هل غيّرت الحياة من جيولوجيّة كوكب الأرض؟
جوليون رالف
قبل نحو 2.4 مليار سنة، أفضت حادثة دراماتيكية على كوكبنا الأرضي الفتي إلى حدوث أعظم تغير مناخي عرفه الكوكب على الإطلاق. فقد أدت حادثة الأكسجة العظيمة Great Oxygenation Event (GOE) إلى تغيّر الغلاف الجوي لكوكبنا بصورة بالغة ودائمة من غلاف غازي أولي غني بالميثان إلى غلاف غني بالأكسجين نتنفسه حاليا. وكان سبب هذا التحوّل هو متعضيات بدائية وحيدة الخلية من نوع سيانوبكتيريا، امتازت بقدرتها المدهشة على القيام بعملية التركيب الضوئي التي امتصت فيها غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 من الهواء باستخدام ضوء الشمس وأطلقت الأكسجين.
يعتقد علماء الإحاثة أن متعضيات السيانوبكتيريا طوّرت قدرة التركيب الضوئي في زمن مبكر قبل نحو 3.5 مليار سنة. وكان الأكسجين قبل حادثة الأكسجة العظيمة مندمجاً مع الحديد في الصخور الأرضية بصورة صدأ الحديد وبقدر يفوق كثيراً نسبته في الغلاف الجوي. وكانت نتيجة العملية زيادة هائلة في أكسجين الغلاف الجوي، وهو ما غير في أرضنا إلى الأبد.
وأدرك العلماء أن حادثة الأكسجة العظيمة لم يقتصر تأثيرها في الغلاف الجوي؛ إذ أدت أيضاً إلى تحوّل صخور قشرة الأرض وعناصرها المعدنية لتشهد طفرة هائلة في نموها وتنوعها يمكن تشبيهها بالطفرة التي طرأت على أنواع الحياة على الأرض.
ويبلغ عدد العناصر المعدنية المعروفة حالياً نحو 4500، ويكتشف عشرات الأنواع الجديدة منها في كل عام. وبحسب التعريف الرسمي للعنصر المعدني كما أعلنته الجمعية العالمية لعلم المعدنيات (International Mineralogical Association)، فالعنصر المعدني هو عنصر أو مركب كيميائي متبلّر عادة، تشكّل نتيجة عمليات جيولوجية أرضية.
ويقسّم العلماء المعادن إلى عدة مجموعات، أو فئات، وذلك اعتماداً على تركيبها الكيميائي.
وهذه الفئات الأولية هي العناصر elements، والسلفيدات، والهاليدات، والأكسيدات، والكربونات، والبورات، والسلفات، والسيليكات، ومركبات الفوسفات، ومركبات عضوية؛ وهي مجموعات نرى أمثلة وعينات منها جميعاً في قشرة الأرض، حيث تتوزع أنواع مختلفة منها في بيئات ومناطق مختلفة اعتماداً على كيفية تشكلها، فيجد علماء المعدنيات، على سبيل المثال، معظم عناصر البورات المعدنية (أي تلك التي تحوي عنصر البورون) في مكامن رسوبيات متبخرة حيث جفت بحار قديمة.
وسمحت تلك العملية لمحتوى البورون المنحل في مياه البحار بالتبلّر والتصلب بصورة بورات معدنية، مثل البوراكس borax، والأولكزايت ulexite، والكولمانايت colemanite. وهذه المواد المعدنية حديثة العمر نسبياً، فنرى، مثلاً، أن مكامن رسوبيات البوراكس في كاليفورنيا قد تشكّلت منذ أقل من 10 ملايين سنة، وهذه مدة قصيرة مقارنةً بحقبة زمنية تبلغ 4.6 مليار سنة هي عمر كوكب الأرض.
وأظهرت أبحاث جديدة مدى أهمية الحياة في حدوث تنوع العناصر المعدنية على الأرض، وهذه نقطة مهمة بشأن ما يجب أن نبحث عنه على كواكب أخرى كأدلة على حياة حالية أو سابقة احتوتها الصخور.
عودة إلى زمن سحيق
تعد بلورات الزركون zircon crystals أقدم العناصر المعدنية على الأرض، بعمر قدره العلماء بـ4.4 مليار سنة. والزركون هو عنصر أفلح في النجاة والبقاء على الرغم من جميع العمليات الجيولوجية وتأثيراتها: فهو صلب بما يكفي أمام التآكل، ودرجة انصهاره مرتفعة جدا، ويمكنه البقاء بعد تعرضه لمعظم التفاعلات الكيميائية.
وهذه عوامل كثيراً ما أتلفت وأعادت صنع معادن أخرى تشكّلت مع الزركون.
لكن حبيبات الزركون صمدت وتابعت وجودها وبصورة تكاد تكون سليمة تماماً. ويظهر بعض من هذه البلورات حلقات متعددة من الزركون، تماماً مثل الحلقات المعروفة في جذوع الأشجار. لكن هذا الناجي الوحيد من زمن يرقى إلى 4.4 مليار سنة لا يساعدنا بمفرده – للأسف – في معرفة الصورة الكاملة لآلية تحول عالم العناصر المعدنية في حقبة الـ 4.6 مليار سنة الماضية. ومن أجل هذا، سنحتاج إلى عناصر أقدم عمراً حتى من عنصر الزركون.
أدلة من الفضاء يعتبر الحجر النيزكي من نوع الكوندريت النوع الأكثر وفرة وانتشاراً بين جميع أنواع الأحجار النيزكية التي وجدت على الأرض. تشكلت أحجار الكوندريت في وقت مبكر من تاريخ النظام الشمسي، ربما بصورة كويكبات صغيرة تفتتت وسقطت على الأرض.
لكن قيم الضغط والحرارة بداخلها لم تبلغ حداً كافياً للانصهار وإعادة بلورة مادتها كصخر جديد، لذا فإن حجارة الكوندريت هذه تحوي حبيبات كانت بدورها جزءاً من السديم الأصل للنظام الشمسي، ولها بنية تختلف في نسب عناصرها الكيميائية عن التي توجد عادة في نظامنا الشمسي.
وماذا يمكن لبنية هذه الحبيبات القديمة أن تخبرنا؟ وأي تنوع معدني وجدناه في زمن بداية النظام الشمسي؟ حتى الآن، تمكن الباحثون من التعرف إلى 11 عنصراً معدنياً وجدت في غبار السديم القديم.
من بين هذه الأنواع، هناك عناصر معروفة جيداً مثل الألماس والأوليفين، وعناصر أخرى أقل شهرة مثل الهيبونايت، والمويسانايت، وكربيد التيتانيوم. ومما يثير الاهتمام، هو توزعها جميعاً ضمن أربعة أصناف فقط، هي: العناصر elements، والكربيدات، والأكسيدات، والسيليكات. وما يبدو هو أن عالم العناصر المعدنية كان صغيراً ومحدوداً فعلاً في زمن تشكل نظامنا الشمسي.
تضاعف العناصر المعدنية
إذاً، كيف أمكن للعناصر المعدنية أن تزداد عدداً من مجرد حفنة إلى 4500 عنصر؟ وكم بلغ عدد العناصر المعدنية التي احتوتها الأرض الفتية قبل أن تغيّر الحياة في كيميائيّة كوكبنا بصورة بالغة؟ هذا الذي تحاول دراسة مسحية جديدة لعالم العناصر المعدنية أن تجيب عنه تحديداً.
وكانت عمليات الانصهار والاختلاط والتبلور فور تشكّل الأرض أدت إلى تخلّق أنواع جديدة من المعادن. وقد عمل كثير من العلماء على تقديم نظرية عن تطور العناصر المعدنية. وكما هو أمر تطور الحياة، تبدأ نظريتهم بأرض تنشأ وعليها عدد صغير من المعادن التي تطورت بمرور الزمن وتغير الظروف الجيولوجية إلى أن بلغ عددها حالياً نحو 4500.
ويسعى هذا الجهد البحثي أيضاً إلى تأسيس قاعدة بيانات خاصة بأعمار العناصر المعدنية لتقدم مرجعاً لتقدير زمن ظهورها الأول، وكيف أمكن لظهورها أن يتصل بأحداث مصيرية في تاريخ الأرض، مثل نشوء الحياة.
تفترض النظرية الحالية لتطور المعادن أن معظم العناصر المعدنية التي تحوي الأكسجين فقط تشكل بعد حادثة الأكسجة العظيمة، وأنها تمثل بعضاً من أجمل وأروع العناصر المعروفة التي كثيراً ما يسعى وراءها هواة جمع المعادن والفلزات من أجل لونها وبريقها ونقائها. لكن بعض العلماء يشير إلى صعوبة معرفة الشيء الكافي عن العناصر المعدنية في باكورة تاريخ الأرض، لأن عوامل جيولوجية مختلفة – حركة الصفائح التكتونية مثلاً – أدت إلى إعادة تشكيل معظم طبقة القشرة الأرضية وزوال أجزائها القديمة منذ مليارات السنين.
ويقول فريق عمل مشروع قاعدة البيانات إننا لن نحظى بصورة كاملة لتاريخ المعادن الأرضية. لكنهم يعتقدون أن قدراً كبيراً من الأدلة سيظهر مع إتمام المشروع، وسيسمح لهم بالوصول إلى نتائج أساسية عن تطور عالم عناصرنا المعدنية.
معادن الكواكب الأخرى
هل يمكن لهذا المشروع أن يساعد العلماء على معرفة ما إذا كانت كواكب أخرى تدعم وجود أي حياة عليها؟ يبدو أن قدراً كبيراً من تنوع العناصر المعدنية هو أمر يمكن أن يشير إلى وجود سابق لوسط حيوي biosphere نشيط. لقد أظهرت الصخور التي جلبها رواد الفضاء من القمر كماً من المعادن أكثر تعقيداً مما وجد في الأحجار النيزكية، ولكن أقل تنوعاً بكثير مما على الأرض، وتبين أيضاً وجود نحو 100 نوع من المعادن عليه. كما تبدو صورة العناصر المعدنية على الكوكب الأحمر أكثر تعقيداً بكثير مما هي حال معادن القمر.
لقد سجلت جوالتا سبيريت وأبورتيونيتي وجوداً لعدة عناصر معدنية من أنواع السلفات، أحدثها كان عنصر الجاروسايت jarosite (من أصناف سلفات الحديد)، الذي يمكن أن يتشكل فقط بوجود الماء، لكنه لم يكن كافياً للدلالة على وجود حياة سابقة أم لا.
لقد كانت المعلومات المرسلة من المريخ مثيرة بالفعل، ولكنها لاتزال غير حاسمة حتى الآن.