البيئة الملوثة.. صحة الأطفال في خطر
م. محمد الحسن
لطالما كان الأطفال (كبش الفداء) في الصراعات والحروب والأزمات الإنسانية، ولطالما كانوا أكثر شرائح المجتمع تضررا وتأثرا من جراء الكوارث الطبيعية التي تفتك بمناطق عدة، وتحدث أضرارا بشرية ومادية كبيرة. ولعل العدد الكبير من الأطفال الذين يموتون سنويا بسبب البيئة غير الصحية التي يتعرضون لها، والتلوث البيئي المتزايد الأخطار، يعبر عن تلك المأساة الإنسانية المستمرة.
وحينما تكون الأرقام المنشورة بهذا الصدد صادرة عن منظمة الصحة العالمية، فإنها تصبح أكثر وثوقية، وذات مصداقية أكبر من أي أرقام تصدرها جهات عدة، باعتبار أن تلك المنظمة تنشر أرقامها بناء على إحصائيات من جميع دول العالم، فضلا عن كونها أكثر جهة عالمية تمتلك مصداقية فيما يخص الأوضاع الصحية في كل أنحاء العالم.
البيئة الصحية والتنمية المستدامة
ووفقا للمنظمة فإن أكثر من وفاة واحدة بين كل أربع وفيات للأطفال دون سن الخامسة تعزى إلى بيئات غير صحية. ففي كل عام تحصد الأخطار البيئية – مثل تلوث الهواء في الأمكنة المغلقة والمفتوحة، ودخان التبغ غير المباشر، والمياه غير المأمونة، وتردي الصرف الصحي، والنظافة غير الكافية – حياة 1.7 مليون طفل دون سن الخامسة.
وفي إطار أهداف التنمية المستدامة تسعى البلدان إلى وضع مجموعة من الأهداف لتوجيه التدخلات المتعلقة بالصحة البيئية للأطفال، فضلا عن وضع نهاية لوفيات المواليد والأطفال حديثي الولادة والأطفال دون سن الخامسة بحلول عام 2030. وإضافة إلى (الهدف 3 ) من أهداف التنمية المستدامة – الذي يستهدف ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار – تسعى أهداف التنمية المستدامة الأخرى إلى تحسين المياه والصرف الصحي والحد من تلوث الهواء ودحر تأثير تغير المناخ، والتي تؤثر جميعها على صحة الأطفال.
أطلس صحة الطفل
وتطرقت المنظمة في تقرير حديث لها إلى أهم الأسباب الأكثر شيوعاً لوفيات الأطفال الذين تراوح أعمارهم بين شهر و5 سنوات ، وهي الإسهال والملاريا والالتهاب الرئوي، التي يمكن الوقاية منها عن طريق التدخلات المعروفة بقدرتها على الحد من الأخطار البيئية، من مثل الوصول إلى المياه المأمونة ووقود الطهي النظيف.
وتحذر مديرة منظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان في تقرير صادر عن المنظمة بعنوان (توريث عالم مستدام: الأطلس الخاص بصحة الطفل والبيئة) من البيئة الملوثة باعتبارها بيئة قاتلة ، مضيفة إن أعضاء الأطفال ونظم المناعة لديهم، وأجسادهم الصغيرة ومخارج الهواء لديهم، تجعلهم عرضة بشكل خاص للهواء والمياه الملوثة. وقد يبدأ التعرض الضار في رحم الأم ويزيد من خطر الولادة المبكرة.
وعندما يتعرض الأطفال الرضع وفي سن ما قبل المدرسة إلى تلوث الهواء داخل المنازل وفي الأمكنة المفتوحة، والدخان غير المباشر، يزيد لديهم خطر الإصابة بالالتهاب الرئوي في مرحلة الطفولة، وخطر الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة مثل الربو طوال العمر. وقد يزيد التعرض لتلوث الهواء من أخطار الإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية والسرطان طوال العمر، وفق التقرير.
5 أسباب لوفيات الأطفال
وترى مديرة دائرة الصحة العمومية والبيئة والمحددات الاجتماعية للصحة في المنظمة الدكتورة ماريا نيرا أن الاستثمار في إزالة الأخطار البيئية التي تهدد الصحة، وتحسين نوعية المياه من مثل استخدام وقود أنظف، سيؤدي إلى فوائد صحية هائلة.
ووفق تقرير آخر أصدرته المنظمة بعنوان «لا تلوث مستقبلي! تأثير البيئة على صحة الأطفال» ، فإن العالم يشهد كل عام وفاة 570000 طفل دون عمر خمس سنوات، من جراء أمراض الجهاز التنفسي من مثل الالتهاب الرئوي الناجم عن تلوث الهواء في الأمكنة المغلقة والمفتوحة ودخان التبغ غير المباشر. وأن 361000 طفل دون عمر خمسة أعوام يموتون بسبب الإسهال، نتيجة لصعوبة الحصول على المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الإصحاح.
ويقول التقرير إن 270000 طفل يموتون خلال الشهر الأول من العمر بسبب ظروف مثل الولادة المبكرة التي يمكن الوقاية منها، من خلال الحصول على المياه النظيفة وتوفير خدمات الصرف الصحي والإصحاح في المرافق الصحية، فضلا عن الحد من تلوث الهواء. وإن 20000 حالة وفاة للأطفال دون عمر خمس سنوات من جراء الملاريا يمكن الوقاية منها من خلال إجراءات بيئية، من مثل الحد من مواقع تكاثر البعوض أو تغطية أمكنة تخزين مياه الشرب. وإن 200000 طفل دون عمر خمس سنوات يموتون بسبب الإصابات غير المتعمدة المعزوة إلى البيئة، مثل حالات التسمم والسقوط والغرق.
أضرار بيئية مستمرة
إن الأخطار البيئية الناشئة مثل النفايات الإلكترونية والكهربائية (كالهواتف المحمولة القديمة) التي يتم إعادة تدويرها بصورة غير صحيحة، تعرض الأطفال للسموم التي قد تفضي إلى انخفاض درجة الذكاء، وقصور الانتباه، وتلف الرئة، والسرطان. ومن المتوقع زيادة توليد النفايات الإلكترونية والكهربائية بنسبة 19% بين عامي 2014 و2018، لتصل إلى 50 مليون طن متري بحلول عام 2018.
وترى المنظمة أنه مع تغير المناخ تزيد درجات الحرارة ومستويات ثاني أكسيد الكربون، مما يلائم نمو حبوب اللقاح التي تصاحبها زيادة في معدلات الإصابة بالربو لدى الأطفال. ففي جميع أنحاء العالم، يبلِّغ ما بين 11 و 14% من الأطفال البالغة أعمارهم خمس سنوات فأكثر وكبار السن عن أعراض الربو، والتي يرتبط نحو 44% منها بالتعرض للأخطار البيئية. وتلوث الهواء، ودخان التبغ غير المباشر، والعفن والرطوبة في الأمكنة المغلقة تجعل الربو أشد سوءا لدى الأطفال.
وفي المنازل العائلية التي تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مثل المياه المأمونة والصرف الصحي، أو الممتلئة بالدخان نتيجة استخدام الوقود غير النظيف مثل الفحم أو الروث لأغراض الطهي والتدفئة، يتعرض الأطفال بصورة متزايدة إلى أخطار الإصابة بالإسهال والالتهاب الرئوي.
ويتعرض الأطفال بصورة متزايدة للمواد الكيميائية الضارة عن طريق الغذاء والماء والهواء والمنتجات المحيطة بهم. والمواد الكيميائية، مثل الفلورايد والرصاص والمبيدات الحشرية المحتوية على الزئبق والملوثات العضوية الثابتة، وغيرها من السلع المصنعة. وعلى الرغم من تخلص معظم دول العالم بالتدريج من البنزين المحتوي على الرصاص، فلا يزال الرصاص ينتشر على نطاق واسع في الدهانات، مما يؤثر على نمو الدماغ، كما يقول التقرير.