فلك وعلم الكونيات

أجهزة محاكاة حركات الأجرام السماوية

وإسهامات العرب والمسلمين بتطويرها

د. سائر بصمه جي

لطالما كان الإنسان الراصد للسماء يشعر أنه داخل كرة كونية كبيرة تتسع للنجوم والكواكب والمجرات، وكان يحدوه الفضول لمعرفة ماذا لو كان هو أكبر منها وهي أصغر منه، عندها سيراقب آلية عملها ويفهم كيفية سيرها. وقاده هذا التفكير إلى صنع نماذج تحاكي الكون وما فيه، مرتكزةً على أسس فلسفته ونظرته للكون. بعدها تحولت الفكرة إلى أداة تعليمية مدهشة تضاهي بروعتها جمال السماوات نفسه.

والنماذج الأولى لمحاكاة الكون والنجوم والكواكب كانت ساكنة، لا تحوي بداخلها أي جزء ميكانيكي يساعد على الحركة أو يدل على وجود جرمٍ ما يتحرك حول آخر. وخير مثال على ذلك نماذج الكرات السماوية النحاسية التي ترسم عليها خطوط الطول والعرض السماوية والكوكبات النجمية والنجوم اللامعة في كل كوكبة، إضافة إلى دائرة الأبراج والكوكبات المتعلقة بها.

والنماذج الأولى لمحاكاة الكون والنجوم والكواكب كانت ساكنة، لا تحوي بداخلها أي جزء ميكانيكي يساعد على الحركة أو يدل على وجود جرمٍ ما يتحرك حول آخر. وخير مثال على ذلك نماذج الكرات السماوية النحاسية التي ترسمها عليها خطوط الطول والعرض السماوية والكوكبات النجمية والنجوم اللامعة في كل كوكبة، إضافة إلى دائرة الأبراج والكوكبات المتعلقة بها.

ومع تطور علوم الفيزياء والرياضيات والهندسة الميكانيكية، أصبح بالإمكان التقدم خطوة نحو تحريك الأجرام ومشاهدة الآلية الكونية وهي تعمل. حيث ظهرت «المسننات» كعناصر ميكانيكية تساعد على تسريع أو تبطيء أي جسم يدور حول آخر، إضافةً إلى قدرتها على نقل الحركة من جسم إلى آخر. وتُعرَف هذه الأجهزة حاليا باسم (المبيان Orrery) نسبة إلى أول نموذج متطور منها في القرن الثامن عشر على يد جورج غراهام (توفي 1751م).

جهود العرب والمسلمين

لا توجد أي وثيقة تثبت انتقال أو وصول النماذج اليونانية التي تتعلق بالفلك إلى العلماء العرب والمسلمين، باستثناء انتقال الاسطرلاب، وصنع إبراهيم الفزاري (توفي 777م) أول إسطرلاب عربي إسلامي نقلاً عن المصادر اليونانية.

وقد تمّ إيجاد طريقة الإسقاط المستوي على الإسطرلاب، حيث تمّ محاكاة وجود الكواكب الثابتة على وجه الإسطرلاب. إلا أن بعض العلماء المسلمين حاولوا إضفاء المزيد من الحيوية والحركة على تمثيل الأجرام السماوية، خصوصاً الشمس والقمر. ومنهم البيروني الذي صنع إسطرلاب (حق القمر) الذي يمكن استخدامه في أمور عدة منها قياس ارتفاع النجوم الثابتة، وقياس الوقت، وعرض أطوار القمر في كل يوم من أيام الشهر. وما كان ذلك لينجح لولا استخدامه للمسننات والاستفادة من قدراتها بوصفها إحدى الآلات الميكانيكية البسيطة.

كان البيروني كاسباً لقصب السبق في صناعة هذه الآلات المحاكية لحركة الأجرام السماوية التي تدمج بين الإسطرلاب والحركة؛ إلا أنه في عام 1983م، عرض متحف العلوم في لندن بقايا لآلة بيزنطية مزودة بمسننات من أجل التقويم، تعود للفترة الواقعة بين (100-150ق.م) وسميت آلة أنتيكيثيريا Antikythera، نسبةً إلى الجزيرة التي عثر عليها بقربها. وقد اعتبرها الكثير من المؤرخين من أوائل أجهزة محاكاة حركة الأجرام السماوية المبرمجة.

إن آلة البيروني موجزة ومختصرة عن آلة أنتيكيثيريا، وما نعتقده هو أن البيروني نفذ آلته من دون أن يكون على علمٍ بوجود تلك الآلة اليونانية المعقدة.

ساعة الجزري

بعد نحو 100 سنة من تصميم البيروني، وضع المهندس أبو العز إسماعيل الجزري (توفي بعد عام 1206م) في كتابه (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل) تصميماً لساعة يعرف منها كم مضى من الوقت سواء في الليل أو النهار. وأضاف إليها صورا نجومية للأبراج ال12 وما هو موضع الشمس منها، وفي وسطها مراحل تطور أشكال القمر خلال الشهر، وفي أسفلها فرقة من العازفين تعزف بعد مرور ساعة من الزمن. وتمثل تلك الساعة تحفة فنية رائعة تعكس مدى التطور العلمي والتقني الذي بلغه المهندسون المسلمون. أما ولادة أول ساعة فلكية في أوروبا فكانت على يد جيوفاني دونادي (توفي 1388م) بين عامي 1348-1364م.

القياسات الفلكية

يعرّف علم القياسات الفلكية Astrometry بأنه فرع من علم الفلك يختص بدراسة القياسات بين مواقع وتحركات النجوم والأجسام السماوية الأخرى في الكرة السماوية. إضافة إلى ذلك فإنه يدرس العوامل التي تسبب تغيرا ظاهريا في مواقع هذه الأجرام، كما يهتم بنظرية الآلات الفلكية المستخدمة في تحديد مواقع الأجرام.

وساعدت المعلومات التي تم التوصل إليها من خلال القياسات الفلكية على فهم تحركات المجموعة الشمسية ومجرتنا درب التبانة والأصل الفيزيائي لذلك. ويرتبط تاريخ علم القياسات الفلكية بتاريخ فهارس النجوم، الذي قدم للفلكيين نقاطا مرجعية للأجرام في السماء حتى يتمكنوا من تتبع تحركاتهم.

وتطور علم القياس الفلكي عند العلماء العرب والمسلمين نظراً للحاجة الشديدة للوصول إلى أرصاد دقيقة، فاستخدمت وحدات قياس متنوعة، وتم مناقشة أحجام النجوم وأقطارها، وكذلك البحث في موضوع تذبذب نجم القطب.

قياس المسافات بين النجوم

منذ القرن العاشر للميلاد، أشار الفلكي عبد الرحمن الصوفي (توفي 986م) إلى بعض القياسات في كتابه (صور الكواكب الثمانية والأربعين)، والتي لعلها تبدو تقريبا عامّا لقياس المسافات بين النجوم. واستخدم الصوفي أيضاً وحدة هي (قامة الإنسان) لقياس الأبعاد بين النجوم في أربعة مواضع فقط هي: بين نجمي الفرقدين في كوكبة الدب الأكبر ، وبين النجم العاشر والنجم الذي على رأس كوكبة ذات الكرسي، وبين النجم 21 والنجم 20 في كوكبة برشاوس، وبين نجوم كوكبة المثلث.

و أشار المؤرخ فؤاد سزكين إلى وجود رسالة عربية وحيدة مجهولة المؤلف مخصصة لقياس مواضع الكواكب الثابتة في السماء اسمها (عمل آلة لقياس الكواكب الثابتة).

قياس أحجام النجوم وأقطارها

تطرق بعض العلماء مثل أحـمد بن كثير الفرغاني (توفي بعد سنة 861م) إلى قياس أقطار النجوم وأحجامها، واعتبر كل النجوم تعادل بحجمها 107 مرات حجم الأرض (طبعاً إذا اعتبرنا أن الأرض دائرة مرسومة على سطحٍ مستوٍ) ثم ربط بين حجم النجم وقدره. وحدد إخوان الصفا (القرن 10م) في رسائلهم أحجام النجوم أو الكواكب الثابتة وأقطارها (1022 نجما) التي كانت معروفة في عصرهم.

لقد قدمت الحضارة العربية الإسلامية إسهامات مهمة في مجال الأجهزة التي تحاكي حركات الأجرام السماوية سواء لأغراض علمية أو تعليمية, كما كان لها إسهامات مهمة في مجال القياس الفلكي.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى