نهج أخف وطأة لعـلاج السرطان
مزيج من الكيمياء الدقيقة وضوء الليزر يمنحان الأمل في علاج أكثر أماناً للسرطان
على الرغم من أن العلاجين الإشعاعي والكيميائي أداتان قويتان لعلاج السرطان، فإنهما يسببان آثاراً جانبية جسيمة؛ إذ يتلفان إلى جانب الخلايا السرطانية الخلايا السليمة أو يقتلانها. يعمل الدكتور سعد مخصيد من جامعة الكويت على تقنية تَعد بقتل الخلايا السرطانية من دون إلحاق الأذى بجاراتها السليمة.
ويعتمد النهج، المعروف باسم العلاج الضوئي الديناميكي Photodynamic therapy (اختصاراً: العلاج PDT) على مزيج من ثلاثة مكونات – الأكسجين والضوء وجُزيء يُعرف باسم المُحسِّس الضوئي Photosensitizer – وكل منها غير ضار بمفرده، لكن بإمكانها أن تقتل الخلية إذا جُمعت معاً بطريقة صحيحة.
عندما يُضاء المُحسِّس الضوئي Photo-sensitizer بطول موجي صحيح، فإنه يتفاعل مع الأكسجين القريب ويُحوله إلى شكل أكثر نشاطاً يعرف باسم الأكسجين الأحادي Singlet oxygen. وتكون جزيئات الأكسجين شديدة التفاعل هذه سامة للخلايا إذ تتلف مكوناتها وتتسبب في النهاية في موتها. ومن خلال بالحرص على أن يقتصر امتصاص المحسِّس الضوئي على الخلايا السرطانية وعلى إضاءتها بأكبر قدر ممكن من الدقة، يمكن للأطباء توفير العلاج PDT لقتل الخلايا السرطانية من دون إلحاق الضرر بأي نسيج سليم.
يهتم مخصيد، المتخصص في الكيمياء ، بدراسة الجزيئات المعروفة باسم الفثالوسيانين Phthalocyanines (اختصاراً: جزيئات Pcs) في محاولة لتحسين أدائها كمحفِّزات Catalysts . أثناء قراءته عن هذه الجزيئات اكتشف أنها تُستخدم في العلاج PDT. وقال: “يستهويني الطب، لذلك بدأت في قراءة المزيد عن هذا النهج البحثي والصعوبات والتحديات، وأنواع الخصائص اللازمة لاستخدام هذه الجزيئات في العلاج الضوئي الديناميكي”.
تقنية جزيئات الفثالوسيانين للعلاج الهادف
الجزيئات Pcs من حيث المبدأ فعالةٌ جداً في إنتاج الأكسجين الأحادي، لكن بعض العيوب حدَّت من استخداماتها العملية. ويتمثل التحدي الأول في أن جزيئات Pcs ليست قابلة للذوبان في الماء، ومن ثم تميل إلى التكتل معاً وتشكيل مجموعات متكتلة تكف عن التفاعل مع الأكسجين.
وللتغلب على هذا الأمر، صمم مخصيد جزيئات Pcs وصنَّعها مع رصِّ ملحقات كبيرة فوقها وأسفلها، فصارت أشبه بحشو بين كعكتين مستديرتين (دونت). وباستخدام ملحقات مشحونة بشحنات كهربائية، كان يأمل في منع الجزيئات من التكتل.
تواصل مخصيد مع بيتر زيمشك Petr zimčík من جامعة تشارلز Charles University في جمهورية التشيك لمساعدته على تحليل الجزيئات الجديدة. وقال زيمشك: “كانت لدينا بعض المرافق التي لم تتوفر لدى مخصيد في ذلك الوقت، لذلك تمكنا من تقييم الخصائص الفيزيائية-الضوئية للمركب”. وأضاف: “لقد أعاقت التعديلات المُدخلة تماماً عملية التكتل، وهو أمر مهم حقاً في هذا المجال. لقد حظيت هذه الجزيئات بإعجابنا حقاً”.
من خلال تعاونه المستمر مع زيمشك، تمكن مخصيد من تحسين تصميم الجزيئات Pcs. واستبدل في التركيب الأخير الزنك الموجود في قلب الجزيئات بمعدن الإنديوم Indium فزادت كفاءتها في إنتاج الأكسجين الأحادي.
والتحدي الرئيسي الثاني هو التأكد من أن الخلايا السرطانية هي وحدها التي تمتص الجزيئات Pcs. ولقد أمكنه فعل ذلك من خلال ربط مجموعات وظيفية محددة بالجزيئات Pcs لجعلها أكثر جاذبية للخلايا السرطانية. على سبيل المثال، نظراً لأن الخلايا السرطانية تنقسم بسرعة، فإن معدلات تمثيلها الغذائي أعلى من الخلايا الطبيعية، لذا فإن لصق الجزيء Pc بجزيء سكر سيجعل الخلية السرطانية أشد إقبالاً على امتصاصه.
ليس توليف الجزيئات الكبيرة والمعقدة بالمهمة السهلة. وبفضل التمويل الذي حصل عليه من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، صار لدى مخصيد حالياً مرافق لاختبار الخصائص الفيزيائية للجزيئات التي طورها، لكنه لا يزال بحاجة إلى إرسالها إلى زيمشك والمتعاونين الآخرين لاختبارها في مزارع الخلايا، وفي النهاية في النماذج الحيوانية.
تغلب مخصيد مؤخراً على التحدي المتمثل في تطوير تقنيات التوليف المتكررة. وقال: “لقد طورنا لبنة ذات وظائف معينة تسمح لنا بربط أي شيء نريده بالفثالوسيانين”. وباستخدام هذه التقنية، يمكنه إنتاج الجزيئات Pcs بملحقات إضافية مختلفة لاستهداف الخلايا السرطانية، سواء من الكربوهيدرات أم الأحماض الأمينية أم الدهون، على سبيل المثال. وقال مخصيد إنه “باستخدام المعلومات المتوفرة من الأبحاث الحيوية، ينبغي أن نكون قادرين على تصميم جزيئات تنتقيها الخلايا السرطانية وتحبذها إلى حد كبير”.
سجل مخصيد براءة اختراع لهذه الجزيئات وتقنية تركيبها الجديدة، وهو يعلق آمالاً كبيرة عليها. وقال: “إن هذه التقنيات لن تفيد المجتمع الكويتي فحسب، وإنما منطقة الخليج وحتى العالم بأسره”. وأضاف إن “هذا النوع من العلاج لا ينطوي على إجراءات باضعة، لذلك يمكن إجراؤه كلما دعت الحاجة. يمكن أن يكون انتقائياً جداً، لذلك لا يسبب آثاراً جانبية لدى المرضى، وليست هناك حاجة لإجراء عملية جراحية”.
يخطط زيمشك لإدراج جزيئات مخصيد في مشروع عالمي لاختبار فعالية الجزيئات المختلفة من Pcs. وإلى جانب المركبات التي ركّبها مخصيد، يجمع زيمشك جزيئات من مختبرات في الصين وروسيا وإسبانيا وبولندا وأماكن أخرى. وقال مخصيد: “إن التقييم البيولوجي لنشاط العلاج PDT يُجرى بشكل مختلف في كل مختبر، الأمر الذي يجعل من الصعب مقارنة النتائج. لذا، أردنا توحيد البروتوكول وجمع أفضل الجزيئات التي نُشرت ومقارنتها لمعرفة الاختلافات الموجودة بينها”.
وتفتح تقنية مخصيد الجديدة في تعديل تركيبة الفثالوسيانين المجال أيضاً أمام إمكانية توليفها لاستخدامها كمحفِّزات، مما يعيده إلى نقطة البداية. فإضافة إلى عمله على العلاج الضوئي الديناميكي، يعمل الباحث على تطوير جزيئات Pcs معدَّلة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون أو تنقية المياه، وهو بصدد بدء التعاون مع مختبر في جامعة دورهام Durham University بالمملكة المتحدة لتطوير الثنائيات العضوية الباعثة للضوء Light-emitting diodes.
وقال مخصيد إن “المعرفة التي نكتسبها مهمة جداً بالنسبة للكويت. يعطينا هذا البحث معلومات جديدة ويساعدنا على تطوير جزيئات مثلى بسرعة أكبر. وأعمل على بناء علاقات تعاون مع جهات خارجية وإعادة تلك المعرفة إلى الكويت”.
يأمل مخصيد أن يتطور عمله إلى إنتاج علاج فعال للسرطان وأن يصبح متاحاً للجميع. وقال: “ما لدينا الآن يمكن استخدامه كدواء في المستقبل إذا ساعدنا الممولون في العثور على الفرق البحثية المناسبة وإعداد تجارب إكلينيكية. أرغب في أن أكون جزءاً من مجال نساعد من خلاله الأشخاص على الحصول على العلاج، بل وحتى على الشفاء التام”.