استخدام أبحاث الصحة العامة لدراسة الآثار الصحية للحر وتلوث الهواء في الكويت
الكويت بالنسبة إلى براك الأحمد، خريج الطب من جامعة ليفربول University of Liverpool بالمملكة المتحدة، هي مرادف للعواصف الترابية ودرجات الحرارة القصوى. فقد رافقته هاتان الظاهرتان منذ صغره، وشعر بهما تلفحان وجهه كلما نظر من النافذة. هذا ما دفعه منذ شبابه إلى أن يتخذ قرارًا بتكريس جهوده لرعاية صحة الشعب. بعد عام ونصف من عمله كطبيب مبتدئ في مستشفى العدان، قرر التخصص في الصحة العامة. عن ذلك يقول: “حسنًا، الصحة العامة لا تعني اكتساب خبرة إكلينيكية مع المرضى … إنها تُعنى أكثر بدراسة صحة السكان”. ولهذا السبب قرر التركيز على أبحاث الصحة العامة.
لاكتساب المزيد من الخبرة، حصل الأحمد على درجة الماجستير في الصحة العامة من كلية جونز هوبكنز للصحة العامة John Hopkins School of Public Health ، ويتـابـع دراسـته حاليًا لنيل درجة الدكتوراه في علوم صحة السكان بكلية هارفارد للصحة العامة Harvard School of Public Health.
البدء بطرح الأسئلة الصحيحة
الصحة العامة مظلة كبيرة تنضوي تحتها جوانب عديدة، مثل الجانب الاجتماعي والسلوكي، والجانب الوبائي، وتحليل البيانات وإدارة السياسات الصحية، من بين أمور أخرى. يركز الأحمد على الصحة البيئية والمهنية التي تولي اهتمامًا بصحة العمال كمجموعة سكانية فرعية، نظرًا لأن الأشخاص الذين لا يستطيعون العمل داخل المباني ويعملون في الخارج هم الأكثر تعرضا للأخطار الصحية.
من أولى الدراسات التي أجراها الأحمد، دراسة تقصت تأثير درجات الحرارة القصوى في معدل وفيات سكان الكويت، من خلال تحليل البيانات التاريخية، وتناولت مدى تعرض المجتمع الكويتي للمخاطر الصحية جراء درجات الحرارة القصوى.
يقول الأحمد إن الحصول على إجابات يستوجب طرح الأسئلة الصحيحة. فبمجرد أن نعرف محددات الظروف الصحية ونقاط الضعف لدى المتضررين، يمكننا العمل على التخفيف من تأثيرها.
خلصت الدراسة التي مولتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي إلى أن العمال المهاجرين هم الفئة السكانية الفرعية الأكثر تعرضا للمخاطر لأنهم لا يتأقلمون مع درجات الحرارة القصوى هذه، ولا يتمتعون في كثير من الأحيان بالحماية أو يمكنهم الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية اللازمة للبقاء بصحة جيدة. يعتزم الأحمد مواصلة عمله في مجال التأثير الصحي لذلك في الفئات الضعيفة من السكان.
كوفيد – 19: رد الجميل للمجتمع
عندما حلت جائحة كوفيد19-، كان الأحمد يتابع دراسته لنيل الدكتوراه في بوسطن، بولاية ماساتشوستس. شعر حينها أن الوقت قد حان لرد الجميل لمجتمعه وشعبه. تواصل مع بعض الأصدقاء الكويتيين المدربين في مجال الصحة العامة في الولايات المتحدة وعاد إلى الكويت، وبدأ بإجراء تقييمات بحثية لجوانب مختلفة من مرض كوفيد19- والجائحة نفسها. كان القصد من ذلك هو مساعدة وزارة الصحة على اتخاذ قرارات سريعة بشأن عمليات الحظر، والشروع في بناء قدرات الرعاية الصحية.
في مارس 2020، عندما بحث عبد الله الشمري، عالم الأحياء الرياضية والأستاذ المساعد في جامعة الكويت، عن خبير في مجال الأوبئة لمساعدته على التنبؤ بذروة الوباء باستخدام نمذجة رياضية أولية من تصميمه، كان الأحمد خياره الأول من بين كثيرين. قال الشمري: “كنت أبحث عن طبيب متخصص أيضًا في علم الأوبئة، وهو مزيج نادر في الكويت. … علاوة على ذلك، كان ينبغي أن يكون لديه فهم عميق لتعقيدات بيانات البحث وأن يمتلك نزاهة بحثية. [الأحمد] كان الوحيد الذي انطبقت عليه جميع المواصفات المطلوبة”.
خلال صيف 2020، عمل الأحمد في عدة مشاريع بحثية تعاونية. تمكن بفضل معاينة مجموعة صغيرة من البيانات من مستشفى جابر الأحمد من تسليط الضوء على العلاقة بين مستويات الغلوكوز في الدم أثناء الصيام وشدة أعراض كوفيد – 19 لدى غير المصابين بالسكري. نُشرت النتائج في النهاية في دورية Diabetes Care Journal. وأجريت بعض الدراسات البحثية البارزة الأخرى لقياس فعالية الحظر والروابط بين كوفيد – 19 والعناية المركزة والتقييم النوعي للمخاطر الصحية الوبائية على العمال المهاجرين.
شارك الأحمد أيضًا في مشروع بناء القدرات مع جانفييه غاسانا، الأستاذ المشارك ورئيس قسم الصحة البيئية والمهنية في جامعة الكويت، بالتعاون مع مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. تضمن المشروع تدريب العاملين في مجال الرعاية الصحية على ارتداء معدات الوقاية الشخصية PPE، والتخفيف من المخاطر المهنية جراء التعرض المستمر للفيروس.
التطلع إلى المستقبل
لا يبدي الأحمد حماسة للتأثير البيئي لدرجات الحرارة القصوى في سكان الكويت فحسب بل في سكان العالم ككل. ويرى أنه ينبغي الشروع في إجراء مزيد من الدراسات البيئية في منطقة الخليج الحارة والجافة بطبيعتها، وفي الشرق الأوسط بشكل عام، لدراسة تأثير ارتفاع درجات الحرارة في الناس، ولاسيما الفئات الأكثر تعرضا للمخاطر من السكان.
يقول الأحمد إن “الكويت هي المكان المناسب لإجراء هذه الدراسات؛ إذ إن التعرضات البيئية المستقبلية التي نشعر بالقلق إزاءها – من تلوث الهواء والحرارة الشديدة والتغيرات في أنماط الطقس والظواهر الجوية المتطرفة – تحدث على مستوى كبير جدًا هنا بالفعل. … يمكننا تقديم مساهمة ذات مغزى تستند إلى الأبحاث والأدلة لهيئات مثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ IPCC واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ UNFCCC”.
تواجه الكويت بالفعل ارتفاعًا شديدًا في درجات الحرارة قياسًا بالمعدلات العالمية. فدرجات الحرارة القصوى التي نراها هنا تختلف عن أي مكان آخر في العالم، علمًا أنها كانت أكثر الأماكن سخونة على وجه الأرض في يوليو 2021؛ حينما سجلت مدينة الجهراء الكويتية 53.5°س.
لقد تدهورت البيئة في العقد الماضي نفسه، ورأى الكويتيون ما يكفي من الأدلة للبدء على وجه السرعة بدراسة الآثار الصحية السلبية للتغير البيئي. في سبتمبر 2021، تلقى الأحمد منحة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لدراسة التأثير الحالي والمستقبلي لدرجات الحرارة الشديدة والمناخ في معدل الوفيات في الكويت والعالم. ومن المتوقع نشر نتائج هذه الأبحاث بنهاية هذا العام.
العلم والبحث يمكنهما تقديم إجابات
البيئة جزء أساسي لا يتجزأ من الصحة والمجتمع. وما من حل سحري لإصلاح تأثير التعرض البيئي Environmental Exposures ، أو ارتفاع درجات الحرارة العالمية على المديين القصير أو الطويل. يقول الأحمد: “يجب أن تكون المناقشات المتعلقة بالبيئة والتغير المناخي جزءًا من الخطاب العام، لكن إذا لم تكن لدينا البيانات التي تدعم التصورات، فسيكون من الصعب حقًا إقناع الناس بها”.
ولكن إذا توفرت الرغبة في التغيير، فقد يوفر العلمُ لصناع القرار البياناتِ اللازمة لإحداث التغيير. والأحمد يدفع بمثل هذه المساعي البحثية بفضل شغفه بالبحث وذهنه الفضولي، والمنظور الجديد الذي ينظر من خلاله إلى البيانات والأبحاث السابقة.
يجب أن تكون المناقشات المتعلقة بالبيئة والتغير المناخي جزءًا من الخطاب العام، لكن إذا لم تكن لدينا البيانات التي تدعم التصورات، فسيكون من الصعب حقا إقناع الناس بها
بقلم شويتا