د. جمال أبورجيلة
طبيب وكاتب مصري (مصر)
قطعة الشكولاتة الأخيرة .. هي كلمات خطها الروائي أحمد خالد توفيق وهو يقص علينا قصة الكرم الأخيرة لآو هنري O. Hendry، ويصف لنا فيها ببراعة أباً يحضر عددا من قطع الشكولاتة ويوزعها على زوجته وابنه وابنته بالتساوي وتتبقى قطعة أخيرة يحفظها بالثلاجة، وتتحفز النفس البشرية لكل منهم طوال الليل بمن يفوز بتلك القطعة دون غيره وخلسة بعيداً عن الأعين. كان صراعاً نفسيا رسمه أحمد خالد ببراعة وهو يخط لنا عين الأب وهي تراقب الزوجة طوال الليل حتى لا تتسلل خفية لتختلس تلك القطعة، ويراقب باب غرفة الابن بنظرات إجرامية حتى لا يحوم المراهق الصغير نحوها. في النهاية تسلل الأب متخفياً ليحصل على القطعة لكنه أصيب بصدمة هائلة بسبب اختفائها. هكذا النفس البشرية دائما ما تتوق نحو القطعة الأخيرة ولا تكتفي بما يشبعها. وعادة ما يعاني مفرطو الوزن من اللهاث نحو القطعة الأخيرة التي لا تنتهي.
تعديل السلوكيات عبارة منمقة تشير إلى تغيير أنماط تعاملنا مع الطعام وممارسة الرياضة، وتشير إلى تخلينا عن البحث الدؤوب عن القطعة الأخيرة. وهذه التعديلات تحفز فينا عادات وقيما جديدة نحو تناول الأطعمة وزيادة حركة البدن مما يساعد على خفض الوزن.
لقد رسخ في اعتقاد معظم خبراء التغذية أن فقد الوزن لن يتأتى من دون اللجوء إلى هذه الآلية المهمة. وتعد تقنيات تعديل السلوك سهلة جدا لتعلمها وممارستها. وقبل أن تبدأ بطريقك لتعديل سلوكياتك الغذائية والرياضية عليك أن تسأل بعض الأسئلة. السؤال الأول الذي يطرح نفسه عادة: ما الذي يجعلك تأكل كثيراً؟ هل هو تناول المأكولات أثناء استراحة العمل أم التنزه مع الأصدقاء المَقرون عادة بتناول الأطعمة؟ هل أنت ممن يقومون متأخرين عن طاولة الطعام أم أنك تحب تناول الأطعمة ذات السعرات العالية والدهون؟ لابد أن يتجول الشخص بين عاداته الغذائية ليعرف مواطن الضعف فيها حتى يتمكن من تعديلها.
والبدء بتغيير نمط الحياة تجاه الرياضة يتطلب تغيير سلوكيات تتسم كثيرا بالتكاسل والتواكل. ليس المطلوب منا أن ننافس على الماراثون أو نعبر المانش، لكن المطلوب مدة لا تتعدى 30 دقيقة نزيدها على نشاطنا المعتاد ولخمسة أيام في الأسبوع في الهواء الطلق ستجعل صحتنا مختلفة تماما. وتبحر سفينة الخيارات بين أمواجٍ متلاطمة لابد أن يقف الشخص فيها عند استراتيجية الأكل الصحي. يعد اختيار الاستراتيجية طويلة المدى لتناول الأكل الصحي كاختيار رحلة متعثرة بين الشواطئ تتوقف على عوامل كثيرة، منها عمر الإنسان ووزنه وجنسه والأيض الغذائي (الاستقلاب) لهذا الشخص، كما تتوقف على الطعام المفضل لديه وتوفر الطعام الصحي بالبيئة المحيطة به، وأخيرا ثقافته واعتقاداته الراسخة نحو الأطعمة وتناولها.
تتبلور استراتيجية تناول الأغذية الصحية عادةً من أصناف عديدة من الفواكه والخضراوات والحبوب، مثل الأرز البني والشوفان وأرغفة الخبز المصنعة بالكامل من القمح وكذلك الأطعمة منخفضة الدهون ومنتجات الألبان مثل الزبادي والجبن قليلة الدسم. تشمل الأطعمة الصحية أيضاً المأكولات البحرية واللحوم والدواجن قليلة الدهن والبقوليات والبذور ومنتجات الصويا.
والمعادلة تتناول طرفين: الأول منهما هو تناول طعام أقل، الآخر هو الإكثار من ممارسة الرياضة، كما تتناول ثلاثة عوامل مساعدة هي خفض التدخين والابتعاد عن الكحوليات والنوم الجيد.
كيف تتعامل مع طرف المعادلة الأول: ابتعد عن فترات استراحات تناول الطعام أثناء العمل، وقلل من تناول الأطعمة والمشروبات المحتوية على النشويات والسكريات أو الصوديوم، وتحكم في كمية الأطعمة، وقلل من الأطعمة ذات الدهون المشبعة مثل الأطعمة المحمرة والحلويات.
كما أن هناك أهمية كبرى لتثقيف وتعليم المرضى المصابين بالسمنة، ويجب أن يشمل هذا التثقيف كيفية نشوء المرض ومضاعفاته وكيفية التخطيط مبكرًا لقائمة الطعام اليومية، وتسجيل وجبات الطعام وكمياتها التي سيتم تناولها. فالتثقيف السلوكي في علاج السمنة هو ركن أصيل لإنقاص الوزن بطريقة صحيحة.
الرياضة المنتظمة
والطرف الثاني للمعادلة هو الرياضة. إن الرياضة المنتظمة كما عرفتها الدلائل الإرشادية الأمريكية هي ممارسة الرياضة متوسطة النشاط لمدة لا تقل عن 150 دقيقة أسبوعياً وفي الهواء الطلق مثل المشي السريع. تزيد الرياضة متوسطة النشاط عادة من ضربات القلب وسرعة التنفس ولكن لا تسبب إرهاقا أو تسخينا للبدن. كذلك يتسنى للأشخاص ذوي الإعاقة البدنية ممارسة الرياضة متوسطة النشاط مثل التريض في الهواء الطلق وممارسة رياضة كرة السلة. وبالطبع توجد محاذير لبعض المرضى خاصة المصابين بعلل القلب والضغط والسكري، وهؤلاء يمكنهم ممارسة الرياضة بعد مراجعة الطبيب المعالج.
تعدُّ الحركة مفتاح خفض الوزن، لكن يشعر المصابون بالسمنة في صالات اللياقة البدنية بأنهم مراقبون، بل ويشعرون أن العيون تتابعهم، وعادة ما ينفصلون عن هذه الصالات بعد أشهر قليلة. كما أن التمرين المنفرد يتطلب الكثير من الإرادة وهو معاناة شديدة لمن يمارسه. لذا يجب أن يشكل المصابون بالسمنة مجموعات لياقة خاصة بهم ويتحركون معا لممارسة الرياضة.
وتسهم الرياضة في حرق السعرات الحرارية، ومن ثم تساعد على خفض الوزن وتقوية العضلات، بحيث يكون فقدان الوزن على حساب الكتلة الدهنية لا الكتلة العضلية، وتخفيف احتمال حدوث الأمراض الأخرى مثل داء السكري وفرط كوليسترول الدم.
عادة بهذا الصدد السؤال الآتي: هل ممارسة الرياضة سحر يجلب النحافة على الفور؟ الإجابة تأتي على الفور: لا. فممارسة الرياضة هي جزء من المعادلة وليست كل المعادلة؛ فحيثما كنا نستمتع بالمأكولات أمام التلفاز فالمعادلة تترنح، وبالتأكيد فإن اقتطاع جزء من السعرات الحرارية هو الذي يساعد على تخفيف الوزن مع الرياضة.
يرى خبراء التغذية أنّ الأشخاص يميلون عادة إلى المبالغة في تقييم حجم النشاط البدني الذين يفعلونه، ويبخسون في المقابل تقدير كمية الطعام التي يأكلونها، لذا يجب الانتباه جيدا لكمية الطعام المتناول وحجم الحركة المبذولة.
ويتبقى الدور المجتمعي الذي لابد أن يكون داعماً للأفراد المصابين بالسمنة، ويسهم في توفير الأغذية الصحية بأسعار مناسبة، مع الحرص على محاربة المشروبات المحلاة وفرض ضرائب عليها، ونشر الوعي بالرياضة وركوب الدراجات والحث على رياضة المشي.