“الباص وينه”: مبادرة مجتمعية لنشر الوعي بفوائد النقل العام
في يوم عادي سيجد أي كويتي نفسه عالقًا في أزمة المرور، سواء كان متوجهاً إلى العمل أو المدرسة أو عائدًا إلى المنزل في ساعات الذروة. صار هذا الأمر جزءًا من تجربة قيادة السيارات في الكويت. لكن الأمور ربما تتغير وقد نجد حلا لهذه المشكلة من خلال وسائل النقل العام. هل تلقى فكرة استخدام وسائل النقل العام قبولًا في الكويت؟ وكيف يمكن للمواطنين والمقيمين الاستفادة من الخيارات المتاحة لهم للحد من الازدحام وتقليل التلوث؟ “الباص_وينه” (كويت كوميوت) هي مبادرة مجتمعية تهدف إلى توفير حل لهذه المشكلة.
تضع مبادرة “الباص_وينه” نصب أعينها هدفًا رئيسيًا يتمثل في نشر الوعي بفوائد استخدام وسائل النقل العام، وهي في طليعة المنادين بإيجاد طريقة أفضل وأكثر استدامة لاستخدام وسائل النقل. ويقول جاسم العوضي، مؤسس مبادرة “الباص وينه” إن تجربته الشخصية كانت مصدر إلهام له لإطلاق المبادرة.
في أحد الأيام ، واجه العوضي صعوبة في الانتقال حين تعين عليه حضور اجتماع في مكان يقع في نهاية الشارع من مقر عمله في مدينة الكويت. لم يرغب في المشي في حرارة الصيف الحارقة في شهر رمضان، فقرر ركوب الباص، ولم يندم على ذلك. فقد كان أول من وصل إلى الاجتماع، وأدرك أن وسائل النقل العام يمكن أن تكون مريحة وبسيطة وتسهل حركة المرور في المدينة. وبدأ بطرح تجربته والتحدث عنها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهكذا تطور ذلك المفهوم إلى مبادرة عامة.
في عام 2018، جمع بعض الأصدقاء وأطلق معهم مبادرة “الباص_وينه”، وهي مشروع مجتمعي سرعان ما اتسع نطاق إنتشاره على وسائل التواصل الاجتماعي بصفته وسيلة لتحسين نظام النقل العام في الكويت وتشجيع الآخرين على ركوب الباصات. يقول العوضي إن جزءًا من سبب عدم استخدام الكويتيين لوسائل النقل العام يعود إلى الوصمة الاجتماعية، وإلى أن النظام الحالي يخدم في المقام الأول العمال الذين يعيشون في مناطق مكتظة. ويرى العوضي أن الأمر يحتاج إلى تحول في العقلية فتوفر وسائل النقل العام لا يكفي بحد ذاته، بل يحتاج الأمر إلى أن يكون النظام مجديًا وفعالًا وجذابًا ليكون له تأثير أكبر.
ترتكز مبادرة “الباص_وينه” على أربع قيم هي السلامة والراحة والاستدامة البيئية والشمولية. وتمثل هذه القيم الأربع الأساس الذي تنطلق منه المبادرة لإدارة حملاتها في الكويت من خلال زيادة الوعي وبناء حراك داخل المجتمع لتشجيع المواطنين على التفكير في آثار استخدام سياراتهم على أساس يومي والنظر في اعتماد الخيارات الصديقة للبيئة.
ربما يكون لاستخدام وسائل النقل العام العديد من الفوائد؛ ليس أقلها انخفاض انبعاثات الغازات الملوثة بسبب انخفاض الاعتماد على السيارات، وتوفير مزيد من الأراضي المتاحة للمنافع الاقتصادية بدلاً من مواقف السيارات والطرق، وكذلك تشجيع عادة المشي لتحسين الصحة ونوعية الحياة، وخلق شعور مجتمعي، وصولًا إلى خفض معدلات الوفيات في الكويت بسبب حوادث السيارات.
يقول العوضي: “كان الشباب الكويتي داعمًا كبيرًا للمبادرة، فمعظم متابعينا على وسائل التواصل الاجتماعي هم من الشباب، وقد قاموا بعمل رائع ليس فقط بدعمنا ولكن أيضًا بنشر الوعي حول الحاجة إلى تطوير النقل العام”.
تدعم مؤسسة الكويت للتقدم العلمي مبادرة “الباص_وينه” وترعاها بهدف المساعدة على إنشاء محطات للحافلات في جميع أنحاء مدينة الكويت باعتماد تصميم موحد وغير مكلف ومستدام ومطبوعة بتقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد. وتتعاون المبادرة أيضًا مع ستوديو صُنع في الكويت Manmade Studio ومكتب الصقر ويرتل للإنشاءات الهندسية لإنشاء محطات حافلات شمولية ثقافيًا.
يعمل مكتب الصقر ويرتل للإنشاءات الهندسية على تصميم محطات حافلات ذات طابع أيقوني وهوية فريدة وملائمة أيضا للمناخ والموقع والنسيج الحضري. كما يحرص المكتب على اعتماد عامل الاستدامة كعنصر رئيسي في تصميم محطات الحافلات باستخدام مواد معاد تدويرها وقابلة لإعادة الاستخدام لإبقاء البصمة الكربونية عند الحد الأدنى.
وأحد الجوانب الفريدة التي ستُدمج في التصميم هو محطة حافلات مطبوعة بالتقنية ثلاثية الأبعاد. تعمل كلتا الشركتين مع شركاء تقنيين في ألمانيا وبولندا ونيوزيلندا لإنشاء نظام يصمم محطات الحافلات تلقائيًا تبعًا لموقع كل منها. باستخدام أحدث التقنيات، ستحدد محطة الحافلات التي تعمل بالطاقة الشمسية تلقائيًا عدد المقاعد واتجاه الشمس وتوفر وسائل راحة جذابة مثل الإضاءة وشحن الهواتف والتبريد برش الرذاذ. والهدف الطموح من هذا التصميم هو المضي أبعد مما هو متاح حاليا وتغيير الصورة المتوقعة لمحطة الحافلات الحديثة في الكويت.
هــذا، ويـــرى جاســـم النشـــمي، مؤســـس ستوديو صُنع في الكويت Manmade Studio، أن جميع الأفراد، على اختلاف انتمائهم الاجتماعي والاقتصادي، يحتاجون إلى بدائل لشراء السيارات وصيانتها وملئها بالبنزين الذي تشهد أسعاره تضخمًا مطردًا. ويضيف “من منظور التخطيط الحضري، فإن التقسيم الهندسي للمدن الجديدة في أطراف مدينة الكويت لا يؤدي إلا إلى إضافة مزيد من الطرق التي تشهد حركة مرورية كثيفة، مما يجعل المدينة المزدحمة أكثر ازدحامًا”. ويقول: “تظهر الأبحاث أن المدن التي تعاني انخفاض كفاءة التنقل تعاني أيضا انخفاضا في الإنتاجية. ومن ثم، قد تكون وسائل النقل العام هي العلاج الذي نحن بأمس الحاجة إليه”.
بقلم غدير العرادي