المهندس أمجد قاسم
شهدت صِنَاعة الغاز الطبيعي تطورات هائلة خلال الأربعين سنة الماضية، فبعد أنْ كان يعتبر منتجاً ثانوياً يتم حرقه والتخلص منه خلال عمليات استكشاف النفط؛ تحوَّل إلى أحد أهم الخامات الطبيعية التي تسعى كل الدول إلى الاستفادة منه واستثماره في مجالات التنمية الاقتصادية والصناعية.
ويتفوق الغاز الطبيعي على الفحم والنفط؛ إذ إن حَرقه لا يتسبب في تراكم كميات هائلة من الملوثات والغازات الضارة بالبيئة، ويتميز عن الطاقة النووية في انخفاض الكلفة التشغيلية ومستوى الأمان والسلامة العاليين وعدم وجود نفايات نووية تشكل خطراً على الإنسان والبيئة، أضف إلى ذلك أن للغاز الطبيعي استعمالات صناعية مهمة، وهذا عزز من مكانته في الأسواق العالمية سواء كوقود أو كلقيم يستخدم في صناعات كيميائية حيوية.
لمحة تاريخية
تظهر الدراسات التاريخية أن الصينيين استخدموا الغاز الطبيعي وقوداً منذ عام 940 قبل الميلاد، حيث نقلوه بواسطة أنابيب مصنوعة من الخيزران إلى شاطئ البحر، لحرقه وتبخير مياه البحر للحصول على الأملاح الذائبة في الماء.
وفي العصر الحديث، استخدمت المملكة المتحدة في عام 1785 الغاز الطبيعي لإنارة الشوارع، وفي عام 1820 استخدم الغاز الطبيعي في أمريكا كأحد أنواع الوقود، إلا أنه لم يكن منافساً لأي نوع من أنواع الوقود التقليدية المستخدمة في حينه.
وأعقب ذلك بعام حفر أول بئر لاستخراج الغاز الطبيعي في نيويورك، وكان عمقها ثمانية أمتار فقط، وفي عام 1826 تم حفر بئر أخرى، وتم نقل الغاز الطبيعي المستخرج بواسطة أنابيب لمسافة كيلومتر واحد لإضاءة منارة على شاطئ تلك البحيرة.
و في عام 1840 استخدم الغاز الطبيعي في أمريكا لتبخير مياه البحر وللحصول على الملح، ويعود الاستخدام التجاري للغاز الطبيعي إلى عام 1858، إذ عملت مؤسسة أمريكية على توزيع الغاز على المنازل، إلا أنَّ ذلك كان على نطاق محدود، وفي عام 1885 مد أول أنبوب لنقل الغاز الطبيعي في أمريكا بطول 140 كيلومتراً بين كاين في بنسيلفانيا وبوفالو في نيويورك.
وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم يحظ الغاز الطبيعي بالاهتمام الذي يستحقه، إذ كان يتم حرقه في الأمكنة التي يتم اكتشافه فيها أثناء عمليات البحث عن النفط، ومع اكتشاف كميات هائلة من الغاز الطبيعي في عدة أمكنة في العالم، كبحر الشمال وشمال إفريقيا، وحدوث أزمة الطاقة في سبعينيات القرن الماضي، برزت أهمية الغاز الطبيعي كمصدر للطاقة، فزادت الاستثمارات في مجال البحث عنه واستخراجه وتوزيعه. وتعد حالياً أمريكا الشمالية وسيبريا وقطر والسعودية وإيران والجزائر من أغنى المناطق في العالم بالغاز الطبيعي، إذ تحتوي مجتمعة على نحو ثلاثة أرباع مخزون الغاز في العالم.
وقود نظيف
يوجد الغاز الطبيعي في الطبقات المسامية في باطن الأرض سواء على اليابسة أو في قيعان البحار أو المحيطات أو المستنقعات أو تحت الثلوج في المناطق المتجمدة، كما يوجد الغاز الطبيعي في آبار النفط ويسمى بالغاز المصاحب، وقد يوجد في تجمعات خاصة بالغاز ويدعى بالغاز غير المصاحب.
وللغاز الطبيعي مزايا مهمة جعلت الكثيرين يطلقون عليه اسم “الوقود النظيف” لدى مقارنته بأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، فحرقه لا يتسبب بتكون رماد، ونسبة الغازات الضارة المنبعثة عن حرقة أقل بكثير من الفحم والنفط. وينعكس ذلك إيجابياً على البيئة وعلى صحة الإنسان وسلامته.
وشهدت السنوات القليلة الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في مستوى المعيشة لدى كثير من سكان العالم، مما أدى إلى زيادة الطلب على الطاقة وخصوصاً الطاقة الكهربائية، وفي الوقت نفسه ارتفعت وتيرة الأصوات المطالبة ببيئة أنظف، مما اكسَب الغاز الطبيعي مكانة خاصة في تلبية الحاجات المتزايدة إلى الطاقة.
إن عملية التحول نحو استخدام الغاز الطبيعي لإنتاج الطاقة النظيفة تسير بخطى سريعة، إذ إن الغاز الطبيعي يجمع بين الكفاءة الحرارية العالية والأعلى من الفحم، وانخفاض المحتوى الكربوني. كما أن تفعيل بنود بروتوكول كيوتو وغيره من الاتفاقيات حول الانبعاثات الغازية، سيعزز من الدور التنافسي للغاز الطبيعي ويفتح أسواقاً جديدة أمامه.
مزايا عديدة
يتركب الغاز الطبيعي من %95 من المركبات الهدروكربونية والنسبة المتبقية عبارة عن نيتروجين وثاني أكسيد الكربون وكبريتيد الهدروجين وبخار الماء.
ويتميز بعدم حاجته إلى عمليات تكرير معقدة كتلك التي يتطلبها النفط الخام.
إن استخدام الغاز الطبيعي في المنشآت الصناعية يقلل من الكلفة التشغيلية وكلفة الصيانة، ومن هنا فقد زاد حجم الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي ليبلغ نحو %25 من مجمل استهلاك مصادر الطاقة الأولية في العالم، وهذا الاستهلاك يتركز في أمريكا الشمالية وأوروبا ودول الاتحاد السوفييتي السابق ودول منطقة الشرق الأقصى.
وأدى تطوير تقنيات ضغط الغاز إلى تسهيل عملية نقله بواسطة الأنابيب لمسافات بعيدة تتجاوز 3000 كيلومتر، فنمت شبكات الأنابيب الناقلة للغاز الطبيعي المضغوط في كثير من مناطق العالم، وارتفع الاستهلاك العالمي من الغاز بشكل كبير، فتم ربط روسيا وأوروبا بشبكة من الأنابيب الناقلة للغاز، ومدت شبكة من الأنابيب بين بعض الولايات الأمريكية، وكذلك بين كندا وأمريكا.
الصناعات البتروكيميائية
على الرغم من الأهمية الكبيرة للغاز الطبيعي كوقود، فإنَّ له أيضا أهمية كبيرة كلقيم يستخدم في إنتاج عدد كبير من المركبات الكيميائية المهمة كالميثانول والإيثانول وغيرها من المركبات الكيميائية التي تستخدم لتصنيع عدد كبير من المنتجات الكيميائية، كالبلاستيك والأسمدة والمطاط الصناعي والمنظفات الصناعية والمبيدات والدهانات.
احتياطيات الغاز وآفاق المستقبل
قدرت احتياطيات الغاز الطبيعي في العالم بنحو 187 تريليون متر مكعب في عام 2012، وكانت احتياطيات الغاز الطبيعي قد قدرت في عام 1976 بنحو 65.8 تريليون متر مكعب. وهذا التزايد في احتياطيات الغاز عائد إلى الاهتمام العالمي بهذا المصدر الواعد من الطاقة وازدياد عمليات البحث والتنقيب عنه في العالم.
وتظهر الدراسات أن %60 من نسبة تلك الاحتياطيات العالمية موجودة في روسيا وإيران وقطر وتركمانستان، وتستأثر روسيا بأكبر احتياطي للغاز قدر بنحو 44 تريليون متر مكعب، تليها إيران باحتياطي قدره 33 تريليون متر مكعب، ثم كل من قطر وتركمانستان والولايات المتحدة والسعودية والإمارات وفنزويلا ونيجيريا والجزائر.
إن التوجهات العالمية نحو خفض الانبعاثات الغازية الضارة بالبيئة، وعزوف كثير من دول العالم عن الطاقة النووية، وتزايد الطلب أيضاً على الطاقة مع ارتفاع مستوى المعيشة لكثير من شعوب العالم، كلها عوامل تعزز من المكانة المستقبلية للغاز الطبيعي – وقود النمو – خلال القرن الحادي والعشرين.