آفاق الطاقة العالمية لعام 2021.. الصراع المحتدم بين الطاقات التقليدية والبديلة
التقدم البطيء لما يسمى "الطاقة النظيفة" لا يضع الانبعاثات العالمية في حالة انخفاض مستمر للوصول إلى صاف صفري لها، في حين ينمو استهلاك الفحم دافعا انبعاثاتCO2 نحو تسجيل ثاني أكبر زيادة سنوية في التاريخ
عبدالله بدران
قبل أن تنطلق الدورة السادسة والعشرون لمؤتمر الأطراف المعني بتغير المناخ COP26 التي تبدأ في شهر نوفمبر المقبل في اسكتلندا، تعالت الصيحات من شخصيات دولية مرموقة، ومنظمات أممية ودولية معنية بضرورة التعامل بجدية مع التحدي الكبير الذي تواجهه حكومات العالم، المتمثل في كيفية الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، على النحو المنصوص عليه في اتفاق باريس للمناخ وضمن خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.
ففي العشرين من سبتمبر دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء المملكة المتحدة بوريس جونسون في نيويورك، قادة العالم إلى ضرورة “اتخاذ إجراءات حاسمة لتجنب كارثة مناخية”. كما دعا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى العمل على ثلاث جبهات: أولاً، الحفاظ على هدف 1.5 درجة في متناول اليد؛ ثانيا، الوفاء بالمبلغ المقدر بـ 100 بليون دولار سنويا للعمل المناخي في البلدان النامية؛ وثالثا، زيادة تمويل التكيف إلى ما لا يقل عن 50 % من إجمالي الإنفاق العام لتمويل المناخ.
وفي السابع عشر من الشهر نفسه، أصدرت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ تقريرا عن المساهمات المحددة وطنياً لجميع الأطراف في اتفاق باريس، محذرة من أن العالم يسير على طريق كارثي نحو 2.7 درجة من التدفئة. وقالت إنه للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة، هناك حاجة إلى خفض الانبعاثات بنسبة 45 % بحلول عام 2030 وحياد الكربون بحلول منتصف القرن. وبدلاً من ذلك، فإن الالتزامات التي تعهدت بها البلدان حتى الآن تعني زيادة بنسبة 16 % في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010.
تقدم بطيء واستثمارات مطلوبة
آخر هذه الصيحات صدرت عن وكالة الطاقة الدولية في تقريرها السنوي الذي صدر في بداية أكتوبر الحالي بعنوان (آفاق الطاقة العالمية لعام 2021) والذي حذرت فيه من البطء الشديد في مجال الطاقة، وتوقعت أن يعاني العالم من ظاهرة الاحتباس الحراري وكذلك من “اضطرابات” في أسواق الطاقة، ما لم توظف استثمارات مناسبة بشكل أسرع في مشروعات الطاقات النظيفة والبنية التحتية.
وفي ذلك التقرير قالت الوكالة إن تلك الاستثمارات ينبغي مضاعفتها ثلاث مرات من أجل الحد من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول 2030، والوصول بالانبعاثات إلى الصفر بحلول 2050، وإن 70 % من تلك الاستثمارات يجب أن تتم في الاقتصادات الناشئة والنامية.
وعلى الرغم من أن اقتصاد الطاقة الجديد آخذ في النمو في جميع أنحاء العالم، لاسيما مع ازدهار تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمركبات الكهربائية وغيرها من التقنيات منخفضة الكربون، فإن هذا التقدم في مجال الطاقة النظيفة لا يزال بطيئًا جدا، كما يقول التقرير، بحيث لا يضع الانبعاثات العالمية في حالة انخفاض مستمر للوصول إلى صاف صفري للانبعاثات. وإن النمو القوي في استهلاك الفحم العالمي هذا العام يدفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نحو تسجيل ثاني أكبر زيادة سنوية في التاريخ.
سيناريوهات متعددة
تطرق التقرير إلى عدد من السيناريوهات المحتملة في مجال الطاقة والحد من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري. وجميع السيناريوهات تتوقع انخفاض الطلب على النفط، لكن توقيت وسرعة الانخفاض يختلفان بشكل كبير؛ فإذا تم الوفاء بجميع تعهدات المناخ المعلنة حاليا، فسيظل العالم يستهلك 75 مليون برميل نفط يوميًا بحلول عام 2050، مسجلاً انخفاضاً من نحو 100 مليون برميل تستهلك اليوم. لكن هذا الرقم سينخفض إلى 25 مليون برميل في حال تطبيق سيناريو الصافي الصفري للانبعاثات بحلول عام 2050.
فوفقا لسيناريو (السياسات المعلنة)، فإن المسار الذي يعتمد على تدابير الطاقة والمناخ التي وضعتها الحكومات فعليًا حتى الآن، يُلبى فيها تقريباً صافي النمو في الطلب على الطاقة حتى عام 2050 من مصادر انبعاثات منخفضة. لكن مستويات الانبعاثات السنوية لاتزال عند مستوياتها الحالية. ونتيجة لذلك، لا يزال متوسط درجات الحرارة العالمية يرتفع، وربما يبلغ 2.6 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة في عام 2100.
والسيناريو الثاني هو (التعهدات المعلنة) الذي يظهر أن مسار تعهدات الصافي الصفري للانبعاثات الذي أعلنته الحكومات ينفذ بشكل كامل حسب الخطة الزمنية المحددة، ويُتوقع أن يبلغ الطلب على الوقود الأحفوري ذروته في عام 2025 وأن تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية بنسبة 40 % بحلول نفس العام. وفي هذا السيناريو، يتوقع أن يبلغ متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية في عام 2100 نحو 2.1 درجة مئوية.
ووفقا لهذا السيناريو فإنه بعد عقود من النمو، ستنخفض آفاق طاقة الفحم، وهو انخفاض يمكن تسريعه بشكل أكبر بعد إعلان الصين الأخير عن إنهاء دعمها لبناء محطات في الخارج تعمل بالفحم. ومن شأن هذه الخطوة أن تؤدي إلى إلغاء مشروعات توفر نحو 20 بليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية حتى عام 2050، وهي كمية مماثلة لإجمالي الانبعاثات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي الذي يخطط للوصول إلى صاف صفري بحلول عام 2050.
ويكشف التقرير عن الاختلافات الكبيرة بين النتائج المحتملة في السيناريوهين بحلول عام 2050، الذي يسلط الضوء على الحاجة إلى التزامات أكثر طموحًا، لاسيما إذا ما أراد العالم الوصول إلى الصافي الصفري بحلول منتصف القرن الحالي.
توسع في التقنيات النظيفة
إن الزخم العالمي الكبير والمشجع نحو الطاقة النظيفة يتعارض مع الاستمرار في وجود الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، ومن ثم يتعين على الحكومات حل هذا الأمر في مؤتمر COP26 من خلال إعطاء إشارة واضحة لا لبس فيها بأنها ملتزمة بالتوسع السريع في التقنيات النظيفة والمرنة في المستقبل، كما يقول فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، مشددا على وجود فوائد اجتماعية واقتصادية ضخمة من عملية تسريع تحولات الطاقة النظيفة، وعلى أن تكاليف التقاعس عن هذا العمل ستكون هائلة.
ووفقا لبيرول فإن “تعهدات المناخ اليوم ستؤدي إلى خفض نسبته 20 % فقط من الانبعاثات بحلول عام 2030، وهو أمر ضروري لوضع العالم على الطريق الصحيح نحو تحقيق صاف صفري بحلول عام 2050، فيما يحتاج الاستثمار في الطاقة النظيفة إلى زيادة كبيرة، لاسيما مع وجود خطر يلوح في الأفق متمثل في مزيد من الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.
ويبدو أن العالم لا يستثمر ما يكفي لتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية، كما أن الشكوك تخيم على الفترة المتقلبة المقبلة، كما يقول بيرول، مضيفا إن طريقة معالجة الاختلالات واضحة، وهي عن طريق دفعة كبيرة في الاستثمار في الطاقة النظيفة عبر جميع التقنيات وجميع الأسواق، مع ضرورة حدوث ذلك بسرعة.
الصافي الصفري للانبعاثات
إن التمويل الإضافي الضروري “أقل صعوبة مما يبدو”، كما يقول التقرير؛ فنسبة 40% من خفض الانبعاثات “تعطي مردودها” من خلال كفاءة الطاقة ومكافحة تسرب غاز الميثان أو مزارع الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح، باعتبار أن هذه التقنيات بالفعل هي الأكثر قدرة على المنافسة.
ووفقا للتقرير، فإن السعي الناجح نحو تحقيق الصافي الصفري من الانبعاثات من شأنه أن يخلق سوقًا لتوربينات (عنفات) الرياح والألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم أيون والمحللات الكهربائية وخلايا الوقود التي تزيد عن تريليون دولار سنويًا بحلول عام 2050، وهو حجم يضاهي سوق النفط الحالي.
إن العجز العام في الاستثمار الحالي لا يؤثر في المناخ فقط بل في الأسعار والعرض، مما يهدد بالمزيد من “التقلبات” التي يشهدها العالم اليوم في أسعار الوقود الأحفوري من جراء جائحة كورونا.
ويرى التقرير أنه في السنوات الأخيرة أدى انخفاض أسعار الغاز والنفط إلى الحد من الاستثمار في هذا القطاع، في حين كان الانتقال إلى الطاقة النظيفة في الوقت نفسه بطيئا جدا لتلبية الطلب.
الوكالة الدولية للطاقة
منظمة دولية مستقلة أنشئت عام 1974، ومقرها باريس، وتسعى لتوفير إمدادات مصادر الطاقة بأسعار تكون في المتناول لفائدة الدول الأعضاء، وتركز عملها على أربعة مجالات رئيسية، هي: أمن الطاقة، والتنمية الاقتصادية، والتوعية البيئية، والعلاقات مع الدول غير الأعضاء (لاسيما المنتجون والمستهلكون الكبار للطاقة).
وتهدف الوكالة إلى تنسيق جهود الدول الأعضاء الرامية إلى مواجهة الاضطرابات التي تشهدها أسواق النفط والمخاطر المتعلقة بإمداداتها من هذه المادة الحيوية، وتعزيز الحوار العالمي بشأن قضايا الطاقة، وتوفير الإحصائيات والتحليلات لمختلف الفاعلين والمهتمين بالسوق العالمية للطاقة، وتعزيز سياسات الطاقة الرشيدة في سياق عالمي، وتفعيل نظام معلوماتي دائم حول أسواق النفط، وتحسين إمدادات الطاقة في العالم وبِنْيَة الطلب عبر تطوير مصادر بديلة للطاقة وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، والمساعدة على تحقيق التكامل بين السياسات البيئية والطاقة.