د.وفاء محمد مصطفى سالم
لطالما كان هناك تخوف من المجتمعات من الآثار البيئية التي ستنجم عن تشغيل محطات الطاقة النووية، واستخدامها عبر السنين، سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي، لاسيما بعد أن شهدت بعض الدول تجارب مأساوية ما زالت تداعياتها ماثلة للعيان.
لكن العلماء يرون أن بناء هذه المحطات وتشغيلها يمر بمراحل عدة تتضمن أمورا كثيرة، أهمها تقييم الآثار البيئية من جميع جوانبها، لتكون تلك المحطات آمنة، وتراعي جميع العوامل المعنية بالسلامة والحفاظ على البيئة وصون مواردها.
ومن المعروف أن مصدر الحرارة في المحطات النووية هو المفاعل النووي، كما هو الحال في جميع محطات الطاقة الحرارية التقليدية التي يتم فيها استخدام الحرارة لتوليد البخار الذي يقود التوربينات (العنفات) البخارية المتصلة بمولد كهربائي يتم بواسطته إنتاج الكهرباء. وتاريخيا، تم توليد الكهرباء بواسطة مفاعل نووي للمرة الأولى في 3 سبتمبر 1948 في تينيسي بالولايات المتحدة. وفي 27 يونيو 1954 تم إنشاء محطة الطاقة النووية الأولى في العالم وهي (أوبنينسك) بالاتحاد السوفييتي لتوليد الكهرباء.
وهناك دائما حاجة لزيادة القدرة السنوية لتوليد الكهرباء في دول عديدة . والجمع بين تزايد الضغوط الديموغرافية ، والتحضر ، والنمو الاقتصادي المستدام بتوافر الطاقة الكهربائية، إضافة إلى التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ، يستدعي إيجاد حلول مثالية لتوليد الطاقة. وتعتبر الطاقة النووية من أفضل الخيارات الحالية؛ لأنها توفر الاستقرار والقدرة على التنبؤ بأسعار الكهرباء دون انبعاثات غازية في الغلاف الجوي. ومن ثم ، فإن خطة بناء وتطوير محطات للطاقة النووية تعد عنصراً أساسياً في الحفاظ على النمو الاقتصادي المستقبلي للبلاد ، إضافة إلى تنويع طاقتها والحد من انبعاثات الغازات الضارة .
ويجب أن تلتزم الجهات المنفذة للمشروعات النووية بتقديم تقارير توضيحية لبيان الغرض من المشروع و فوائده والأهداف الرئيسية الأخرى للمرفق، والكيفية التي ستتأثر أو تؤثر بها هذه الأهداف في عمليات التشغيل للمحطة النووية، وهنا يأتي دور تقارير تقييم الآثار البيئية التي تُقدَّم قبل بناء المحطات النووية.
طبيعة تقارير الآثار البيئية
يعرف تقرير تقييم الآثار البيئية بأنه عملية لتحديد وتقييم جميع الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية لمحطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء لدراسة آثار المشروع على البيئة والبشر، إضافة إلى المعلومات المهمة والضرورية لإصدار رخصة التشغيل. وهذه العملية مهمة جدا لزيادة التفاعل بين مرحلة تطور المشروع والدولة المنفذة له، ﺣﻴﺚ ﻳﺘﻢ ﺗﺴﻠﻴﻂ اﻟﻀﻮء ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻀﺎﻳﺎ اﻟﺒﻴﺌﻴﺔ وﻣﻨﺎﻗﺸﺘﻬﺎ وﺣﻠﻬﺎ. وفي هذا السياق يقدم تقرير تقييم التأثير البيئي تحليلا للعملية بطريقة شاملة، يوضح فيه الظروف البيئية والسكان المحيطين بالمحطة ، وتحليل ما إذا كانت التأثيرات كبيرة أو قليلة. فإذا كانت الآثار كبيرة يتم دراسة كيفية معالجة الآثار الضارة وخطة الرصد المصممة لتتبع التأثيرات الفعلية خلال تطوير المشروع وتشغيله. ويتضمن التقييم أيضا المراقبة البيئية لتدابير التخفيف اللازمة عند رصد أي تجاوزات غير متوقعة.
إن تقرير تقييم التأثير البيئي للمشروع يمثل وصفا شاملا للبيئة حوله، مما يستوجب من صناع القرار التعامل مع التقرير بمنتهى الشفافية لدراسة تداعيات المشروع. والتقرير هو وثيقة مصاحبة لتقرير تحليل السلامة الأولي (PSAR-Primary Safety analysis Report) الذي يتناول جوانب السلامة في الموقع للمشروع المقترح. ويتم جمع البيانات الخاصة ببرنامج الرصد البيئي في مرحلة التصريح ، باستخدام التوصيات المقدمة في تقرير تقييم التأثير البيئي إذا تمت الموافقة على خطة المراقبة و المتابعة والرصد من السلطات المختصة، إما بشكل منفصل أو كجزء من الوثيقة المتفق عليها. وتعد خطة الإدارة البيئية وثيقة شاملة لجميع المتطلبات اللازمة للحفاظ على البيئة، بما في ذلك المراقبة والإبلاغ وتدابير التخفيف والعمليات لتنفيذ الإجراءات الصحيحة. وربما لا تطلب بعض الدول مثل هذه الوثيقة المجمعة وقد تطلب بدلا من ذلك خططاً أخرى محددة.
أمور بيئية
إن أهم الأمور البيئية التي تؤخذ في الاعتبارعند تطبيق برنامج الطاقة النووية هي:
> السلامة النووية، والموقع والمرافق الخاصة به، والدعم المالي والتمويل ، وخطط الطوارئ،و دورة الوقود النووي والنفايات المشعة. وهذه تفاصيل تلك الأمور:
> السلامة النووية
يجب ملاحظة العلاقة بين ما يسمى تقرير ( SAR) وتقرير تقييم التأثير البيئي. إن تقرير (SAR) هو عرض تفصيلي لسلامة محطة الطاقة النووية تراجعه وتقيمه الهيئة التنظيمية وفقًا لإجراءات محددة، ويحتوي على معلومات دقيقة حول المشروع وظروف تشغيله. على سبيل المثال: متطلبات السلامة، وأساس التصميم، وخصائص الموقع ، وتحليلات السلامة، بطريقة تستطيع معها الهيئة التنظيمية تقييم سلامة المشروع بشكل مستقل.
> تحديد المواقع
هناك علاقة واضحة بين حماية البيئة وعملية اختيار موقع محطة الطاقة النووية. وتتأثر هذه العملية بالاعتبارات البيئية المحددة للمناطق أو المواقع ذات الأهمية. و توفر سلسلة الطاقة النووية التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية مزيدًا من الإرشادات حول التأثيرات البيئية غير الإشعاعية المحتملة على الموقع.
ويتم تحديد أي موقع بعد دراسات مستفيضة قد تستغرق بضع سنوات لتحديد أنسب المواقع لبناء المحطة. ويتضمن ذلك على سبيل المثال :
< تقييم الظروف الزلزالية والجيولوجية في المنطقة والجوانب الجيولوجية.
< تقييم و توثيق الظواهر الجوية لفترة زمنية مناسبة، مثل الرياح والأمطار والثلوج ودرجات الحرارة والعواصف،إضافة الى تقييم ورصد الأحداث النادرة مثل الأعاصير.
< جمع بيانات عن الفيضانات الناجمة عن هطول الأمطار.
< موجات المياه الناجمة عن الزلازل أو غيرها من الظواهر الجيولوجية، وتسييل التربة الموجودة تحت سطح الأرض في الموقع المقترح.
< تقييم الموقع ومحيطه لتحديد احتمال عدم استقرار المنحدرات (مثل الانهيارات الأرضية والصخرية والجليدية).
< الأحداث البشرية الخارجية مثل احتمال الانفجارات الناتجة عن نقل المواد الكيميائية أو التعامل معها، أو حوادث تصادم الطائرات.
< تشتت المواد المشعة في الهواء و المياه السطحية والجوفية.
< مراقبة التوزيع السكاني بصفة مستمرة.
> الدعم المالي والتمويل
تؤثر متطلبات حماية البيئة في اختيار التكنولوجيا والتصميم. وتطلب العديد من المؤسسات المالية الانتهاء من تقييم التأثير البيئي كشرط أساسي لترتيب التمويل المالي للمشروع.
> خطط الطوارئ
على الرغم من أن خطط الطوارئ تغطى في بعض الدول، فإن الأمر قد يتطلب استخدام بعض البيانات فى تقييم التأثيرات البيئية لوضع برنامج فعال للاستجابة لحالات الطوارئ. وتسمح هذه البيانات بتحديد مسارات التلوث في حالة وقوع حوادث حتى يمكن تحسين أنظمة وإجراءات التبليغ عن حالات الطوارئ. ويتم فحص العلاقة بين المراقبة البيئية وحالات الطوارئ بمزيد من التفصيل في سلسلة معايير السلامة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية لأغراض الحماية من الإشعاع.
> دورة الوقود النووي والنفايات المشعة
قد يتطلب برنامج الطاقة النووية النظر في الجوانب البيئية للتعدين ، والإثراء ، وتصنيع الوقود ، وإعادة المعالجة والتخلص كجزء من عملية الحماية البيئية الشاملة. تقع بعض هذه الخطوات خارج الدولة، ومن ثم يجب على الوكالات التنظيمية تقديم إرشادات حول مستوى الإجراءات المطلوبة لمعالجة ذلك في عملية تقييم التأثير البيئي الشاملة.
خبرات ضرورية
إن تقييم الأثر البيئي هو تحليل معقد وشامل ، ومن ثم فهو يتضمن قدرا كبيرا من المعرفة والمهارات لتفسير البيانات. ومن أجل مراجعة تقرير تقييم الأثر البيئي بفعالية ، يتعين على السلطة المختصة إما تطوير قدرتها في هذه المجالات أو الاستفادة من خبرات المنظمات الأخرى ذات الصلة. >