المها العربي ( الوضيحي) في شبه الجزيرة العربية
أسعد الفارس
المها العربي Arabian oryx حيوان جميل مميز من بقر الوحش ، كان ولايزال معروفاً بلونه الأبيض وقرونه الطويلة ، وعيونه الواسعة الجميلة الحالكة السواد ؛ التي بجمالها تغزل الشعراء .
أوصاف المها وتسمياته وتصنيفه، والتغيرات التي طرأت على انتشاره في شبه الجزيرة العربية، ومحاولات تربيته في الأسر، وإعادة توطينه في البراري العربية من جديد … كلها نوجزها في هذه المقالة.
المها أو الوضيحي من حيوانات البيئة العربية ، وله حضور واضح في الشعر العربي، والأمثال العربية ، ويعد من حيوان الصيد المطلوب في رحلات القنص عند العرب . وقد اقترن اسمه بالعرب لانتشاره الواسع في البيئة العربية. وحصلت هذه الحيوانات على اسمها الواضح في اللغة العربية بسبب لونها الأبيض الناصع. وفي بعض الأحيان يقال لها « المارية « والوضيحي لوضوح رؤيتها وتميزها عن بعد، حتى إن اسم جنسها الOryx جاء بمعنى البياض باللغة اللاتينية، كما يطلق على الظباء والغزلان البيضاء في كثير من بلدان العالم .
التصنيف العلمي والتنوع
الاسم العلمي للنوع باللغة اللاتينية Oryx leucoryx ، من طائفة الحيوانات الثدييةMammalia ومن رتبة ذوات الظلف أو مايعرف بمزدوجات الأصابع Artiodactyles في تلك الطائفة ومن عائلة البقر Bovidaeالتي تشمل : أنواع البقر والغزلان أو الظباء. واسمه العلمي المذكور أطلقه عليه أول مرة عالم الأحياء الروسي بيتر سيمون بالاس عام 1777 م. وجنس المها Oryx يتنوع في أربعة أنواع : ثلاثة منها عاشت في أفريقيا ، وواحد منها يعيش في شبه الجزيرة العربية وماحولها. ولذلك نعرف بها باختصار وفقاً للتسلسل الآتي :
المها أبو الحراب Oryx dammah في شمال أفريقيا :يتميز باللون الرمادي الأشقر على الوجه والعنق ، وبالقرون الطويلة التي تميل للخلف مثل الحراب .
مها الجنوب الأفريقي الشبيه بالغزال0ryx gazelle: وهو مها صحراوي رمادي اللون فيه خط أسود يفصل الجسم إلى قسم علوي وقسم سفلي .
المها الشرق الأفريقي Oryx oibesian: لايختلف كثيراً عن النوع السابق إلا بالانتشارفي شرق أفريقيا وبعض الصفات النوعية الدقيقة .
المها العربي Oryx leucoryx: موضوع المقالة .
وهناك من يضيف للمجموعة نوعاً آخر هو البقر الوحشي اللولبي القرونAddax nasomaculatus الذي يعرف بأبي عدس .
الوصف والبيئة
يعد المها العربي الأبيض من أصغرأنواع بقر الوحش ، ويتميز بسنام (أو كتف) يرتفع قليلاً . يراوح ارتفاعه عند البلوغ بين 70 – 100سم، ووزنه بين 120 – 130 كيلوغراماً ، قرونه طويلة مستقيمة بانحناء خفيف ، ويعم جسمه البياض باستثناء الأرجل وعلامات سود في الوجه . له ظلفان عريضان يناسبان الحركة فوق الرمال ، وينتهي ذيله بخصلة من الشعر. ويمكن التعرف إليه مباشرة من خلال قرنيه الطويلين اللذين تكون لهما حلقات عند قاعدتيهما، كما أن لونه الأبيض الذي يتباين مع العلامات الخمرية الداكنة على وجهه ورقبته وأطرافه وطرف ذنبه، يختلف تماماً عن الموجود لدى أي حيوان ثديي آخرفي شبه الجزيرة العربية. وعلى الرغم من وجود أنواع تنتمي لجنس المها في أفريقيا، فإن المها العربي يظل من الثدييات البرية القليلة المتناسقة مع بيئة شبه الجزيرة العربية . ومن عادات المها العربي أنه يرعى بصيلات النباتات والأعشاب الغضة مثل: عشب النصي والحنظل . ومن سلوكياتها الأخرى: أنها تستريح في النهار، وتنشط في الغسق وعند الفجر لتتجنب حرارة الصحراء العالية في النهار، وعندها قدرة عجيبة لتتبع المناطق التي يسقط فيها المطر، فتتجول في مساحة من المراعي تزيد عن 3000 كيلومتر مربع. يتحمل المها العربي العطش وربما يمضي أسابيع بدون ماء، إذ تكفيه رطوبة الجو ورطوبة الأعشاب . والمها من الحيوانات العاشبة التي تحول السليلوز النباتي في جهازها الهضمي إلى ماء . والمها يحيا حياة اجتماعية ويعيش في جماعات تكون السيطرة فيها للإناث في حين تحتل الذكور وسط القطيع، وأفراد كل جماعة ما بين 8-15 فرداً . وكثيراً مايقف القطيع في قمة التلال كوسيلة للتواصل . يرتاد المها الصحاري والوديان بحثا عن الغذاء . أما عن التكاثر فالإناث تلد عجلاً واحداً رمادي اللون مابين مايو وديسمبر من كل عام
التوزع والانتشار
يقول دافيد هاريسون صاحب كتاب ثدييات الخليج العربي وصانع خريطة انتشار المها العربي المرفقة :» انتقل هذا الحيوان في السابق من منطقة الصحراء من سوريا والعراق جنوباً»، ومهما يكن فالبيئة الطبيعية للمها بشكل عام كانت في شبه الجزيرة العربية وفي شمالها وفي أفريقيا ، فبحلول عام 1800 م كان المها العربي يعيش في مناطق كثيرة في شبه الجزيرة العربية ، وبلاد الشام والعراق وفلسطين ، غير أن أعداده تراجعت في المناطق المذكورة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، ففي عام 1914 م كان القليل منها يعيش خارج حدود شبه الجزيرة العربية ، وفي الخمسينيات من القرن الماضي لم يعد لها وجود إلا في صحراء النفوذ وفي الربع الخالي ، فالصيد الجائر والتصحر أديا إلى تدهور وجوده في المنطقة ، ومما زاد الطين بلة مطاردتها بالسيارات أثناء عمليات التنقيب عن النفط ، كما كانت الضواري تفتك بعجولها الصغيرة . وتفيد التقارير بأنها انقرضت تماماً بحدود عام 1972م .
وتقدم بعض الموسوعات وآثار بعض الرحالة المعلومات الآتية:
أولاً – لاتوجد معلومات مؤكدة عن وجود المها شرقي الفرات ، غير أنها قبل عام 1888م كانت في مناطق كثيرة من سورية الطبيعية ، وانحسر وجودها نحو الجنوب ، ففي عام 1910 شوهدت بعض قطعانها في بادية الأردن قرب عمان ، وفي شمال الخليج العربي. وآخرها قتل في العراق عام 1914م . واستثناء عرفت بقاياها في جيرود شمال دمشق عام 1932 .
ثانيا – في شبه الجزيرة العربية عرف وجودها في الدهناء وفي صحاري الرمال التي تربط النفوذ بالربع الخالي عام 1917م، ولايعرف مدى توزعها في وسط نجد بعد ذلك ، لكنها كانت منتشرة في الربع الخالي الذي يصعب الوصول إليه . يقول ( فيلبي) عام 1933م : إن وجود المها كان ملحوظاً في المناصير غربي دولة الإمارات العربية المتحدة حتى الربع الخالي ، كما كانت تذكر في عُمان حتى الستينيات من القرن الماضي .
ثالثاً – في دولة الكويت كان وجودها بالتأكيد عند رأس الخليج عام 1914م. وفي خريطة قديمة لتوزع الحيوانات في المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية توجد علامات على وجودها جنوب الكويت.
المها في الأسر وإعادة توطينه
كانت قصة انقراض المها من شبه الجزيرة قصة حزينة انتهت بنهاية سعيدة ، فالمحزن فيها مطاردته واصطياده ، بالسيارات والأسلحة النارية ، وتخريب بيئته الطبيعية بالملوثات ، والتصحر الذي عم تلك البيئة إضافة إلى انتشار العمران على حساب البيئات الطبيعية . أما النهاية السعيدة فكانت بتكاثر بقاياه في الأسر، وإعادة توطينه في البيئات التي انقرض منها. كانت النهاية السعيدة قد تمت على يد محبي البيئة الطبيعية والتنوع الحيوي ، ففي ديسيمبر عام 1960م انطلقت حملة بالسيارات من قطر للبحث عن المها العربي ، فعثر الكادر الفني في الحملة على 48 مهاة منها كانت لاتزال تعيش في الصحراء، فبدأت عمليات حمايتها والمحافطة عليها ، غير أن 16 منها فقدت. ومن البقية تم أسر أربعة، وأعدت لترسل إلى واحدة من أشهر حدائق الحيوان في العالم، لكن واحدة منها كانت مصابة بطلق ناري فماتت فجأة وبقيت الثلاثة في الأسر، فنقلت فيما بعد عن طريق « كينيا « إلى حديقة « فونيكس « في ولاية أريزونا الأمريكية. من جهة أخرى كان الملك سعود بن عبد العزيز – رحمه الله- يملك قطيعا من المها قوامه 13 مهاة ، فأهدى أربعاً منها إلى الحديقة ذاتها . ومن هذه وتلك تكاثرت المها في الأسر وشكلت قطيعاً في الحديقة تعداده 300 من المها العربي الجميل . ثم توالت عمليات الحماية والتكاثر، فتكون قطيع كبير من المها في حديقة العين بدولة الإمارات ، وقطيع آخر في دولة قطر. ومن هذه المجموعات نقلت بعض المها إلى سلطنة عمان في السبعينيات من القرن الماضي ، فأطلقت في البر العماني ضمن مشروع عمان لإعادة توطين المها. ووضعت أكثر من دولة عربية استراتيجة خاصة لإعادة توطين المها في بيئاتها الطبيعية . لقد كانت التجربة ناجحة ؛ لأن المها الذي أعيد توطينه تكاثر وتكيف مع البيئة من جديد، وعاد ليجوب صحاري شبه الجزيرة بأعداد مقبولة. وانتقل في بعض الدول العربية بالنسبة للاتحاد الدولي لحماية الطبيعةIUCN من وضع الحيوان المهدد بالانقراض إلى الحيوان ذي الوضع القلق غير المستقر . ومن الناحية الإحصائية فقد عادت الحملة العالمية لإعادة توطين المها Operatin oryx بنتائج طيبة ، فبحلول عام 1990م بلغ عدد المها في العالم أكثر من 0300 ( تمت إعادة معظمها إلى البراري ؛ ففي عمان وحدها كان فيها من المها نحو 450 رأساً عام 1996م غير أن ذلك العدد انخفض بسبب بعض التحديات مثل: الصيد الجائر وعمليات التنقيب عن النفط . وفي عام 2007م أطلقت الإمارات مئة منها في بر البلاد . وازدادت أعداد المها في المملكة العربية السعودية من 400 مهاة عام 1997 إلى 700 مهاة عام 2003 . ولعل أشهر محميات المها في دول الخليج العربية هي محمية ” عروق بني معارض ” في المملكة العربية السعودية، ومحمية ” صير بني ياس ” ومنتجع المها في الإمارات .
مقال جيد ولكنه مختصر
وأحب أن أضيف إلي ما ورد في أماكن تواجده أن هذا النوع الملفت للنظر من الثدييات سجل من الصحراء الغربية في مصر كما تمت رؤية أحد أفراده علي طريق سيوة جنوب مرسي مطروح (130 كيلومتر جنوباً)