من خلال التعلم المعتمد على المشروعات في الكلية الأسترالية، يشارك طلبة الهندسة في سنتهم الأخيرة في أبحاث لحل مشكلات حقيقية يواجهها العالم. قالت زينب الحجاج، الأستاذة المساعدة في الهندسة الميكانيكية: “يشارك الطلبة في البحث الجاري ويحصلون على خبرة عملية، ويطبقون المعرفة التي اكتسبوها والنظرية التي تعلموها من خلال العمل في مشروعاتهم”.
كان أحد أكثر المشروعات إثارة للاهتمام التي شارك فيها الطلبة كجزء من التزام الجامعة بالتعلم القائم على المشروعات هو إنشاء خرسانة أكثر مراعاة للبيئة أو خرسانة خضراء. صممت الحجاج المشروع وأشرفت عليه مع محمد هاني ياسين، الأستاذ المساعد والقائم بأعمال رئيس قسم الهندسة المدنية. وحصل المشروع على تمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي.
قالت الحجاج: “في الوقت الحالي، نحاول الحد من تأثيرات تغير المناخ، لذلك نريد زيادة التركيز على الموارد الطبيعية. ومن ثم فكرنا: لماذا لا نستعيض عن بعض المواد التي صنعها الإنسان في الخرسانة ببعض الموارد الطبيعية الصديقة للبيئة وغير السامة؟”.
منذ انطلاق المشروع في عام 2019، شارك فيه نحو خمسين طالبًا. يعمل الطلبة في مجموعات من أربعة أو خمسة لإضافة مواد طبيعية إلى خليط الخرسانة جنبًا إلى جنب مع المكونات القياسية، بما في ذلك الرمل والخلائط والماء، واختبار خصائص الخرسانة الناتجة عن ذلك. قالت مريم الشاعر التي شاركت في المشروع قبل تخرجها بدرجة البكالوريوس في الهندسة المدنية: “لقد طبقنا جميع الخطوات من الخلط إلى الاختبار”.
شاركت مريم الشاعر في المرحلة الأولى من المشروع، وخلالها استخدمت الفرق سعف النخيل في خليط الخرسانة. وسعف النخيل هو أحد منتجات النفايات الشائعة في الكويت وربما يؤدي استخدامها في الخرسانة إلى تقليص التخلص منها في مكبات النفايات المحلية. أما في المرحلة الثانية من المشروع فقد اختبر الطلبة أليافًا طبيعية من نباتات الكتان.
قالت مريم الشاعر إن النهج العملي للتعلم كان أكثر فاعلية من التدريس التقليدي في الفصول الدراسية. وأوضحت: “عندما أتعلم شيئًا نظريًا، فإنني أحفظه وقد أنساه لاحقًا… لكن عندما أعمل بيدي، تنغرس الفكرة في ذهني، وتبدو الأمور منطقية أكثر”.
ربما يكون لاستخدام المواد الطبيعية مثل سعف النخيل أو ألياف الكتان في الخرسانة العديد من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بما في ذلك استحداث وظائف جديدة، وتحسين الصحة والسلامة في مكان العمل، وتقليل انبعاثات الكربون من أحد أكبر مصادر انبعاثات الكربون في العالم – ألا وهو البيئة المبنية.
إذ يشير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أن البيئة المبنية تمثل 39 % من إجمالي انبعاثات الكربون السنوية في جميع أنحاء العالم. يتضمن هذا احتساب الكربون المنبعث عند إنتاج مواد البناء والنواتج من استخدامها اليومي مثل إبقاء المباني دافئة أو باردة وإضاءتها. يقلل استخدام الألياف الطبيعية في الخرسانة من انبعاث الكربون أثناء الإنتاج. ووجد الطلبة الذين يعملون في المشروع في الكلية الأسترالية أيضًا أن إضافة سعف النخيل إلى الخرسانة تحسِّن خصائصها الحرارية. هذا يعني أنها ستكون أكثر كفاءة في استخدام الطاقة لتسخين أو تبريد المباني الخرسانية التي تحتوي على سعف النخيل.
ولعل أكثر جوانب المشروع إثارة لاهتمام الطلبة وحماستهم كان الاستفادة من السوق المتنامي لمواد البناء الخضراء للمساعدة على التخفيف من آثار تغير المناخ. قالت مريم الظفيري، وهي خريجة أخرى حصلت حديثًا على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية، إنها أولت اهتمامًا كبيرًا بالهندسة البيئية في السنوات الأولى من برنامجها الجامعي، لذلك تابعت مشروع الخرسانة الخضراء في سنتها الأخيرة. وهي تفكر بعد الانتهاء من المشروع العملي في التخصص في مجال الهندسة البيئية. وأضافت: “الآن، أفكر أنه في المستقبل يمكنني أن أتابع دراستي لنيل درجة الماجستير في موضوع بيئي”.
قال ياسين إن المشاريع العملية التي توفرها الكلية الأسترالية تساعد الطلبة في أكثر الأحيان على اكتشاف مجالات اهتمامهم، وتفتح أمامهم مسارات مهنية جديدة، وتعدهم لخطواتهم التالية: “طوال فترة المشروع، يتدرب الطلبة على جميع المهارات التي يحتاجون إليها لإجراء الأبحاث أو العمل كمهندسين محترفين في المستقبل”. تعلم الطلبة الذين عملوا في مشروع الخرسانة الخضراء كيف تُصب الخرسانة، وكيف يمكن العمل مع آلات مختلفة لاختبارها، وجمع البيانات وفرزها وتحليلها.
وأضاف ياسين أن من المزايا المهمة الأخرى للتعلم بالتجربة هو أنه يساعد الطلبة على صقل مهارات التفكير النقدي لديهم. عندما يكون الطلبة مسؤولين عن كل خطوة من خطوات التجربة العملية، فإنهم يربطون بين أفعالهم والنتائج. وأوضح: “يفكر الطلبة: ’لماذا حصلنا على هذه النتيجة؟ لماذا تتزايد هذه السمة المعينة أو تتناقص؟’. عليهم أن يجدوا السبب المنطقي لذلك”.
قال الطلبة الذين شاركوا في مشروع الخرسانة الخضراء إنهم تعلموا أيضًا بعض المهارات غير المتوقعة. قالت مريم الشاعر: “لم أتعلم الهندسة المدنية فحسب، بل تعلمت أيضًا المهارات الاجتماعية. تعلمت كيف أتواصل مع الناس، وكيف يمكن حل النزاعات، كما تعلمت الالتزام وإدارة الوقت”.
يطبق الطلبة أيضًا مهاراتهم في مجال الاتصال والتواصل عند إعداد نتائجهم للنشر أو لعرضها في المؤتمرات. قدمت عدة مجموعات من الطلبة الذين شاركوا في مشروع الخرسانة الخضراء نتائجهم خلال مؤتمرات ومسابقات دولية في قطر وكندا وإندونيسيا. وجاءت مجموعة من طلبة الكلية الأسترالية ضمن أفضل عشرة فرق في مسابقة الخرسانة الدولية الخامسة في عام 2022. وهي مسابقة تصميم عرضت خلالها الفرق خرسانة مصنوعة من مواد مختلفة تُعد عادة من النفايات.
قالت كل من الشاعر والظفيري إنهما واثقتان من أنهما ستستفيدان أفضل استفادة من المهارات التي تعلمتاها خلال المشروع في المستقبل. ونظرًا لأنها استمتعت كثيرًا بالبيئة العملية لمشروع التخرج، تبحث الشاعر الآن عن وظيفة كمهندسة موقع. أما الظفيري فتقدمت لعدد من الوظائف، وإن كانت ترغب أيضًا في الحصول على درجة عليا في الهندسة البيئية لاحقًا. قالت الظفيري: “ستساعدني مهارات كثيرة طبقناها خلال المشروع في مسيرتي المهنية في المستقبل”.
أما الحجاج وياسين، فقالا إنهما يتطلعان للعمل مع مزيد من الطلبة في مشروعات مماثلة في المستقبل. وأضافت الحجاج: “هذا أحد البرامج المميزة في الكلية الأسترالية. إنه عمل تعاوني، ويحصل كل من الأساتذة والطلبة من خلاله على نتائج رائعة، وقد تحقق بفضل دعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي“.
بقلم ماريانا دينين