إنقاذ مزيد من الأرواح باستخدام تقنيات المطابقة المتقدمة في “السجل الوطني للخلايا الجذعية” في الكويت
كل عام، تُشخص في الكويت العديد من الإصابات بأمراض الدم المهددة للحياة بما في ذلك سرطانات مثل اللوكيميا. والطريقة الأكثر فعالية لإنقاذ حياة أولئك الذين يعانون مثل هذه الأمراض هي زراعة الخلايا الجذعية. ولتحقيق هذا الهدف، تأسس في عام 2012 السجل الوطني للخلايا الجذعية في الكويت ومولت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي إنشائه في مركز العلوم الصحية بجامعة الكويت.
يهدف السجل الوطني للخلايا الجذعية في الكويت إلى تلبية احتياجات الكويتيين من خلال المساعدة على مطابقة المرضى مع متبرع بنخاع العظم اعتمادا على اختبارات مكثفة. وبمجرد العثور على تطابق، يدعم الفريق الإكلينيكي كل مريض عبر جميع مراحل عملية الزرع، وأي علاج مطلوب بعد ذلك.
لكن التحدي الأول هو العثور على متبرع مناسب. يعود هذا إلى المواصفات الجينية للمريض والمتبرع، إضافة إلى تنوع السكان. حاليًا، يُحدد توافق المريض والمتبرع باستخدام مستضد كريات الدم البيضاء البشرية Human leukocyte antigen (اختصارًا: المستضد (HLA. والمستضدات HLA هي جزيئات بروتينية – تسمى أحيانًا الواسمات Markers – موجودة في معظم خلايانا، وهي جزء أساسي من البيانات الجينية لكل شخص. ولدى كل شخص الآلاف من واسمات المستضدات HLA التي يمكن أن توجد وفق ملايين التوليفات. سيحظى نحو ربع المرضى الذين يحتاجون إلى زراعة الخلايا الجذعية بتطابق مع قريب من أقرباء الدم. ولعلاج البقية، يتعين البحث عن تطابق لدى متبرع لا تجمعهم به صلة دم. وقد تأتي هذه المطابقات من داخل الكويت، ومن سجلات المتبرعين بالخلايا الجذعية الأخرى في جميع أنحاء العالم.
لتحقيق تطابق ناجح بين المريض ومتبرع من غير أقرباء الدم، يهدف سجل الخلايا الجذعية الوطني الكويتي إلى تحقيق تطابق كامل لعلامات مستضدات HLA. وتنميط مستضدات HLA ثم مطابقتها، وهو أمر لا يخلو من التعقيد، وما يزيد الأمر تعقيدًا هو أن بعض الأنواع أكثر شيوعًا من أنواع أخرى، مما قد يؤثر في فرص نجاح المطابقة.
وهذا يعني أنه على الرغم من تقدم العلم ما زال من الصعب العثور على تطابق للعديد من المرضى من أصول شرق أوسطية. ويرجع ذلك إلى السمات الجينية الفريدة التي لا تتوافق بالضرورة بسهولة مع السجلات الأخرى في مختلف أنحاء العالم حيث التمثيل الشرق أوسطي منخفض تاريخياً.
من هنا تأتي أهمية أحدث أبحاث الدكتورة ريم أمين الذي يحمل عنوان “استخدام التنميط الجيني لمستقبلات الغلوبولين المناعي للخلايا القاتلة في زراعة الخلايا الجذعية ذات الصلة” The Use of Killer-Cell Immunoglobulin-Like Receptor (KIR) Genotyping in Related Stem Cell Transplantation’ ، الهادف إلى تحسين تحديد السمات الجينية لكل متبرع وكل مريض. سيوفر هذا البحث للعلماء رؤية أعمق مقارنة بالمعلومات التي توفرها حاليًا المطابقة من خلال أنواع مستضدات HLA وحدها. بعد تحديد نوع المستضد HLA لكل مريض ومتبرع، سيُجرى اختبار إضافي أيضًا في حالات معينة. سيحدد هذا السمات الجينية للمستقبلات الشبيهة بالغلوبولين المناعي للخلايا القاتلة بين المتبرعين والمرضى الكويتيين. ستساعد مثل هذه الرؤى العميقة على زيادة مستوى نجاح المطابقة وعلى تحديد السكان من الناحية الجينية. تقول ريم أمين: “قد نجد أربعة أو خمسة متبرعين متطابقين تمامًا باستخدام نوع المستضداتHLA . ستساعدنا هذه الاختبارات الإضافية على اكتشاف التطابق الأفضل من بينها”.
وريم أمين هي أستاذة مساعدة في قسم علوم المختبرات الطبية في مركز العلوم الصحية بجامعة الكويت. حصلت على الدكتوراه في علم أمراض المناعة من جامعة لندن وعلى الماجستير في علم الدم المناعي من جامعة فلوريدا، وهي تعمل في جامعة الكويت منذ نحو 20 عامًا. أدت معرفتها العميقة بعلم الدم المناعي وعلم الجينات المناعي إلى نشر مجموعة قيّمة من الأوراق البحثية، وما أحدث أبحاثها سوى مثال آخر على تفانيها في هذا المجال.
في السجل حاليًا، تخضع جميع عينات المرضى والمتبرعين لاختبار أولي لتحديد نوع المستضد HLA. ثم يُكرر الاختبار للتأكد من ذلك. بعدها تخضع كل عينة للاختبار الجديد لتحديد مستقبلات الغلوبولين المناعي القاتل. يساعد هذا على إنشاء قاعدة بيانات شاملة للسجل وزيادة فرص العثور على تطابق ناجح بين المريض والمتبرع.
بعد عملية اعتماد صارمة، اعتمدت المؤسسة الأوروبية لعلم الجينات المناعي في عام 2016 السجل الوطني، وهو الآن عضو في الرابطة العالمية للمتبرعين بنخاع العظام. تقول ريم أمين إن “المختبر الداعم، الذي يعمل في خدمة السجل، يشارك في اختبارات الكفاءة الموسعة كجزء من مشروع دولي… للتأكد من أن كل اختبار نجريه يستوفي الامتثال للمعايير الدولية”.
يشارك السجل أيضًا في ورش العمل الدولية، الأمر الذي يمنحه حضورًا عالميًا قد يساعد على تعزيز التعاون بين مختلف سجلات الخلايا الجذعية في العالم. وتضيف: “من أهدافنا الأخرى بناء القدرات حتى نتمكن من مساعدة مزيد من الكويتيين أو من أصول شرق أوسطية… على تحقيق هذا الهدف، أعددنا فرق عمل متخصصة، ونحن أيضًا بصدد إنشاء موقع للتدريب والتعليم. على المستوى التنظيمي، نساعد على دعم وزارة الصحة، سواء من حيث استكمال مزيد من الاختبارات أو إذا ما كنا بحاجة إلى البحث في السجلات الدولية للعثور على تطابق”.
لولا الدعم السخي الذي تقدمه مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لما تمكن السجل من العمل بالمستوى الذي هو عليه حاليا، وفقا لريم أمين التي تستطرد قائلة: “بينما نتطلع إلى المستقبل، فإن هدفنا هو أن نصير جزءًا أكثر رسوخًا من شبكة الخلايا الجذعية الدولية… سيساعد هذا كلاً من الكويتيين وممن هم من أصول شرق أوسطية الذين يتعين عليهم السفر إلى الخارج ومرضى آخرين على مستوى العالم، قد يجدون تطابقًا في سجلنا”.
بقلم ماريانا دينين