العلوم الطبيعيةجيولوجيا

أثر تغير المناخ في البيئة البحرية للكويت

د. محمد إبراهيم المكيمي
د. فهد سليمان السنافي

خلال العقدين الماضيين شهد العالم زيادة كبيرة في النشاطات الصناعية البشرية نتيجة الثورة الصناعية والتكنولوجية المتسارعة. ويتوقع أن تزداد هذه النشاطات في المستقبل القريب نتيجة لزيادة عدد السكان والمصانع. ونجم عن هذه الثورة الصناعية حدوث تغير كبير في المناخ العالمي، مما أدى إلى ازدياد درجة الحرارة والتصحر والفيضانات وتحمض المحيطات وغيرها من التغيرات التي لها تأثيرات متنوعة في البيئات المختلفة ولاسيما البيئة البحرية. وأخذت آثار ظاهرة تغير المناخ تهدد شتى أنواع الحياة على كوكب الأرض.

مؤتمرات عالمية
وبناء على ذلك حرصت دول العالم على إيجاد الحلول المناسبة للحد من هذه الظاهرة، فعقدت مؤتمرات عالمية عدة كان آخرها مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي عقد في باريس عام 2015 مستهدفا وضع خطط وحلول للحد من تسارع هذه الظاهرة. ومن أبرز تلك الحلول قيام الدول بالحد من ارتفاع درجة الحرارة بمعدل لا يزيد على 1.5 درجة مئوية خلال هذا العقد. وكان لدولة الكويت دور بارز في تلك الحلول، إذ أكدت التزامها أمام دول العالم بإعادة تأهيل المنشآت النفطية ووضع قوانين صارمة للحفاظ على البيئة والحد من الانبعاثات الضارة والتقليل – قدر الإمكان – من تسارع ظاهرة تغير المناخ. إن الكويت ليست بمعزل عن هذا العالم المتغير، وأي تغير في المناخ في أي مكان بالعالم سيكون له أثر ما في دولة الكويت.

التصحر والبيئة البحرية
أظهرت دراسة مشتركة أجرتها جامعة الكويت (مركز علوم البحار) وجامعة تكساس أي أند أم (Texas A & M University) حول المناخ في الكويت وتأثيره في البيئة البحرية خلال الأربعين سنة الماضية ازدياد درجة الحرارة بمعدل 0.8 درجة مئوية خلال تلك الفترة، وهو أحد المعدلات الأكثر ازديادًا مقارنةً بمناطق العالم التي تراوحت معدلاتها بين 0.8-0.4 درجة. وهذا الارتفاع السريع في درجة الحرارة يعد أحد أسباب ظاهرة التصحر في الكويت والعراق وتركيا وسوريا وجفاف أنهارها، حيث تعد تلك الدول المصدر الرئيسي للغبار الذي تشهده الكويت. وتبين أن نسبة الغبار في السنوات التي شهدت المنطقة فيها عمليات عسكرية، مثل الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج وحرب تحرير العراق، ازدادت بنحو %38 بسبب دور تلك العمليات العسكرية في تفكك التربة فيها، وهو ما يسهل حركتها وتنقلها في الغلاف الجوي. وأظهرت الدراسة أيضا أن بناء السدود وتقلص نسبة الأمطار في تركيا وسوريا كان له دور في جفاف الأنهار في العراق، وهو ما أسهم أيضا في زيادة نسبة الغبار في الكويت. وأدت زيادة الغبار إلى ازدياد تدفق العناصر الغذائية إلى مياه الخليج العربي مما أسهم في ازدهار العوالق البحرية بصورة سلبية، ومن ثم حدوث ظاهرة نفوق الأسماك في صيف عام 2011. وأدت الملوثات والمعادن النزرة التي حملتها رياح الشمال القادمة من العراق إلى تصحر الجزء الشمالي من منطقة الخليج العربي، وتقليل مستوى الرؤية الأفقية بنسبة %9.

رياح الشمال والبيئة البحرية
تهيمن رياح الشمال المثيرة للغبار في منطقة الخليج العربي على مدار السنة، وهي المسبب الأساسي لحر الصيف وبرد الشتاء. وهذه الرياح تعرف بأنها رياح شمالية إلى شمالية غربية بمعدل سرعة يبلغ 9.85 متر في الثانية، وتهب عادة في مدة لا تقل عن يومين متتاليين. وأظهرت الدراسة المشتركة بين الجامعتين أن نشاط رياح الشمال ازداد في السنوات الأخيرة في الكويت. وأدى ذلك إلى التأثير في العديد من عوامل الطقس، فازدادت سرعة الرياح بمعدل %27 في مياه الخليج العربي، وهو ما أدى إلى زيادة درجة الحرارة في الصيف بمعدل 0.8 درجة مئوية وانخفاض درجة الحرارة في الشتاء بمعدل 1.5 درجة مئوية. وأدى ذلك النشاط أيضا إلى حدوث تغيرات كثيرة في الضغط الجوي بمنطقة شمال الخليج العربي وانخفاض ملحوظ لمعدلات الرؤية الأفقية. وكان لجميع هذه التغيرات المناخية في منطقة شمال الخليج العربي أثر واضح في البيئة البحرية للمنطقة ولاسيما الكويت؛ إذ إن لازدياد سرعة الرياح أثرا شديدا في قوة الأمواج البحرية مما يسبب زيادة التعرية الساحلية، كما هو مشاهد في سواحل الكويت وجزرها لاسيما جزيرة قاروه التي شهدت تقلصاً ملحوظاً في مساحتها. ولهذه الجزيرة بعد سياسي واقتصادي مهم للكويت لأنها أبعد جزيرة للدولة في الخليج، وفقدانها سيؤدي إلى تقليص الحدود البحرية مما سيفقد البلاد حقولا نفطية بحرية. وتؤثر قوة الأمواج أيضا في كمية الأسماك في الأسواق وتذبذب أسعارها لقلة الصيادين في فترة قوة الرياح بسبب خطورة الإبحار فيها. ولهذه الأمواج العاتية أثر إيجابي للبيئة البحرية، كاختلاط طبقات المياه ومزجها مما يزيد نسبة الأكسجين المذاب في مياه البحر وينعش الحياة البحرية. وتؤثر زيادة درجة الحرارة بصورة كبيرة في الحياة البحرية؛ إذ إنها تؤدي إلى حدوث ظاهرة ابيضاض الشعب المرجانية وموتها، وتقليل كمية الأسماك والثدييات المهاجرة للمنطقة.

تغير مستوى سطح البحر
إن للتغير العالمي والمحلي لمستوى سطح البحر مضاعفات خطرة على البيئة البحرية والمدن الساحلية. ولزيادة درجة الحرارة عالميا أثر واضح في ذوبان الكثير من الكتل الجليدية، مما ينعكس سلباً على مستوى سطح البحر في بحار العالم. وقد يكون التغير المحلي لمستوى البحر في الكويت غير ملحوظ حاليا، لكن الأثر العالمي للتغير ملحوظ. يرتفع منسوب مياه البحر العالمي بمعدل0.2 سنتيمتر سنويا، وربما لا يكون هذا التغير كبيرا، لكن بمرور السنين فإن الارتفاع – كما هو متوقع- سيبلغ مترا واحدا عام 2100. وهذا الارتفاع العالمي سيؤدي إلى غمر الجرز الكويتية وأجزاء كبيرة من المناطق الساحلية للكويت.
تحمض مياه البحر
أسهمت الثورة الصناعية في ازدياد نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض. يتفاعل الغلاف الجوي مع الغلاف المائي بحيث يمتص ماء البحر كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، مما يقلل من نسبته في الغلاف الجوي، ويؤثر في الحالة الكيميائية لمياه البحر. فعند تفاعل هذا الغاز مع مياه البحر تزداد حموضة المياه في ظاهرة تعرف بتحمض مياه البحر.
إن معدل الحموضة الطبيعية في مياه البحر يراوح بين 8.1 و 8.2. وقد ازداد بمعدل 0.1 منذ الثورة الصناعية، ويتوقع ازدياده في السنوات المقبلة مع تغير المناخ وزيادة انبعاث الغازات كثاني أكسيد الكربون. ويؤثر تحمض مياه البحر في مياه البحار في كل مناطق العالم، ومنها الكويت، وسيؤدي إلى تأثر عدد كبير من الكائنات الحية والشعب المرجانية التي تعيش وفق معدل ثابت من الحموضة المائية.

دور وطني للحد من آثار تغير المناخ
تواجه الكويت تحديات كثيرة بسبب ظاهرة تغير المناخ وتداعياتها على بيئتها البحرية. وحرص المسؤولون فيها على توقيع الكثير من الاتفاقيات العالمية لتأكيد جدية الدولة في الحفاظ على البيئة ولاسيما البيئة البحرية والحد من آثار تغير المناخ. وأنشأت الكويت الكثير من الجهات والهيئات التي لها دور واضح في الحفاظ على البيئة البحرية ووضع القوانين الصارمة في هذا الشأن.
ومن الأمور التي يجب على الكويت المسارعة إلى اتخاذها لمقاومة التصحر في المنطقة وضع خطة مشتركة مع تركيا وسوريا والعراق للاتفاق على معدل تدفق المياه من السدود بصورة تمنع الجفاف فيها، كما تحاول مصر حالياً مع سد إثيوبيا.
ويمكن للكويت أيضا التنسيق مع العراق لمد نهري الفرات ودجلة إلى مزارع العبدلي الواقعة شمالي البلاد، مما يخفف التصحر وعبء المياه على البلاد. >

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى