بداية رحلة مدهشة
علَّمني هذا الصيفُ أن العلم يتجاوز النظريات والتجارب؛ يتعلق الأمرُ بالروح الجماعية والأشخاص الذين يجلبون هذه الأفكار إلى الحياة. عندما كنتُ طالباً في الصف العاشر، كانت زيارتي لمعرض مصادم الهادرونات الكبير التابع للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (اختصاراً: سيرن CERN) والمُقام في جامعة الكويت أكثرَ من مجرد رحلة ميدانية؛ إذ كانت بداية رحلة مدهشة. فافتتاني بتكنولوجيا الكم والفيزياء الذي ظل حتى حينذاك مجردَ اهتمام شخصي اتخذ منعطفاً غير متوقَّعٍ في الربيع الماضي. وقد قادني هذا التحوُّل إلى فرصة غيرت حياتي – عندما قدَّمتُ طلبَ الالتحاق بالدورة الصيفية في سيرن، حيث ستتاح لي فرصةُ المساهمة في التجارب التي تُعيد تعريف فَهمنا كلَّ يوم عند الهبوط في مطار جنيف، غمرتني موجةٌ من البهجة، فقد كنت على وشك توسيع آفاقي في علوم الحاسوب، والفيزياء، والبحث، والتنمية الشخصية. وتحت إشراف الدكتور فواز العازمي، سرعان ما تبدَّدت مخاوفي من المهام المقبلة، وحلَّ محلها شعورٌ بالحماس. تضمَّن مشروعي الأول تطويرَ اختبارات لأربع طرق اتصال لواجهة تمرير الرسائل (MPI).
ولم تكن هذه المهمة مجردَ مهمة برمجة عادية؛ بل كانت غوصاً عميقاً في تعقيدات الحوسبة المتوازية. فلقد تعلمتُ قيمة تدوين التعليمات البرمجية الواضحة والتوثيق الشامل، وهو أمر بالغ الأهمية خصوصاً في التعاون العلمي الكبير، حيث يمكن لعملي أن يُسهِّل أبحاثَ عديد من الباحثين الآخرين كان الدخول إلى شهر يوليو إيذاناً بفرص جديدة، مثل الدورة الثالثة عشرة لهاكثون باتاتراك PataTrack Hackathon. إذ أكد هذا الحدث على التعاون بدلاً من المنافسة. هنا بحثتُ في كيفية استخدام النوى بواسطة منصة CUDA، بهدف جعلِها أكثر سهولة من خلال تكييف حالات الاختبار هذه مع Alpaka. وقد أظهر هذا الجُهد أهمية التكنولوجيا الشاملة. كانت ذروةُ فترة تدريبي هي دمجَ هذه المشاريع معاً لاختبار طُرق مختلفة لتشغيل وحدات معالجة الرسومات من بُعد. وقد تلاشى تعقيد هذه المهمة وصعوبتُها بفعل الرضا الهائل الذي بعثتْهُ في نفسي، مما دفعني في كثير من الأحيان إلى العمل في وقت متأخر من الليل بدافع الشغف والحب الخالصين للمشروع.
ومع ذلك فإن تجربتي في سيرن تجاوزت المجال التقني. لم يكن الانضمامُ إلى نادي سيرن لكرة القدم يتعلق فقط بممارسة الرياضة؛ بل فتح الأبواب لتكوين العلاقات الاجتماعية. وسرعان ما تطورت العلاقات في الميدان إلى صداقات وشبكة داعمة في المجال المهني. وقد أدى التفاعل مع المتدربين الآخرين، وخاصة أولئك من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى إثراء هذه التجربة، وتعزيز الشعور بالانتماء إلى المجتمع الذي تجاوز مجرد التعاون في المشروع. وقد كانت هذه الروابط متجذرة في شغفنا المشترك بالبحث والاكتشاف.
لقد كانت محاضرات سيرن ومواردُها كنزاً ساهم في توسيع معرفتي وإلهامي. إن المشاركة في المناقشات حولَ أحدث ما توصلت إليه فيزياء الجسيمات وحضورَ الندوات حولَ أحدث التقنيات قد أغنَيا فهمي للعالم العلمي. هذه الثروة من المعلومات، بالإضافة إلى التوجيه الذي تلقيتُه، شكلت بعمقٍ نهجي في البحث وحل المشكلات.
وبالتأمل في نتيجة تدريبي، أدركتُ كيف أن كل خطوة، بدءاً من اهتمامي الأولي الذي أشعله المعرض في جامعة الكويت حتى الخبرة العملية في سيرن، كانت محورية في تحقيق حلمي. لم يكن الصيف الذي أمضيتُه في سيرن مجرد فترة تدريب؛ لقد كان رحلةَ اكتشافٍ ونمو شخصي. وقد عزز ذلك شغفي بعلوم الحاسوب وربطني بمجتمع عالمي مكرَّس لكشف أسرار الكون.
علَّمني هذا الصيف أن العلم يتجاوز النظريات والتجارب؛ يتعلق الأمر بالروح الجماعية والأشخاص الذين يجلبون هذه الأفكارَ إلى الحياة، ويدفعوننا باستمرار إلى استكشاف المجهول. شكرٌ خاص لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي وسيرن لجعلهما هذه الرحلةَ ممكنة.
بقلم: ماجد المنيفي Majed Al Munefi