د. إيهاب عبد الرحيم علي
يحمل التطبيب من بُعد وعداً كبيراً لكل من طب الأطفال وأطباء الأطفال. ومن الناحية العملية، يمكن تقديم أي خدمة طبية عن طريق تكنولوجيا الاتصالات السلكية واللاسلكية، لكنَّ ما يعوق إجراء تقييم دقيق لإمكانات التطبيب من بُعد هو عدم وجود دراسات عالية الجودة وتحليلات فعالة لكل من التكاليف والفوائد، وبخاصة في طب الأطفال.
«التطبيب من بُعد» Telemedicine هو استخدام المعلومات الطبية المتبادلة من موقع إلى آخر عبر وسائل الاتصالات الإلكترونية في دعم التشخيص الطبي، وتوفير الرعاية المستمرة للمرضى ومراقبة المرضى من بُعد. وتشمل «الرعاية الصحية من بُعد» Telehealth تعريفاً أوسع لسبل إيتاء الرعاية الصحية من بُعد، والتي لا تنطوي دائماً على الخدمات السريرية وحدها، لكنها تشمل وسائل وطرق التعلم من بُعد ذات الصلة بالصحة.
ويمكن تعريف استخدام التطبيب من بُعد في طب الأطفال، أو «طب الأطفال البُعادي» Telepediatrics على أنه استخدام تكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية لتوفير ودعم الرعاية الصحية الموجّهة للرضّع، والأطفال، والمراهقين، وصغار البالغين عندما توجد مسافة مكانية تفصل بين الممارس و المريض، أو أحد الوالدين، أو الوصي، أو الطبيب القائم بالتحويل. ومن شأن هذا التعريف أن يستبعد على وجه التحديد من المناقشة استخدام الاتصالات الهاتفية العادية بين الممارسين والمرضى واستخدام تكنولوجيا الاتصالات لأغراض تعليم الممارسين الطبيين.
ويمكن أن تشمل المعلومات المنقولة في مجال التطبيب من بُعد نقل الصوت الحي أو الفيديو الثنائي الاتجاه، وتسجيلات الصوت أو الفيديو التي يتم إرسالها بعد «المقابلة» (وهو ما يطلق عليه اسم تكنولوجيا «التخزين والإرسال»)، والسجلات الطبية، والصور والأشعات الطبية، والأصوات، أو مُخرجات الأجهزة الطبية مثل أجهزة قياس الوظائف الرئوية، وأجهزة تخطيط كهربائية القلب، وأجهزة التصوير بالموجات فوق الصوتية.
وهناك الكثير من الكتابات عن إمكانات التطبيب من بُعد فيما يتعلق بزيادة فرص الحصول على الرعاية الصحية، لكن تطبيقات ذلك في طب الأطفال تتسم بندرتها. ومع ذلك، فعندما تتضافر جهود الباحثين في مجال التطبيب من بُعد ومطوري التطبيقات الطبية لإنتاج تطبيقات تفيد طب الأطفال، فمن الممكن توقّع أن تكون لذلك فوائد جمّة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأطفال المقيمين في المناطق المحرومة من سبل الرعاية الصحية المتقدمة.
الأولويات والجداول
ومن خلال تفهّم الحاجات الخاصة بالأطفال، والتي يمكن أن يلبيها التطبيب من بُعد، جنباً إلى جنب مع دراسة الجهود المبذولة لتطوير تطبيقات التطبيب من بُعد لتلبية تلك الحاجات، سيتمكن أطباء الأطفال والجمعيات المهنية لطب الأطفال من إعداد الأولويات وجداول الأعمال المتعلقة بدعم صحة الطفل والأبحاث المتعلقة بطب الأطفال البُعادي.
وتضمن الاستفادة المزدوجة من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية من أجل توفير الخدمات الصحية والتعليم من بُعد، في سياق التطبيب من بُعد، مزايا مهمة للنظم الصحية، ومن ثمّ للمرضى من الأطفال والقائمين على رعايتهم.
وتتمثل أهم هذه المزايا في: الوصول الفوري إلى الموارد البشرية والمادية النادرة (الأطباء المتخصصون والمعدات الطبية الحيوية المكلفة) من وحدات الرعاية الصحية الأولية في المناطق النائية، والتي تفتقر إلى مثل هذه الموارد، وتقليل فرص حدوث الأخطاء الطبية، وتحسين الخدمات الصحية المقدمة على المستوى المحلي، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية وانتقالات المرضى التي لا لزوم لها، وإتاحة فرص التعليم وعقد برامج التدريب من بُعد، وإمكانية إجراء مراجعات وتحليلات واسعة النطاق للبيانات الطبية (أي حسب المناطق الجغرافية)، وكذلك دعم تقديم المشورة الصحية للعاملين في المناطق النائية والمحدودة الموارد.
تطبيقات التطبيب من بُعد
يحمل التطبيب من بُعد وعداً كبيراً لكل من طب الأطفال وأطباء الأطفال. ومن الواضح أنَّ بعض خدمات طب الأطفال تتكيف جيداً مع طب الأطفال البُعادي، بما في ذلك:
علم الأشعة:
على مدى السنوات الماضية، ظهر عدد من البرامج الفعالة في علم الأشعة البُعادي teleradiology. وخلال هذه الفترة، تم وضع معايير مهنية واسعة حول الكيفية التي ينبغي أن يتم بها تخزين الصور وعرضها لضمان التمثيل الدقيق. ويتم نقل تقارير الأشعة بسهولة باستخدام أنظمة التراسل الإلكتروني الآمنة ذات عرض النطاق الترددي المنخفض. وقد أجري العديد من الأبحاث المستفيضة حول النقل الإلكتروني للصور الإشعاعية لتلبية حاجات الرعاية الصحية للأطفال، وتمثل اليوم ممارسة روتينية في معظم المراكز الطبية. وتتسم التأثيرات المترتبة على توفير خدمات الأشعة العالية الجودة للأطفال عبر مناطق جغرافية واسعة بكونها بالغة الأهمية (مع ما يصاحبها من القضايا المتعلقة بإعادة توزيع القوى العاملة في قطاع الرعاية الصحية للأطفال).
الصحة العقلية والنفسية:
تظهر الدلائل أن المرضى راضون جداً بالحصول على المشورة النفسية عن طريق وسائل التطبيب من بُعد، وهو ما ينطبق أيضاً على الأطفال. وفي هذه الحالة، يبدو أن دقة التشخيص تصل إلى مستويات ممتازة. وعلى أي حال، وقبل تطبيق إجراءات التطبيب من بُعد في مجال الصحة النفسية، فإنه من المهم النظر في إعدادات المرافق المستخدمة، وقدرات الموظفين، وقدرة الوصول إلى أنظمة مشاركة المعلومات.
ويمكن لمقدمي الرعاية الصحية المحليين القيام بنشاطات المراقبة، عن طريق التطبيب من بُعد، للمرضى المتحركين من الأطفال المصابين بأمراض عقلية، ومن ثم الوصول إلى البيانات المحددة للمرضى باستخدام متصفح لشبكة الإنترنت. ويتم اعتماد الشبكات اللاسلكية في قطاع الرعاية الصحية على نطاق ضيق، بيد أنه يمكن توفير خدمات الرعاية الصحية النفسية لضحايا الكوارث وأقاربهم، وغيرهم من المجموعات الأخرى باستخدام الاتصالات الحوارية المباشرة في الزمن الحقيقي. ويتم تقديم الدعم عبر التواصل بصرياً مع المريض عبر كاميرا، حيث تتم المقابلة مع أحد المتخصصين في هذا المجال.
طب الجلد:
يمكن إجراء العديد من التقييمات التشخيصية في طب الجلد dermatology باستخدام الصور الثابتة العالية الجودة.
وبالرغم من أن كاميرات الفيديو القياسية المستخدمة في أنظمة المؤتمرات الفيديوية من بُعد ربما لا توفر ما يكفي من التفاصيل للتوصل إلى تشخيص الأمراض الجلدية، فقد أثبتت آلات التصوير الطرفية الخاصة، المعروفة باسم «المناظير الجلدية» dermatoscopes، كفاءتها في هذا المضمار؛ و من ثم أصبحت مشاورات «طب الجلد البُعادي» teledermatology التي تتم من بُعد ممارسة شائعة في العديد من المراكز الطبية.
طب القلب:
يمثل طب القلب والأوعية الدموية أحد التخصصات الطبية التي اعتمدت تقنيات التطبيب من بُعد على نطاق واسع؛ فبوسع السماعات الطبية الإلكترونية تسهيل نقل أصوات القلب بدقة ممتازة. وكذلك، فإن صور تخطيط صدى القلب echocardiograms، وصور الموجات فوق الصوتية، ومخططات كهربائية القلب، وغيرها من الصور الإشعاعية الطبية، يمكن بسهولة أن تُنقل إلكترونياً، ومن ثم تقييمها بدقة كجزء من برامج طب القلب البُعادي telecardiology التي صارت من الممارسات الطبية الراسخة في الوقت الحالي. ومن الممكن دعم التقنيات الحالية المستخدمة للكشف عن اضطراب نَظْم القلب (مرقاب هولتر، واختبار Rtest، واختبار القياس من بُعد telemetry) عن طريق خدمات المراقبة البُعادية التي تستخدم محسات تخطيط كهربائية القلب ECG sensors.
وفي مناهج التعليم الطبي، هناك أنظمة تسمح بتدريب الأطباء على حالات الطوارئ القلبية. تستخدم هذه الأنظمة تقنيات الذكاء الصنعي لمحاكاة الحالات الطبيعية (حالات الصدمة) مع محاكاة بصرية واقعية للحوادث الطارئة لمعالجة المرضى ضمن بيئة افتراضية ثلاثية الأبعاد.
خدمات الطوارئ ونقل المرضى
تُظهر الدراسات أن عقد المؤتمرات الفيديوية من بُعد teleconferencing يوفر وسيلة يمكن من خلالها للممارسين الأطباء في المناطق النائية إجراء مشاورات حول الحالات الطارئة في الوقت الحقيقي، ومن ثم الحصول على حساسية تشخيصية مقبولة ومستوى جيد من الخصوصية. وقد يفيد عقد المؤتمرات الفيديوية من بُعد بشكل خاص في حالات الطوارئ التي يتعرض لها الرضع والأطفال في أقسام الطوارئ العامة في المناطق الريفية، والتي لا تُشاهد فيها أمراض الأطفال المعقدة إلا نادراً، مما يمنح هؤلاء المرضى فائدة التواصل مع الاستشاريين في طب الأطفال، وهو أمر لم يكن متاحاً في السابق.
ومن بين أوجه التوفير الأكثر وضوحاً في التكاليف، والتي تتحقق من خلال التطبيب من بُعد، نجد تناقص الحاجة لنقل المرضى إلى مراكز رعاية الحالات الحرجة للأطفال.
الرعاية الصحية في المستشفيات
إن برنامج Carelink للرضّع، الذي تم تطبيقه للمرة الأولى في أحد المستشفيات الرائدة في مدينة بوسطن الأمريكية، يتيح للعائلات التي تم إبعاد أطفالها الرضع عنها لأسباب مرضية أن يبقوا على اطلاع مستمر على حالة أطفالهم، حيث يتيح البرنامج إمكانية عرض صور الرضع أثناء وجودهم في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة.
وتشير البيانات إلى تحسّن رضا الوالدين عن الرعاية المقدمة لأبنائهم عند استخدام هذا النظام. وأظهرت إحدى الدراسات زيادة في معدل التخريج المباشر إلى المنزل من وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، مقارنة بعملية النقل المكلفة إلى المستشفى المحلي، كما تشير التقارير الإعلامية إلى تطبيق مشروعات مماثلة في العديد من المستشفيات الأخرى.
الاستشارات البُعادية لحديثي الولادة
هناك ضرورة لتوفير الدعم النفسي للرضّع الذين يعالجون في وحدات العناية المركزة للمواليد الجدد، حيث يمكن للعائلات استخدام خدمات الاتصال المؤمّنة للاتصال بأطباء المستشفى وبالعائلات الأخرى التي يعاني أطفالها مشكلات مماثلة للحصول على خدمات الدعم النفسي القيّمة. ومن الممكن أيضاً أن تستخدم خدمات التطبيب من بُعد لمساعدة المريضات اللواتي يعانين الحمل العالي الخطورة.
وبعد تشخيص الحمل العالي الخطورة، تتم السيطرة على النشاط الداخلي للأم باستخدام هاتف الرعاية اليومية، الذي يسمح بالعلاج الناجح لنوبات الولادة المبكرة.
علم الأمراض (الباثولوجيا)
على غرار طب الجلد والتشخيص بالأشعة، يمكن لهذا التخصص الطبي المعتمد كثيراً على الفحص البصري أن يستفيد بسهولة من مشاورات التطبيب من بُعد، وبخاصة في البلدان النامية أو المناطق الريفية.
وفي هذا السياق، يمكن أن توفر الباثولوجيا البُعادية telepathology بعض الفوائد المالية مقارنة بالنقل الفعلي للعينات، كما يمكن وضع نموذج مالي للخدمات الباثولوجية في طب الأطفال.
إساءة معاملة الأطفال
إن الخبرة في إساءة معاملة الأطفال child abuse وإهمالهم والتواصل بين العاملين في عدد من التخصصات، وهو إجراء كثيراً ما يجب اتخاذه عند إجراء تحقيق يتعلق بإساءة معاملة الأطفال، يمثل تحديات يمكن للتطبيب من بُعد أن يُساعد على التصدي لها.
وقد أظهرت دراسة تجريبية حول استخدام تقنية المؤتمرات الفيديوية من بُعد، في تقييم إساءة معاملة الأطفال في ولاية فلوريدا، أن هذه التقنية مقبولة لدى المرضى وذويهم.
وهناك العديد من حزم البرامجيات (مثل Second Opinion) التي يتم تسويقها خصيصا لمشاركة الصور الثابتة فيما يتعلق بالمشاورات الخاصة بإساءة معاملة الأطفال.
تثقيف مرضى الحالات المزمنة
هناك أدلة على أن الأطفال الذين يعتمدون على الأجهزة الطبية يمكنهم الوصول إلى الرعاية المحسّنة عن طريق استخدام المراقبة الطبية من بُعد.
وقد ثبت فعالية التطبيب من بُعد في تثقيف المرضى عن طريق عقد المؤتمرات الفيديوية من بُعد لتعليمهم طرق الاستخدام السليم لأدوية الربو، مما حاز استحسان المرضى وأولياء أمورهم.
وقد أشارت الدراسات إلى تحقيق نتائج مماثلة للتوعية بعلاج السكري، والتعايش مع الداء السكري لدى الأطفال المصابين به.
الصحة المدرسية
تقوم بعض النظم المدرسية بتجربة استخدام وصلات التطبيب من بُعد لتوسيع نطاق الخدمات المقدمة في عيادات المدارس، وذلك بغرض تقليل معدلات غياب التلاميذ عن المدرسة بسبب المرض، أو عقد اللقاءات المتعلقة بتدبير الأمراض لدى الطلبة من خلال التواصل بين الممرضة المدرسية والمختصين في طب الأطفال على مستوى المستشفيات المحلية حسب الحاجة.
الأمراض الرئوية
يمكن تدبير الأمراض الرئوية المزمنة من بُعد باستخدام حاسوب شخصي، واتصال بالإنترنت، وبرنامج للمؤتمرات الفيديوية (مثل ProShare من شركة إنتل Intel).
الرعاية الصحية المنزلية
يمكن للمتخصصين في تقديم الرعاية الصحية إجراء المراقبة من بُعد لكل من العلامات الحياتية للمرضى، ووظائف الرئتين، أو تركيز الغلوكوز في الدم، ومن ثم التواصل مع المريض المعني لتوجيه دفة الرعاية المقدمة له عن طريق الهاتف، أو الحاسوب (من خلال رسائل البريد الإلكتروني أو مواقع التواصل الاجتماعي)، أو عبر شاشة تلفزيونية. لا تتطلب التكنولوجيا اللازمة لهذا النوع من المراقبة سوى توافر خط هاتفي تقليدي و/ أو الاتصال بشبكة الإنترنت. وقد ساعدت تكنولوجيا الاتصالات على تمكين المرضى من البقاء في المنزل بينما يجري مراقبة حالتهم عند الإصابة بفشل القلب الاحتقاني، وكذلك في السيطرة على الداء السكري، وعدم انتظام ضربات القلب، أو عدم استقرار الحالة الاستقلابية. وتشير بعض البيانات إلى أن الرعاية المنزلية للأطفال المصابين بأمراض مزمنة عن طريق التطبيب من بُعد يمكن أن توفر كثيراً من المال، مع المحافظة في الوقت نفسه على جودة الرعاية الصحية المقدمة لهم. ومن السهل أن يتم تنفيذ الرعاية الصحية المنزلية باستخدام الأجهزة المحمولة لمراقبة العلامات الحياتية للطفل، ومن ثم نقل البيانات إلى مركز إقليمي للرعاية الصحية، حيث يمكن للممرضات أو الأطباء تقديم النصح، ورعاية المرضى، أو وصف العلاج. ومن الضروري وجود وحدة منزلية للتطبيب من بُعد لعلاج الأطفال المصابين بالسكري عن طريق التطبيب من بُعد.
علم الأورام
يمكن استخدام تقنيات التطبيب من بُعد من قبل الممارسين العامين لإجراء المشاورات الفيديوية المتعلقة بتشخيص وتدبير الأطفال المصابين بالسرطان.
ويمكن ممارسة علم الأورام البُعادي teleoncology عبر الهاتف بين الأطفال المرضى بالسرطان في المنزل وبين الطبيب أو المستشفى المحلي.
وفي حالات سرطان الأطفال، يمثل تثقيف الآباء والأمهات في بيئتهم المنزلية فرصة ممتازة لتوعية الآباء بالمرض وعلاجه، وإبلاغهم بالآثار الجانبية الطبية والعاطفية القصيرة الأجل والطويلة الأجل للعلاج المستخدم، وكذلك بكيفية التعامل مع هذه الأعراض على نحو فعال.
العناية بالجروح من بُعد
تستخدم أنظمة الشبكات المحلية اللاسلكية الطبية LAN في التطبيقات المتعلقة بالتعامل مع الأطفال المصابين في الحوادث، كما تستخدم في إرسال التقارير الصادرة عن حالاتهم من وحدات الطوارئ، مع الالتزام بتقديم الدعم الطبي من بُعد.