فيروس كورونا المستجد كيف نشأ، وكيف سينتهي؟
حتى الآن لا يوجد علاج أو لقاح خاص ضد فيروس كوفيد-19، لكن علاج المرضى يتم باستخدام علاجات داعمة أو علاجات معتمدة ثبتت نجاعتها ضد عدد من الفيروسات الأخرى.
د. عبدالله القيسي
باحث في علم الفيروسات،(السعودية)
مضى أكثر من شهرين على الإعلان عن اكتشاف أولى الحالات المصابة بفيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19COVID-19 في مدينة ووهان الصينية. وخلال هذه المدة انتشر الفيروس بسرعة هائلة ليصل إلى أكثر من 95 دولة، وتسبب في إصابة أكثر من مئة ألف شخص، ووفاة أكثر من 3500 آخرين معظمهم في الصين. ولم تتوقف أضرار ذلك الفيروس عند هذا العدد الكبير من الإصابات والوفيات، بل كانت له آثار سلبية على معظم مجالات الحياة. فما هو هذا الفيروس؟ وكيف ظَهر؟ ولماذا بدأنا نلاحظ ظهور فيروسات جديدة في السنوات الأخيرة مسببة أوبئة عالمية؟ وهل سيتم احتواء الفيروس في النهاية، وكيف؟
فيروسات كورونا
ينتمي فيروس كورونا الجديد الذي اصطلح على تسميته علمياً (فيروس كورونا سارس2)، وعلى المرض الذي يسببه (مرض كوفيد-19)، إلى عائلة فيروسات كورونا (الفيروسات التاجية)، وهي عائلة كبيرة جداً من الفيروسات التي تصيب عددا كبيرا من الحيوانات.
وسميت هذه الفيروسات بذلك نظراً لشكلها الخارجي الذي يرى بالمجهر الإلكتروني على شكل تاج (كلمة تاج تعني كورونا باللاتينية). وكان يُعرف عن هذه الفيروسات أنها تسبب عدوى بسيطة جداً (ما يعرف بنزلات البرد العادية) عندما تصيب الإنسان. وفيروسات كورونا المعروفة حتى الآن، التي تُسبب عدوى طفيفة في الإنسان، هي أربعة فيروسات: HCoV-229, HCoV-NL63, HCoV-HKU1, HCoV-OC43. بيد أن عام 2002 شهد تغيرا في النظرة إلى هذه الفيروسات؛ حين ظهر في الصين فيروس جديد من هذه العائلة يستطيع إصابة الإنسان وإحداث عدوى تنفسية حادة لديه تتطور إلى الوفاة لدى نحو 10% من المصابين. سمي ذلك الفيروس فيروسَ متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (أو اختصاراً فيروس سارس SARS-CoV).
وغير ظهور فيروس سارس نظرة العلماء والأطباء إلى هذه العائلة، فازدادت الأبحاث عليها لفهمها ومعرفة سبب نشأتها وظهورها المفاجئ. كان أبرز ما توصل إليه العلماء هو أن فيروس سارس ظهر أصلاً من أحد أنواع حيوان الخفاش، وانتقل إلى عائل وسيط هو أحد أنواع القطط البرية في الصين يسمى قططَ الزباد، كانت تباع في أسواق الحيوانات جنوب الصين، ومنها إلى البشر. اتخذت الصين إجراءات مشددة حينذاك لمنع بيع هذه الحيوانات، وهو ما كان له أثر كبير في السيطرة على المرض والحد من انتشاره، لكن ذلك جرى بعد أن انتشر المرض في أكثر من 26 دولة وتسبب في إصابة أكثر من 8000 شخص في العالم، توفي منهم نحو 800.
فيروس مرس
بعد عشر سنوات منذ ظهور فيروس سارس في الصين، وبالتحديد في عام 2012، ظهر نوع جديد من فيروسات كورونا في البشر، وهو فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (أو اختصاراً فيروس مِرس MERS-CoV). وكما حدث في فيروس كورونا سارس فقد وجد العلماء أن العائل الطبيعي لفيروس كورونا مرس كان الخفاش، وكانت الجِمال هي العائل الوسيط. مازال فيروس كورونا مرس منتشرا في السعودية وبعض دول الخليج لكنه لا يشكل تهديداً كبيرا. وسجل نحو 2500 حالة منذ ظهور الفيروس توفي منهم نحو 850 شخصا.
وفي ديسمبر من عام 2019، ظهر فيروس كورونا المستجد (أو فيروس سارس2 SARS-CoV2-بحكم تشابه تركيبه الجيني مع فيروس سارس الذي ظهر في عام 2002) ليكون سابع أنواع فيروسات كورونا المُكتشفة في البشر حتى الآن.
النشأة والانتشار
في 31 ديسمبر عام 2019 لاحظت السلطات الصحية في مدينة ووهان الصينية تزايد حالات الالتهاب الرئوي الحاد مجهولة السبب بين عدد من الأشخاص. وبعد بضعة أيام تمكن العلماء والأطباء الصينيون من معرفة السبب وراء هذه الحالات؛ وهو نوع جديد من فيروسات كورونا. كان هناك عدد من الحالات الأولى التي أعلنت في مدينة ووهان قد زاروا سوقا محليا للحيوانات البحرية والبرية الحية قبل إصابتهم، وهو ما أثار الشكوك بأن الفيروس انتقل لهم من أحد الحيوانات التي تباع في السوق. وكان التحليل الجيني للفيروس قد أظهر تطابقا كبيرا بين الفيروس الجديد وأحد فيروسات كورونا المعزولة من الخفافيش في الصين، وهو ما جعل العلماء يستنتجون أن الخفافيش هي مصدر الفيروس الأساسي (العائل الطبيعي)، وأن سيناريو ظهور الفيروس في البشر قد يكون مشابها لظهور فيروسات كورونا السابقة (فيروسي سارس ومرس)؛ أي إن الفيروس انتقل من الخفافيش إلى حيوان وسيط لم يعرف حتى الآن ومن ثم إلى البشر. مازالت الأبحاث جارية للتعرف على نوع الحيوان أو الحيوانات التي تنقل الفيروس إلى البشر.
عند وصول العدوى إلى الإنسان، فإن الفيروس يدخل عن طريق الجهاز التنفسي إلى الرئتين فيستهدف أحد أنواع خلايا الرئة. وجد العلماء أن الفيروس يرتبط ببروتين في الخلية يسمى بروتين ACE2. وتبين أن ارتباط فيروس كورونا المستجد بالمستقبل الخلوي يحدث بكفاءة عالية جداً، وهو ما قد يفسر جزئيا قدرة الفيروس على الانتشار بسرعة بين البشر. هذا الارتباط يمكن الفيروس من الدخول إلى الخلية وبدء التكاثر والانتشار إلى خلايا أخرى مسببا تدمير خلايا الرئة. في هذه الأثناء تظهر أعراض المرض ومنها ارتفاع درجة الحرارة، والتهاب الحلق، وسعال وضيق في التنفس. وتتطور بعض الحالات إلى فشل في الجهاز التنفسي وتنتهى بالوفاة. ينتقل الفيروس من شخص إلى آخر عن طريق الاتصال المباشر بالرذاذ الصادر عن شخص مصاب عند العطس أو السعال، أو عند ملامسة الأسطح الملوثة بالفيروس.
إن ظهور فيروسات جديدة لدى البشر ظاهرة طبيعية ويتوقع استمرارها؛ نظراً لما أظهرته الأبحاث من وجود فيروسات في حيوانات برية تمتلك قدرة على التحور وربما الانتقال إلى البشر يوماً ما. لذا على الرغم من أن النظريات التي تدعي أن فيروس كورونا الجديد هو عمل بيولوجي معاد أو أن الفيروس رُكِّب في المختبرات ونُشر بين الناس هي نظرياً ممكنة، فإن كل الأبحاث العلمية تدعم فكرة مفادها أن الفاشيات الفيروسية ومنها فيروس كورونا المستجد حدثت طبيعياً.
احتواء الخطر
مع ما يشهده العالم حالياً من تزايد انتشار الفيروس، فإن الوسيلة الممكنة للحد من انتشاره وتقليل آثاره هي تطبيق أقصى معايير وشروط الصحة العامة، وذلك يشمل تطبيق حظر السفر وعزل المدن التي ينتشر فيها الفيروس مجتمعيا بنسبة عالية، والتعرف على الحالات المصابة مبكراً، ومن ثم تطبيق العزل عليها وتقديم العلاج اللازم لها، وكذلك تتبع المخالطين للحالات المؤكدة بشكل سريع وحجرهم صحياً إلى حين التأكد من عدم إصابتهم. ومن الشروط أيضا إيقاف المناسبات التي يكون فيها تجمعات كبيرة.
وعلى مستوى الفرد، يجب الالتزام بالنظافة الشخصية وأهمها غسل اليدين بانتظام بالطريقة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية، وتجنب التجمعات والسفر إلا للضرورة. وفي حال ظهور أعراض تنفسية على الشخص أو عند الاشتباه بمخالطة أحد المصابين، يجب عليه الالتزام بعدم الخروج من المنزل وعدم الاختلاط مع من حوله، وتطبيق ممارسات صحية مثالية أثناء العطس أو السعال حتى يتجنب نشر العدوى لمن حوله.
إن من شأن تطبيق مثل هذه التدابير على مستوى المجتمع والفرد الحد من انتشار الفيروس، وهذا ما بدأنا نشاهده في الصين التي طبقت قوانين صحية صارمة أدت إلى تناقص عدد الحالات والوفيات. ويرى العلماء أن هذه التدابير الصارمة الصحية هي الطريقة الوحيدة حالياً للحد من انتشار الفيروس إلى حين توفر اللقاح المناسب.
العلاجات واللقاحات
حتى الآن لا يوجد علاج أو لقاح خاص ضد فيروس كوفيد-19، لكن علاج المرضى يتم باستخدام علاجات داعمة أو علاجات معتمدة ثبتت نجاعتها ضد عدد من الفيروسات الأخرى. وهناك عدد من الأدوية الواعدة تحت التجربة، منها دواء ريمديسفير(Remdesvir) الذي يجرب حاليا على مرضى فيروس كورونا في الصين. وهناك نحو 40 لقاحا في مراحل مختلفة من مراحل التطوير، لكن ربما يستمر ذلك على الأقل سنة كاملة، وعند توفره ستكون الأولوية لاستخدامه للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة وهم الأطباء والممرضون والعاملون الصحيون الآخرون في المستشفيات، ثم كبار السن والأشخاص المصابون بأمراض مزمنة أخرى.