جائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب

ما وراءَ الأنظمة الغذائية: حلول جزيئية للاضطرابات الأيضية

استكشاف كيف يمكن للدهون النشطة بيولوجياً إحداثُ ثورة في الصحة والنظام الغذائي

إذا نجحت أبحاث فاطمة الراشد كما تأمُل، فقد يجعلها ذلك تحظى بشعبية كبيرة بين كثير من الناس. وبصفتها عالمةً متخصصة في علم المناعة والميكروبيولوجيا (علم الأحياء الدقيقة)، تدرس الراشد كيف تتفاعل الدهون التي نتناولها في الطعام مع خلايا أجسامنا ــ وكيف يمكنها منع حدوث بعض هذه التفاعلات. وقد يؤدي هذا إلى علاجات تساعد على تجنب الاضطرابات الأيضية مثل داء السكري. ولكن من المحتمل أيضاً أن يحول دون اكتساب الناس الوزنَ عندما يتناولون الأطعمة الدهنية. وتقول الراشد: “لن نحتاج بعد الآن إلى نصح الناس بتجنب الدهون في أنظمتهم الغذائية، وقد نتوقف عن مطالبة منتجي الأغذية بعدم وضع الدهون في منتجاتهم”. وقد يساعد بحثُها الناسَ حتى في جني بعض فوائد التمارين الرياضية من دون الحاجة إلى الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية.

تُركز أبحاث الراشد على ما يسمى بالدهون النشطة بيولوجياً. وأوضحت قائلة: “يعتقد كثير من الناس أن الدهون هي مجرد دهون البطن غير المرغوب فيها. ولكن من وجهة النظر العلمية، فإن الدهون هي أي شيء لا يذوب في الماء”. في نظام قائم على الماء مثل جسم الإنسان، تؤدي الدهون أدواراً مهمة، على سبيل المثال كجزيئات مرسال. يمكن للأحماض الدهنية التي تدرسها الراشد أن تُدخل نفسها في الآليات التنظيمية للخلايا، مثلا، عن طريق تشغيل أو إيقاف وظائف مهمة مثل الالتهاب. لم يكن أيٌّ من هذا “سيئاً”، كما قالت الراشد. “يصبح الأمر سيئاً فقط عندما يحدث كثيراً وفي فترات طويلة. عندما تخرج الأمور عن السيطرة”.

درست الراشد علمَ المناعة والميكروبيولوجيا الطبية في جامعة ليدز في المملكة المتحدة، ثم العلوم الطبية الحيوية في جامعة غلاسكو وجامعة نوتنغهام، وكلتاهما أيضاً في المملكة المتحدة. وهي الآن باحثة في قسم المناعة والأجسام الدقيقة في معهد دسمان للسكري في الكويت، وقد فازت الراشد بالفعل بعديد من الجوائز المرموقة مثل جائزة لوريال-اليونسكو للنساء في العلوم في العام 2017، وجائزة الباحث الواعد في معهد دسمان للسكري في العام 2019 وجائزة الإنجاز للشباب المبتكِر في المنتدى الكويتي الرابع لإنجازات الشباب في العام 2022. وقد كُرِّمت هذا العام بجائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب.

وتهتم الراشد بنحو خاص بمادة تُسمى حمض البالمتيك. وتقول: “يُعرف هذا الحمض أيضاً باسم زيت النخيل، ويُضاف إلى كثير من الأطعمة المصنَّعة. وهو يمنح الطعام ثباتاً وطعماً وبنية لطيفة. ولكنه مضرٌّ بصحتنا بوجه عام”. ويرجع هذا في كثير من النواحي إلى كيفية تفاعل زيت النخيل مع بروتين في أجسامنا يسمى مستقبلات دلتا المنشطة لمتكاثر البيروكسيسوم، أو اختصاراً البروتين PPARdelta . ينظم البروتين PPARdelta جوانب أساسية من عملية التمثيل الغذائي (الأيض) لدينا – كيف تستخدم الخلايا في أجسامنا الدهون والسكريات للحصول على الطاقة. لكن البروتين PPARdelta يؤثر أيضاً في سلوك الخلايا المناعية مثل الخلايا البلعمية. وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي يمكنها حبس وقتل الكائنات الحية الدقيقة الغريبة في الجسم. كما تتخلص الخلايا البلعمية من الخلايا الميتة وتُزيلها، مما يحد من الالتهاب.

يعمل حمض البالمتيك على البروتين PPARdelta مثل مفتاح المحرك، فيضطلع بتشغيله. وبهذا يحفز البروتين PPARdelta الخلايا البلعمية على امتصاص جزيئات الدهون من مجرى الدم. وفي هذه العملية تصبح أجسام الخلايا البلعمية محمَّلة بالدهون إلى الحد الذي يجعلها تبدو “رغوية” تحت المجهر. “يؤدي تكوين الرغوة إلى عدم قدرة الخلايا البلعمية على العمل كما ينبغي. فلنفترض أن هناك سماً في الجسم. يجب أن تعمل الخلايا البلعمية على التخلص منه. ولكن بسبب كل هذه الدهون الموجودة فيها، فإنها لا تؤدي هذه المهمة”، كما تقول الراشد. ومع عدم عمل الخلايا البلعمية بنحو صحيح، يتزايد الالتهاب في الجسم، مما يزيد من خطر إصابة الشخص بمرض السكري وغيره من الاضطرابات الأيضية.

وقد درست الراشد وزملاؤها المسارَ الدقيق الذي يعمل به حمض البالمتيك على البروتين PPARdelta واكتشفوا أنهم قادرون على منع تنشيط البروتين بطرق مستهدفة للغاية – مع عديد من النتائج المثيرة للاهتمام. ومن ناحية أخرى قالت الراشد: “لقد وجدنا أن حصر البروتين PPARdelta أن يجعل الخلايا البلعمية تعمل بنحو طبيعي مرة أخرى”، وهذا يقلل من الالتهابات والمخاطر الناجمة عنها على الجسم.

وإضافةً إلى ذلك، وجدت الراشد وفريقها أنه من خلال منع تنشيط البروتين PPARdelta، يمكنهم أيضاً منع خلايا أخرى – مثلاً، تلك الموجودة في الأمعاء – من امتصاص الدهون. وقالت: “نحن نعمل حالياً على تطوير دواء يمكنه الاضطلاع بذلك”. وهذا يعني، في الواقع، أنه “يمكنك الاستمتاع بكل ما تريد تناولَه، ولكن من دون أن تكتسب وزناً حقاً”، وفقاً لما قالت الراشد. ولأن البروتين PPARdelta يؤدي دوراً مهماً في عملية التمثيل الغذائي لدى الإنسان، فإن الجزء الصعب هنا هو ضمان حصره بطرق محددة فقط. وتقول الراشد إن عديداً من أدوية البروتين PPARdelta المحتملة فشلت لأنها اعترضت البروتين على نطاق واسع جداً. وتابعت قائلة: “وبعد ذلك قد تحدث عديد من المضاعفات”.

وبفضل فهمهم التفصيلي للمسار الذي تتفاعل فيه الأحماض الدهنية مع البروتين PPARdelta، تمكنت الراشد وزملاؤها من اكتشاف كيفية السماح للبروتين PPARdelta بأن ينشط في أنسجة محددة فقط مثل العضلات. وقد أدى هذا إلى تطبيق محتمَل ثالث لعملهم: مكمل غذائي يمكن أن يحفز خلايا العضلات ليس على امتصاص الدهون أو رفضها في هذه الحالة، بل على حرق مزيد من الغلوكوز، مما يؤدي إلى توليد الطاقة. وقد يكون هذا الأمر ذا أهمية خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين هم في طريقهم إلى الإصابة بمرض السكري. وعادة ما يعني هذا أن أجسامهم بدأت في حرق كمية أقل من الغلوكوز، مما يسمح لهذا السكر بالتراكم في الدم. وتقول الراشد: “إذا كان في وسعك تناوُل مكمل غذائي يجعل العضلات تلتقط مزيداً من الغلوكوز، فسوف يفيد ذلك الأشخاصَ المصابين بمرض السكري بقدر كبير”. وسيكون التأثير مماثلاً لبناء مزيد من العضلات بواسطة ممارسة الرياضة – وهو أمر يُشجَّع عليه مرضى السكري. وتقول الراشد: “لا ننصحك بتجنُّب الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، ولكن مع هذا المكمل الغذائي يمكنك ممارسةُ الرياضة بتناول حبة لا تتطلب منك الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى