د. عماد رنكو
استشاري الأمراض الباطنية (كندا)
لطالما اعتبرت السمنة مشكلة كبرى مؤرقة للفرد والمجتمع، وعامل خطورة لحدوث عدد من الأمراض المزمنة المرتبطة بها، ومؤشرا إلى حدوث معاناة صحية مستقبلية، إضافة إلى آثارها الاقتصادية السلبية على المجتمع، وتسببها بخسائر كبيرة بعضها مباشر والآخر غير مباشر.
وهناك توجه كبير لدى جميع المجتمعات ولاسيما المتقدمة لمكافحة السمنة، ووضع حد لأسبابها التي يمكن السيطرة عليها، وتعزيز توعية المجتمع بأضرارها الكبيرة، وفرض ضرائب على المواد الغذائية والمشروبات الغازية المساهمة في حدوثها وانتشارها.
خلل في الطاقة
تعرف السمنة بأنها تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون في أجزاء مختلفة من الجسم، وهي تنشأ عندما يحدث خلل في توازن الطاقة بجسم الإنسان، فتكون الطاقة المتناولة أكبر من الطاقة المستهلكة. وتؤدي عوامل عدة دورا في هذا الخلل كالعوامل الغذائية التي تتمثل في تناول أطعمة غنية بالدهون والسكريات، كما هو حال الوجبات السريعة. ومن تلك العوامل أيضا نقص النشاط الجسماني، وقلة النوم، وتناول بعض الأنواع من الأدوية بجرعات عالية، كمضادات
الصرع ومضادات الاكتئاب وخافضات السكر الفموية ومضادات الذهان.
وقد تكون السمنة ثانوية كتلك التي تحدث في مختلف اضطرابات الغدد الصم العصبية، مثل متلازمة كوشينغ، ومتلازمة المبيض المتعدد الكيسات. وهنالك أيضا دور ناتج من العوامل الاجتماعية والنفسية والجينية، إضافة إلى العامل المهم وهو العامل الوراثي.
أخطار السمنة
تعتبر السمنة أحد عوامل الخطورة للعديد من الأمراض المزمنة، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم، وزيادة شحوم الدم، والسكري، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وتوقف التنفس أثناء النوم، والتهاب المفاصل، وبعض أنواع السرطان. وأظهرت دراسات علمية كثيرة وجود علاقة بين زيادة وزن الجسم والوفيات؛ فتكون نسبة الوفيات أعلى عند البالغين الذين يكون مؤشر كتلة الجسم لديهم أكبر من 35.
ونسبة دخول مرضى السمنة إلى المستشفيات وكذلك زياراتهم للعيادات واستهلاكهم للأدوية أكبر بشكل ملحوظ مقارنة بأصحاب الوزن الطبيعي، كما أن نوعية الحياة المرتبطة بالصحة عندهم أسوأ من غيرهم من ذوي الأوزان المعتدلة. وأهم هذه الأمراض المزمنة:
السكري
تعتبر السمنة عامل خطورة عاليا للإصابة بمرض السكري من النمط الثاني. ويعزى السبب في ذلك إلى أن خلايا الأنسجة الدهنية عند البدينين تعالج من المواد الغذائية أكثر من طاقتها، مما يسبب لها إجهادا يسبب بدوره التهابها. وهذا يؤدي إلى إطلاق بروتين معروف باسم السايتوكينات Cytokines يحجب إشارات مستقبلات الأنسولين بشكل تدريجي، مما يجعل الخلايا مقاومة له، ومن ثم يؤدي ذلك إلى ارتفاع سكر الدم بشكل مستمر.
ارتفاع ضغط الدم
تزيد السمنة من خطر ارتفاع ضغط الدم. فنتيجة للمواد الدهنية المتراكمة في الشرايين يعمل القلب بجهد إضافي من أجل ضخ الدم، وهو ما يسبب ارتفاع ضغط الدم.
أمراض القلب والأوعية الدموية
يزداد خطر إصابة الشخص المصاب بالسمنة بالنوبات القلبية بمقدار ثلاثة أضعاف مقارنة بالأصحاء. و تسهم السمنة في الإصابة بأمراض القلب بسبب رفعها لمستويات الدهون الثلاثية والكوليسترول وخفضها للكوليسترول عالي الكثافة المهم لإزالة الكوليسترول السيئ.
السمنة والحمل
تؤثر السمنة سلبا على خصوبة المرأة وذلك بتثبيط الإباضة حتى عند النساء ذوات الإباضة المنتظمة.
وكلما زاد مؤشر كتلة الجسم تأخر حصول الحمل عند المرأة. كما يمكن للسمنة أن تؤثر على نتيجة الإخصاب في طفل الأنبوب، فكلما زاد مؤشر كتلة الجسم كان فشل طفل الأنبوب أكبر. وقد تؤثر سمنة الحامل على الجنين فيكون وزنه أكبر من المتوسط، ويحوي جسمه نسبة زائدة من الدهون مما يزيد من خطر المتلازمة الأيضية. وتسبب السمنة أيضا صعوبة في اكتشاف العيوب الخلقية عند الجنين بالموجات
فوق الصوتية.
أمراض السرطان
هناك أدلة ثابتة على ارتباط السمنة بزيادة أخطار عدد من أنواع السرطان بما في ذلك: سرطان بطانة الرحم، وسرطان المعدة في منطقة الفؤاد، وسرطان الكبد، وسرطان الكلية، والورم السحائي، وسرطان البنكرياس، وسرطان القولون والمستقيم، وسرطان المرارة، والورم النقوي المتعدد، سرطان الثدي، وسرطان المبيض، وسرطان الدرق.
علاجات متنوعة
يهدف علاج السمنة إلى إنقاص الوزن وتقليل الدهون في البطن وزيادة اللياقة القلبية التنفسية وتحسين استقلاب الغلوكوز ومستويات الدهون وضغط الدم.
وهناك جراحات حديثة لعلاج السمنة انتشرت منذ مدة، كما أن هناك أنظمة كثيرة، ومكملات غذائية، وخطط استبدال الوجبات، وكلها تدعي أنها تضمن فقدان الوزن بسرعة، غير أن معظمها يفتقر إلى الأدلة العلمية.
لكن هناك استراتيجيات ثابتة لها تأثير مؤكد على إنقاص الوزن. ويشمل ذلك ممارسة الرياضة وتتبع كمية السعرات الحرارية والصيام المتقطع وتقليل كمية الكربوهيدرات في النظام الغذائي. فالصيام المتقطع – على سبيل المثال – هو نمط من الأكل، ويتضمن صيامًا منتظمًا قصير الأجل ربما يصل إلى 24 أسبوعا.
وهناك عوامل أخرى تسهم في إنقاص الوزن منها الأكل بعقلانية؛ أي الاهتمام بكيفية ومكان تناول الطعام، كالجلوس لتناول الطعام وتجنب الانشغال بالأجهزة الإلكترونية، وتناول الطعام ببطء لأنه يساعد على مضغ الطعام بشكل جيد وتذوقه. ومن المهم اختيار الأطعمة بشكل مدروس، كتلك التي تشبع لساعات بدلاً من دقائق، كما يفيد تناول البروتين في وجبة الفطور إذ يساعد على الشعور بالشبع. وينصح أيضا بتقليل تناول السكر والكربوهيدرات المكررة وهي الأطعمة المصنعة التي لا تحتوي على الألياف كالأرز الأبيض والخبز الأبيض والمعكرونة، والاستعاضة عنها بالأطعمة الغنية بالألياف التي لا يمكن هضمها في الأمعاء الدقيقة، والتي تؤدي إلى زيادة الشعور بالامتلاء والشبع.
ومن العوامل المفيدة تحقيق التوازن بين بكتيريا الأمعاء، وذلك بالإكثار من الفواكه والخضراوات والحبوب في النظام الغذائي والشوفان والأطعمة المخمرة.
وهنالك عوامل أخرى تساعد على إنقاض الوزن، ومنها النوم بشكل جيد وتجنب التوتر بممارسة التأمل والاسترخاء وقضاء بعض الوقت في الهواء الطلق بالمشي أو العناية بالحديقة.