
وفقًا للاتحاد الدولي للسكك الحديد، فإن القطارات فائقة السرعة أكثر كفاءة بمقدار أربعة أضعاف مقارنة بالسيارات، وتسعة أضعاف مقارنة بالطائرات. تنقلنا هذه المقارنة إلى الحديث عن الفوائد البيئية؛ إذ على الرغم من أن بعض القطارات تعتمد على حرق الوقود الأحفوري فإنها أفضل للبيئة مقارنة بالسيارات الخاصة لسببين: الأول هو أن القطارات تنتج ثاني أكسيد الكربون بدرجة أقل مما ينتجه نفس العدد من السيارات الخاصة اللازم لنقل نفس عدد الأشخاص في القطار الواحد، والثاني أن القطار نوع من وسائل النقل العامة، ومن ثم فإن وجود عدد كبير من القطارات سيؤدي إلى وجود عدد أقل من السيارات، وسينخفض معه معدل الازدحام المروري، وبالتبعية تقليل معدل الهلك للطرق الذي يعني وجود حاجة أقل إلى الإصلاحات الإنشائية.
أما من ناحية الوقت، فإن هذه القطارات أسرع مقارنة بالوسائل الأخرى في كثيرٍ من الأحيان إذا احتسبنا الوقت بدءًا من التحرك من المنزل. على سبيل المثال، إذا قارنا الوقت الذي يحتاج إليه شخص ما في مركز مدينة سان فرانسيسكو للوصول إلى مركز مدينة لوس أنجلوس، سنجد أن القطار فائق السرعة يتغلب على باقي وسائل النقل بإجمالي مدة سفر تبلغ ثلاث ساعات وعشر دقائق مقارنة بخمس ساعات و20 دقيقة عند استخدام الطيران، و سبع ساعات و20 دقيقة عند قيادة السيارة.
العالم العربي
عربيًا، تمتلك بعض الدول قطارات فائقة السرعة، مثل المملكة العربية السعودية التي لديها خط الحرمين الذي يغطي مسافة 450 كيلومترا، ويربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة وتبلغ سرعته 300 كيلومتر في الساعة.
تملك المغرب أيضًا “البُراق”، وهو أول قطار فائق السرعة في أفريقيا بسرعة 320 كيلومترا في الساعة، ويصل بين طنجة والدار البيضاء. هناك أيضًا دول عربية تعمل على إنشاء شبكة من القطارات فائقة السرعة، مثل مصر التي أعلنت في مطلع هذا العام عن إنشاء شبكة مكونة من أربعة خطوط بطول 1750 كيلومترا، ودول الخليج العربي التي أعلنت عام 2020 عن شبكة قطار فائقة السرعة تجمع خمس دول منها هي الإمارات، السعودية، عمان، البحرين، والكويت، بطول يبلغ نحو 2000 كيلومتر، وسرعة تصل إلى 220 كيلومترا.
هل ستلقى رواجًا؟
من ناحية المسافر، فإن استخدام هذا النوع من القطارات يجب أن يرتبط بالوقت والتكلفة والراحة مقابل استخدام وسائل أخرى للتنقل. أما من ناحية الدول، فكما ذكرنا سابقًا، يبلغ عدد الدول التي لديها شبكة خطوط فائقة السرعة نحو 20 دولة بإجمالي طول يبلغ 53 ألف كيلومتر. وقد أعلن عن خطط لإنشاء شبكات جديدة بطول يصل إلى 53 ألف كيلومتر آخر، منها 11 ألف كيلومتر تحت الإنشاء حاليًا. وفقًا لهذه الأرقام، فإن الإقبال مازال ضعيفًا تجاه هذه التقنية أخذًا في الاعتبار أن الصين وحدها تملك نصيب الأسد من إجمالي شبكة الخطوط الحالية.
وعلى الرغم من هذه الأرقام، فإن هناك توجهًا ملحوظًا من بعض الدول لتبني هذا النظام مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والهند، إضافة إلى مشاريع لتجربة وسائل نقل حديثة أخرى مثل الهايبرلوب والزلاجات الكهربائية والقطار المغناطيسي المعلق. ووفقًا لدراسة حالة أصدرها البنك الدولي عن شبكة القطارات فائقة السرعة، فإن الصين استطاعت بناء نموذج ناجح يمكن للعديد من الدول اتباعه وفقًا لبعض الضوابط. منها بناء الخطوط ضمن طول يتراوح بين 150 و800 كيلومتر.
والسبب في ذلك أن المسافات البالغة أقل من 150 كيلومترا سيحتاج السفر فيها إلى وقت أطول مقارنة بوسائل النقل أخرى، وفي حال وجود مسافة تزيد على 800 كيلومتر سيفضل المسافرون الطيران. الأمر الآخر هو أن هذا الحل يناسب المدن الأكثر ازدحامًا التي يمكن جذب أعداد كبيرة فيها من المسافرين لاستخدام تلك القطارات، إذ يمكن أن تصل سعتها إلى نقل 400 ألف مسافر يوميًا.