عبدالله الملفي
في منتصف أكتوبر من كل عام يستذكر العالم بأسره ملايين الجياع والمشردين والمرضى في بلاد ومجتمعات عديدة من المتأثرين بنقص الغذاء أو سوء التغذية، أو الذين يواجهون مستقبلا غامضا وقاتما بسبب الجفاف أو سوء إدارة الأراضي والمياه أو تغير المناخ أو الصراعات المزمنة.
وعلى الرغم من كل التطور العلمي الذي شهده العالم في مجال استصلاح الأراضي وتحلية المياه وتنوع المبيدات، والآلات المستخدمة في الري والزراعة والحصاد، فإن المعاناة التي يواجهها ملايين الأشخاص في دول عديدة بسبب المشكلات الغذائية في استمرار، والمرضى الذين يقعون فريسة سوء التغذية وتلوث الغذاء والمياه في ارتفاع.
وفي السادس عشر من أكتوبر كل عام تطلق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) نداءات ودعوات تعم أرجاء البشرية متزامنة مع (يوم الأغذية العالمي)، تستهدف نشر الوعي بأهمية مشاركة كل فرد في مكافحة الجوع وضمان حصولنا جميعا على ما يكفي من الأغذية لنعيش حياة صحية وسليمة. وفي هذا العام سيكون احتفال المنظمة تحت شعار (فلنغير مستقبل الهجرة: نستثمر في الأمن الغذائي والتنمية الريفية)، سعيا نحو الوصول إلى عالم متحرر من الجوع والفقر. وستشمل فعاليات الاحتفال نحو 150 بلدا، تعمل المنظمة (التي تتخذ من روما مقرا لها) من خلال حكوماتها والشركات والمزارعين فيها للقضاء على الجوع والحد من انتشاره، مع تسليط الضوء على المشكلات التي تصاحب الهجرة وتداعياتها على اللاجئين.
الجياع والهجرة
إن نحو 800 مليون شخص ينامون وهم جوعى كل ليلة، أي نحو واحد من كل تسعة أشخاص. ومع أن العالم ينتج ما يكفي من الأغذية لإطعام جميع من على الأرض، فإنه لأسباب مختلفة لا يزال الناس يعانون الجوع، وفق ما تقول منظمة (فاو). وقبل عامين، التزم 193 بلدا بأهداف التنمية المستدامة لمساعدة العالم على خلق عالم أفضل للجميع والقضاء على الجوع بحلول عام 2030. لكن قادة العالم لا يستطيعون القيام بذلك بمفردهم. إن تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر هو مسؤولية الجميع، أي من المزارعين إلى الشركات، ومن المدارس إلى الجامعات، ومن المنظمات الدولية إلى كل فرد.
وتقول المنظمة إن شخصا من كل سبعة أشخاص على سطح الأرض كان مهاجرا في عام 2015! وفي السنوات القليلة الماضية، كانت هناك زيادة كبيرة في عدد الأشخاص الذين يهاجرون حول العالم. ومعظم المهاجرين هم من صغار السن إلى حد بعيد – تراوح أعمار ثلثهم تقريبا بين 15 و34 سنة.
وثمة أسئلة تطرح بهذا الصدد منها: لماذا يهاجر الناس اليوم ؟ وما الذي يمكننا القيام به لمنحهم خيار البقاء في أوطانهم، إذا كان ذلك آمنا؟ وتسعى المنظمة إلى الإجابة عن ذلك من خلال كتاب خاص بعنوان (أنشطة يوم الأغذية العالمي 2017)، مبينة فيه الكيفية التي تساعد بها المنظمة على منح الناس المزيد من الخيارات للبقاء في أوطانهم، عندما يكون ذلك آمنا، وكيفية تحقيق الهدف العالمي المتمثل في تحقيق القضاء على الجوع بالهجرة.
وتشكل الهجرة تحديا حاليا؛ لأن الناس يصلون إلى بلدان أو بلدات في مجموعات ضخمة، وغالبا ما يلتمسون الحماية. ويصل العديد من المهاجرين الدوليين إلى البلدان النامية التي لديها قدر أقل من الأموال والأغذية وفرص العمل والموارد الطبيعية لتقاسمها مع القادمين الجدد. والحاجة إلى تقاسم هذه الموارد بين عدد أكبر من الناس يمكن أن تخلق أحيانا مشكلات أو توترات. كما تعاني المجتمعات الريفية من فقدان العمال الشباب الذين يهاجرون، مما يعني في الغالب أن الأغذية المنتجة أو المتاحة ستكون أقل. وهناك تحديات مماثلة تواجه الهجرة الداخلية. وغالبا ما تكون الهجرة هي الخيار الوحيد لتحسين حياة الناس عندما يواجهون الفقر والجوع، وقلة الوظائف، وغياب الدعم من جانب الحكومة، وقلة الموارد الطبيعية (مثل المياه أو التربة الصحية)، أو آثار تغير المناخ.
الجوع والفقر
تظهر الأرقام أن هناك نحو 1.2 بليون فقير في العالم، وأن معظم الجوعى البالغ عددهم 800 مليون نسمة يعيشون في المناطق الريفية. وترى المنظمة أن هؤلاء الفقراء عندما يدركون أنهم لا يستطيعون شراء أو زراعة ما يكفي من الأغذية لأنفسهم وأسرهم يسعون إلى الانتقال إلى البلدات أو المدن بحثا عن حياة أفضل، على أمل العثور على عمل حتى يتمكنوا من إرسال الأموال إلى ديارهم لإطعام أسرهم. ويبقى بعض السكان في المناطق الريفية لأنهم مزارعون ويعملون في أراضيهم، لكنهم بالكاد يستطيعون زراعة ما يكفي من الأغذية لإطعام أنفسهم وأسرهم، وهم لا يزرعون ما فيه الكفاية لبيعه في الأسواق. وربما لا يتمكنون حتى من الوصول إلى المصارف لكي يحصلوا على قرض لبدء نشاط جديد يمكن أن يجلب المال لأسرهم. وينطبق هذا بصفة خاصة على النساء والشباب. وقد يزرع آخرون ما يكفي من الأغذية للبيع، لكن ليس لديهم سوق قريب، أو لا يمكنهم الوصول إلى الأسواق بسهولة، بحيث يذهب هذا الفائض هدرا. والكثير من المزارعين لا يملكون أي أموال مدخرة لحالات الطوارئ، ولا تستطيع حكوماتهم مساعدتهم، فإذا حدث أي طارئ (مثل فشل المحاصيل، أو الجفاف، أو نفوق الماشية)، فمن المرجح أنهم سيبيتون جائعين وهم يشعرون أنه لا خيار لهم سوى ترك أراضيهم بحثا عن الطعام أو العمل.
وهنا، تعمل منظمة (فاو) على ضمان خيار بقاء الناس في أوطانهم، إذا كان ذلك آمنا، وذلك بانتشالهم من دائرة الجوع والفقر, عبر توفير أدوات مناسبة للمزارعين وتعليمهم كيفية إنتاج المزيد من الأغذية لبيعها في الأسواق، وتعليم الأطفال والشباب في المناطق الريفية أساليب الزراعة، إضافة إلى إصلاح أو بناء الطرق التي تؤدي إلى الأسواق حتى يتمكن المزارعون من الوصول إليها لبيع منتجاتهم الفائضة. وثمة طريقة أخرى تساعد بها المنظمة السكان في المناطق الريفية، وهي تشجيع البلدان على إشراك المزيد من الشباب في العمل الزراعي من خلال توفير التدريب والحصول على المال لمساعدتهم على بدء نشاطات ريفية مربحة أخرى. وتشمل هذه النشاطات حدائق الخضراوات، وتجهيز وتغليف الأغذية مثل المربيات، أو تربية الدجاج، أو إنتاج وبيع المنسوجات التقليدية. وتعمل المنظمة على ضمان حصول أولئك الذين يهاجرون على المعرفة المتعلقة بالفرص وحقوقهم كمهاجرين وعاملين في البلدان المضيفة لهم، وعلى استخدام الأموال التي يكسبونها في الخارج لدعم مجتمعاتهم الأصلية.
تغير المناخ والصراع
يؤثر تغير المناخ على صحة الأرض والكائنات الحية فيها، وذلك جزئيا عن طريق التسبب في المزيد من الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرفة. عندما تحدث كارثة طبيعية، غالبا ما يضطر السكان إلى مغادرة ديارهم إلى مناطق وبلدات أو مدن أخرى؟ وفي عام 2015 ، انتقل أكثر من 19 مليون شخص من مناطقهم بعد كوارث طبيعية فيها. ومعظم هؤلاء كانوا مزارعين، وصيادي أسماك، ورعاة. يمكن لتغير المناخ أن يحول التربة الصحية إلى تربة غير صحية وجافة وغير خصبة، مما يعني أن السكان لا يعود بإمكانهم العمل، وتصبح كمية الأغذية المنتجة أقل. وهذا يعني أن الأشخاص الذين كانوا يعملون في الأراضي هم أكثر عرضة للفقر والجوع لأنهم لا يستطيعون إنتاج الأغذية لاستهلاكها أو بيعها.
وأدت الصراعات التي تشهدها مناطق عدة إلى اضطرار أكثر من 65 مليون شخص على مغادرة ديارهم في عام 2015، وهذا الأمر مازال مستمرا. وثمة عدد كبير منهم من المزارعين وصيادي الأسماك ومربي الماشية. ويعيش معظم هؤلاء الأشخاص مشردين داخل بلادهم في مناطق آمنة أو لاجئين في بلدان أخرى. وهذا تحد للبلدان النامية التي قد تكافح لدعم سكانها. وفي هذه الحال تسعى (فاو) إلى مساعدة البلدان والمجتمعات المضيفة للاجئين، والأشخاص الذين يفرون من الصراع، وأولئك الباقين في مناطق الصراع. وتدعم المنظمة بهذا الصدد المزارعين على النهوض في إنتاج الأغذية بعد انتهاء الصراع، وتوفير بذور المحاصيل مثل الخضراوات المغذية والسريعة النمو، والثروة الحيوانية. وتساعد المشردين داخليا أو اللاجئين خارجيا على بدء الأنشطة الريفية وكسب المال، والاستقرار في أوطانهم الجديدة، وتقديم الدعم للمجتمعات التي تستضيف مجموعات جديدة من الناس.
الهجرة والتنمية المستدامة
ترى منظمة (فاو) إن الهجرة يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة إذا سعت الحكومات إلى إدارة الهجرة على نحو أفضل، ووقف الصراعات ومنعها، وبهذا تتمكن من تحقيق النمو الاقتصادي المنشود. إن الهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية يمكن أن تسهم في التنمية إذا كان المهاجرون قادرين على إيجاد وظيفة، أو تعلم اللغة المحلية، أو تلقي التدريب للحصول على مهارات جديدة. كما يمكن للمهاجرين أن يسهموا في نمو بلدهم الأصلي عن طريق إرسال الأموال إلى أسرهم، مما يمكن من تحسين الأمن الغذائي وحياة السكان الريفيين. وإذا تمكن المهاجرون من العودة إلى وطنهم عندما ينتهي الصراع، فقد يجلبون معهم إلى مجتمعهم مهارات جديدة تعلموها عندما كانوا في الخارج. إضافة إلى ذلك، فإن معالجة الأسباب الجذرية للهجرة – تغير المناخ والفقر والجوع والصراع – تساعد على بلوغ الهدف النهائي: القضاء على الجوع.