الأمن الغذائيالطب وصحة

السنة الدولية للصحة النباتية حماية البيئة والغابات والتنوع البيولوجي

نحو 40% من المحاصيل الغذائية تُفقد بسبب الآفات النباتية سنوياً، مما يؤدي لخسائر سنوية في التجارة الزراعية تتجاوز 220 بليون دولار ويترك ملايين الأشخاص بلا غذاءٍ كافٍ

محمد الحسن
كاتب وإعلامي ، (الكويت)

يحرص البشر في جميع أنحاء العالم على المحافظة على صحتهم والعناية بها، والاهتمام بكل ما يجنبهم الأمراض من أي مصدر كان، كما يحرصون على الاهتمام بصحة الحيوانات الأليفة التي تعيش معهم في بيوتهم أو مزارعهم، أو تمثل موردا لأرزاقهم.  لكنهم في غمرة هذا الاهتمام الخاص، يتناسون بصورة كلية الاهتمام بصحة النباتات، ويغفلون العناية بتلك الكائنات الحية التي لاغنى عنها لاستمرار حياتهم، واستدامة معيشتهم.

   وباتت صحة النباتات مهددة بشكل متزايد؛ وفق ما تقول منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)؛ إذ إنّ تغير المناخ، والأنشطة البشرية، أحدثا تغييراً في الأنظمة البيئية، وقللا بذلك من التنوع البيولوجي وخلقا مجالات جديدة يمكن للآفات أن تزدهر فيها. وفي الوقت نفسه، تضاعف حجم السفر والتجارة الدوليين ثلاث مرات في العقد الماضي، لذا يمكن للآفات والأمراض أن تنتشر بسرعة في مختلف أنحاء العالم، ملحقةً أضراراَ كبيرةً بالنباتات المحلية والبيئة.

   إن النباتات هي مصدر الهواء الذي نتنفسه ومعظم الطعام الذي نأكله، ومع ذلك فإننا في كثير من الأحيان لا نفكر في الحفاظ على صحتها. وقد يسفر هذا عن نتائج مدمرة. وتشير تقديرات منظمة (فاو) إلى أن نحو 40% من المحاصيل الغذائية تُفقد بسبب الآفات والأمراض النباتية سنوياً. وهذا يؤدي إلى خسائر سنوية في التجارة الزراعية تتجاوز 220 بليون دولار. وهذا يترك ملايين الأشخاص بلا غذاءٍ كافٍ لطعامهم، ويلحق ضرراً بالغاً بالزراعة التي تعد المصدر الرئيسي للدخل في المجتمعات الريفية الفقيرة. إن القيمة السنوية لتجارة المنتجات الزراعية نمت بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبا خلال العقد الماضي في الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية إلى حد كبير، حيث بلغت 1.7 تريليون دولار أمريكي.

اهتمام أممي

   ونظرا إلى أهمية النباتات وضرورة الاهتمام بصحتها، فقد خصصت منظمة الأمم المتحدة، بالتعاون مع (فاو) هذه السنة (2020) لتكون (السنة الدولية للصحة النباتية). واتخذ القرار الخاص بذلك في عام 2018، ونص على أن النباتات الســـليمة تشـــكل الأســـاس الذي تقوم عليه كل أشكال الحياة على وجه الأرض، ووظائف النظام الإيكولوجي، والأمن الغذائي. وعليه، فإنّ الصحة النباتية هي مفتاح التنمية الزراعية المستدامة من أجل إطعام العدد المتزايد من سكان العالم بحلول عام 2050.

     ووفق القرار الأممي فإن الحفاظ على الصحة النباتية يحمي البيئة والغابات والتنوع البيولوجي من الآفات النباتية، ويعالج آثار تغير المناخ، ويدعم الجهود المبذولة للقضاء على الجوع وســـــوء التغذية والفقر، ويدفع قدما بالتنمية الاقتصادية، ويؤكد الحاجة الملحة إلى إذكاء الوعي وتعزيز وتيسير الإجراءات سعيا إلى إدارة شؤون الصحة النباتية من أجل الإسهام في تنفيذ خطة عام 2030.

   الوقاية أمان

   إن حماية النباتات من الآفات والأمراض أكثر فعالية من حيث التكلفة من التعامل مع حالات الطوارئ الصحية النباتية الشاملة. وكثيرا ما يستحيل القضاء على الآفات والأمراض النباتية بمجرد أن تكون قد توطدت، كما أنّ التعامل معها يستغرق وقتاً طويلاً وتكاليفه باهظة. إنّ الوقاية هي أمر حاسم لتفادي الأثر المدمر للآفات والأمراض على الزراعة وسبل العيش والأمن الغذائي، والكثير منا لديه دور يجب أن يؤديه.

    وترى منظمة (فاو) أنه يمكن منع الآفات والأمراض النباتية من الانتشار، والتصدي لها بطرق صديقة للبيئة، مثل الإدارة المتكاملة للآفات. ويجمع نهج النظام الإيكولوجي هذا بين استراتيجيات وممارسات إدارية مختلفة لزراعة المحاصيل الصحية، مع التقليل إلى أدنى حد من استخدام مبيدات الآفات. إنّ تجنب المواد السامة عند التعامل مع الآفات لا يحمي البيئة فحسب، بل يحمي أيضا الملقِّحات، وأعداء الآفات الطبيعيين، والكائنات العضوية المفيدة، والناس والحيوانات التي تعتمد على النباتات.

  وستركز (السنة الدولية للصحة النباتية) على وقاية النباتات وحمايتها، والدور الذي يمكن أن يؤديه الجميع لضمان صحة النباتات وتعزيزها. وتتمثل الأهداف الرئيسية لهذه السنة في رفع مستوى الوعي بأهمية صحة النباتات لتحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتسليط الضوء على تأثير صحة النباتات في الأمن الغذائي ووظائف النظام الإيكولوجي، وتبادل أفضل الممارسات حول كيفية الحفاظ على الصحة النباتية وحماية البيئة، وذلك من خلال العديد من النشاطات التي ستقودها منظمة (فاو) والاتفاقية الدولية لوقاية النباتات.

صحة البذور

    ترى المنظمة أن الصحة النباتية تبدأ من صحة البذور. وصناعة البذور تعد نشاطاً وديناميكياً، حيث تجري عمليات التربية والإنتاج والتجارة في العديد من البلدان وعبر الحدود الدولية بشكل يومي. وتساهم شركات البذور في الصحة النباتية من خلال توافر البذور الصحية التي يتم اختبارها بشكل روتيني لمنع أو السيطرة على الآفات النباتية التي قد تؤثر في جودة البذور، ومن خلال حركة البذور وإدخالها في مناطق جديدة. وتقوم المبادرة الدولية لصحة بذور محاصيل الخضراوات، وهي منصة لصناعة البذور تشكلت في عام 1993  تحت رعاية الاتحاد الدولي للبذور، بتطوير طرق مرجعية لمحاصيل الخضراوات تهدف إلى إجراء تقييم متسق لصحة البذور. فعلى سبيل المثال، تستخدم طرقها الخاصة بالتقرح البكتيري والفيروسات في الطماطم في جميع أنحاء العالم. كما تؤدي صناعة البذور دورا مهما في جمع المعارف وتبادلها. وأُطلقت مبادرة القائمة المنظمة للحشرات في عام 2007 وأسفرت عن قاعدة بيانات ديناميكية تستند إلى معلومات علمية سليمة تعمل كمصدر للصناعة والهيئات التنظيمية عند تقييم مخاطر البذور كوسيلة لحركة الآفات.

 إجراءات مهمة

      تنصح منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بالإجراءات الآتية للمحافظة على صحة النباتات:

      – الاستثمار في تطوير القدرات الصحية للنباتات وإجراء البحوث والتوعية

   يتعيَّن على الحكومات والمشرعين وصُنّاع السياسات أن يعملوا على تقوية منظمات حماية النبات وغيرها من المؤسسات ذات الصلة، وتزويدها بالموارد البشرية والمالية الكافية. كما يتعين عليها أن تستثمر أكثر في البحوث المتعلقة بصحة النبات. ويتعين على صانعي السياسات والحكومات أن يتحققوا من أنَّ قراراتهم قائمة على الإعداد السليم والبيانات. إنَّ الرصد المنتظم للنباتات، وتلقي معلومات الإنذار المبكر عن التهديدات الناشئة، يساعدان الحكومات والمسؤولين الزراعيين والمزارعين على اتخاذ تدابير وقائيّة وتكيفيّة للحفاظ على صحة النباتات.

  • المحافظة على صحة النباتات وحماية البيئة في آن معا

  تسبب تغير المناخ والأفعال البشرية في تغيير الأنظمة البيئية وخلق بيئات جديدة ملائمة تستطيع الآفات والأمراض النباتية أن تزدهر فيها. وهذا يشكل تهديداً للبيئة، فمن المؤكد أن الآفات والأمراض هي أحد العوامل الرئيسية لفقدان التنوع البيولوجي. وينبغي للمزارعين عند مكافحة الآفات والأمراض، أن يتبنوا استخدام طرق صديقة للبيئة مثل الإدارة المتكاملة للآفات، كما ينبغي لصنّاع السياسات أن يشجعوا على استخدامها والتوعية المناسبة، إضافة إلى الممارسات والتكنولوجيات المبتكرة.

  • القضاء على الجوع وسوء التغذية والحد من الفقر

تصل نسبة ما يشكله النبات من الطعام الذي نأكله إلى 80 %. ومع ذلك فإنه يتعرض لهجمات مستمرة من الآفات والأمراض التي تدمر من 20 إلى 40 % من المحاصيل الغذائية كل عام. وهذا من شأنه أن يجعل ملايين الأشخاص دون ما يكفيهم من الغذاء الذي يتناولونه، ويترك تأثيراً سلبياً في مصدر الدخل الرئيسي للمجتمعات الريفية الفقيرة، ويسفر عن خسائر في المحاصيل والتجارة.

  • جعل التجارة في النباتات والمنتجات النباتية آمنة

تعتمد بلدان كثيرة على تجارة النباتات والمنتجات النباتية لدعم اقتصاداتها، على الرغم من أن هذا قد يزيد من خطر انتشار الآفات والأمراض النباتية، وإلحاق ضرر شديد بالنباتات والتنوع البيولوجي. ومن أجل جعل التجارة آمنة، من المهم تنفيذ المعايير والقواعد الدولية لصحة النبات، مثل المعايير والقواعد التي وضعتها الاتفاقية الدولية لوقاية النبات (IPPC) ومنظمة الأغذية والزراعة. وهذا يقلل من الأثر السلبي للآفات ومبيداتها في صحة الإنسان والاقتصادات والبيئة. كما أنه يسهل منع وكبح انتشار الآفات والأمراض دون الحاجة إلى إقامة حواجز غير ضرورية أمام التجارة العالمية.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى