د. موسى الخلف
رئيس المختبر المركزي للبحوث، مركز العلوم الطبية، كلية الطب، جامعة الكويت
يعتبر مرض السمنة وداء السكري من النوع الثاني من عوامل الخطر المؤدية إلى الوفاة في جميع أنحاء العالم، ويمثلان عبئا اقتصاديا كبيرا؛ نظرًا إلى ارتفاع معدل حدوثهما بصورة مستمرة، إضافة إلى ارتفاع التكلفة المتوقعة لعلاجهما إلى نحو 48 بليون دولار سنويًا بحلول عام 2030. وتمثل الأمراض المصاحبة للسمنة مثل ارتفاع ضغط الدم وفرط شحميات الدم والسرطان عبئا اقتصاديا كبيرا أيضا، وتؤدي إلى تدني مستوى نوعية الحياة، مما يجعل الاضطرابات الأيضية مصدرا كبيرا للقلق للجهات المعنية بالصحة العامة. لذلك، يعد تحديد طرق جديدة للوقاية من هذه الأمراض والتشخيص والعلاج أمرًا
بالغ الأهمية.
وعلى الرغم من التقدم الكبير في فهم الآليات الجزيئية لمرض السمنة، فقد أظهرت الأدوية المضادة للسمنة المتوفرة حاليًا فعالية محدودة مع آثار جانبية شديدة على حياة المريض. لذا، فإن البحث العلمي في هذا المجال يتركز على تطوير طريقة جديدة للعلاج شرط أن تكون آمنة وبسيطة، وليس لها أعراض جانبية على المرضى.
إن تطوير نماذج حيوانية جديدة لأمراض الأيض ساهم في كشف آلية عمل العديد من الجينات والمسارات الوظيفية المسؤولة عن تطوير اضطرابات الاستقلاب. وأثبتت تلك النماذج أنها تشكل أدوات فعالة لفهم أمراض السمنة وداء السكري وبعض الأمراض الأخرى المرتبطة بها، وكذلك لتطوير طرق العلاج والمناهج الوقائية.
ثورة كريسبر
أحدثت التقنية الجديدة التي اكتشفت في السنوات الخمس الأخيرة والمسماة طريقة كريسبر/كاس9 (CRISPR-Cas9) ثورة في مجال البحوث الطبية و في مجالات تحسين نباتات وحيوانات المحاصيل، وعززت من فهمنا للعديد من العمليات البيولوجية. ومعنى كريسبر في اللغة الإنجليزية:“clusters of regularly interspaced short palindromic repeats”، أي التكرارات العنقودية المتناظرة القصيرة منتظمة التباعد. ويقصد بـِ CAS9 الإنزيم الذي يقطع الحمض النووي (الدنا) DNA ، و هو إنزيم يعمل «كمقص جزيئي» قادر على قطع حبال الحمض النووي في المكان المحدد من الجينوم. وهكذا فإن تقنية كريسبر تتعرف بشكل محدد ودقيق على الدنا المراد تغييره في الجينوم في حين يقطعه الإنزيم Cas9 في ذلك المكان. وتكمن جاذبية كريسبر/كاس9 في قدرتها على تحرير الحمض النووي بكفاءة أو تعديل تعبير الجينات في الخلايا والكائنات الحية حقيقية النواة، وهي تقنية كانت تعتبر ذات يوم مكلفة جدا أو محفوفة بالمخاطر العلمية.
وطبقت تقنية كريسبر/كاس9 بنجاح في المجال الزراعي لتطوير سلالات من النباتات المقاومة للأمراض، أو إنتاج حيوانات قادرة على إنتاج كميات كبيرة من الحليب أو اللحوم. واستخدمت التقنية أيضا لإنتاج حيوانات معدلة وراثيا بصفات جديدة لتسهل عملية تربيتها والتعامل معها (أبقار من دون قرون). وحالياً، تمت ترجمة قدرة تحرير الجينات على المجال الطبي الحيوي الذي يواجه أزمة في مجال مقاومة الميكروبات للعقاقير عن طريق استهداف الجينات التي تشارك في مقاومة المضادات الحيوية بشكل انتقائي، على سبيل المثال، أو إيجاد الاستراتيجية النهائية لعلاج سرطان فيروس نقص المناعة البشرية.
علاج واعد
في هذا الشأن، تم إثبات أن حقن كريات الدم البيضاء المعدلة من قبل كريسبر في مرضى يعانون سرطان الرئة المنتشر قد يؤدي إلى نتائج واعدة. وبينما تحيط التحديات القانونية باستخدام هذه التقنية لتعديل سلالات الخلايا وراثياً في البشر، فإننا سنتحدث عن الفهم الأساسي لها، وتوضيح الكيفية التي يمكن وفقها أن تمثل هذه التكنولوجيا أملاً لعلاج الأمراض المرتبطة بالتغذية، مثل السمنة.
استخدمت دراسة حديثة تقنية كريسبر/كاس9 لعلاج مرض السمنة وأعراض داء السكري من النوع الثاني لدى الفئران، مما يسلط الضوء على الاستخدام المحتمل لهذه التقنية لدى البشر. وطور الباحثون علاجًا جينيًا يقلل الأنسجة الدهنية على وجه التحديد ويعكس أعراض الأمراض المرتبطة بالسمنة لدى الفئران البدينة. وقال الفريق إن نتائجهم يمكن استخدامها كعلاج محتمل لمرض السكري من النوع الثاني وغيره من الحالات المرتبطة بالسمنة، بما في ذلك السكتة الدماغية وأمراض القلب والسرطان.
وللالتفاف على الآثار الجانبية للأدوية الحالية المضادة للسمنة، طور باحثون من جامعة هانيانغ في كوريا الجنوبية طريقة علاج تتمثل في إسكات جيني محدد ضد جين الاستقلاب الغذائي للأحماض الدهنية المسمى Fabp4.