العلوم البيئيةNatural Sciencestechnology

منظومة مكافحة التسرب النفطي

الكابتن مساعد سلمان

التسرب النفطي (Oil Spill) عبارة عن انسكاب النفط في البيئة, سواء كان عن طريق العمليات الصناعية أو من ظروف طبيعية. وأسوأ حادثة تسرب في التاريخ كانت عندما قامت القوات العراقية بتخريب مئات الآبار النفطية، ومحطات النفط، وناقلات النفط في دولة الكويت عام 1991، ما أدى إلى تسرب ملايين البراميل من النفط الخام, انتشر جزء منها في الخليج العربي على مساحة امتدت مئات الاميال وبسماكة 13 سم، حتى وصلت إلى سواحل قطر.

وأظهرت دراسة أجراها الباحث الألماني الدكتور هانز يورغ بارث عام 2001 أن المناطق الساحلية في الخليج العربي لا تزال تحت تأثير كبير من النفط المتسرب عام 1991، وفي بعض الأمكنة لا يوجد أي انتعاش على الإطلاق، وأن المستنقعات المالحة التي تشكل %50 تقريباً من الساحل تأثرت بشدة مقارنة بأنواع أخرى من النظم الإيكولوجية بعد 10 سنوات, وتحتاج لعقود من الزمن حتى تتعافى من التسرب الذي حدث عام 1991.
و علق الباحث الأمريكي الدكتور جاكلين ميشيل عام 2010 على الحادثة بالقول: إن النفط المتسرب من غزو الكويت غطى نحو 800 كيلومتر من شواطئ المملكة العربية السعودية. وأثناء القيام بعملية مسح كمي عامي 2002 و2003، لوحظ أن هناك مليون متر مكعب من الرواسب النفطية بقيت بعد 12 عاماً من التسرب، وأن النفط توغل عميقاً حتى وصل إلى عمق 40 سم، وليس هناك طريقة لإخراجه حتى الآن.
ويقرر العلماء أنه لابد أن يكون لدى أي جهة تقوم بعمليات صناعية – يمكن أن تؤدي إلى تسربات نفطية-, منظومة واضحة لمكافحة التسرب النفطي، تجنب الكائنات الحية والبيئة خطر ذلك التسرب. وحتى يتم ضمان نجاح أي منظومة لا بد أن تكون المنظومة متجددة وتواكب جميع التطورات، وترتكز على الدراسات العلمية. وفي مكافحة التسرب النفطي لابد من الأخذ بالأساسيات الآتية: التخطيط، والتدريب، والمكافحة، والمراجعة.

التخطيط
التخطيط هو الركيزة الأساسية والجزئية الأولى في منظومة مكافحة التسرب النفطي, نظراً لشموليته جميع ما تحتاج إليه الجهة المسؤولة أثناء الحوادث من معلومات تساعد على مكافحة التسرب النفطي. أثناء حوادث التسرب النفطي لا يكون هناك وقت كاف لمعرفة الآلية المثلى لمكافحة البقع النفطية، لذلك من الأنسب أن تتم معرفة الطرق المتاحة لمكافحتها في الأوقات العادية، أي الوقت الذي لا يوجد فيه أي حادث تسرب نفطي.
فالتخطيط دراسة مفصلية مسبقة تشمل ظروف الصناعة, ومتطلبات القوانين والموقع الجغرافي الذي تقوم عليه الصناعة, مع الأخذ في الاعتبار متطلبات البيئة والرأي العام لكي تترجم في خطة مكافحة التسرب النفطي. ويجب ضمان الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة, عندما لا تكون هناك حاجة ملحة لاختيار طريقة لمكافحة البقع النفطية، ولضمان تقليل الآثار الناتجة عن التسربات النفطية وعمليات التنظيف على البيئة.

دراسة الأخطار
إن التخطيط المسبق ودراسة مواقع العمل من الناحية الجغرافية والحياة النباتية والحيوانية, مع معرفة ما يكون هناك من عمليات قد تسبب حوادث ينتج عنها تسربات نفطية؛ ركيزة أساسية لنجاح عمليات مكافحة التسربات النفطية. وعليه لابد من دراسة تأثير أخطار البقع النفطية على المناطق الحساسة، والعمليات الصناعية القائمة والمستقبلية المطلوبة، و الموارد المتاحة لمكافحة تلك التسربات.

المناطق الحساسة
تأتي أهمية المناطق الحساسة من تأثرها بالبقع النفطية وما يتطلب من جهد ومال لترميمها, مع الأخذ في الاعتبار أهمية الموقع للجمهور والدولة كأن يكون موقعاً سياحياً أو صناعياً حيوياً، مثل مزارع الأسماك, ومواقع سحب المياه لمحطات الكهرباء والماء و المصافي, والشواطئ ومواقع السياحة البحرية والبرية, والمحميات. لذا يجب حصر هذه المناطق الحساسة وفق خرائط معينة, بحيث تصنف كل منطقة بما يتناسب مع أهميتها.
النفط
عند دراسة الأخطار عادة يتم تحديد المصدر, وهنا يجب تحديد نوع النفط الداخل في الصناعة ليتم تحليل تفاعل النفط مع البيئة المحيطة به، ويجب تحديد حجم أكبر تسرب فرضي قد ينتج عن النشاط الصناعي, والطريقة المثلى هي استخدام نماذج المحاكاة لمعرفة:
< تفاعل التسرب النفطي مع البيئة.
< أساليب المكافحة.
< آلية انتشار وتأثير التسرب على البيئة.

العمليات الصناعية القائمة والمستقبلية
يجب إجراء دراسات نوعية ومفصلية لطبيعة العمليات الصناعية في الوقت الحاضر والمستقبل, لمعرفة مكامن الخطر الناتجة، رغبة في معرفة الخطوات والإجراءات الكفيلة اللازمة لتقليل الأضرار الناتجة عن التسربات النفطية, ولتحديد الموارد المطلوبة وكيفية دمجها في منظومة مكافحة التسرب النفطي, بما فيها من إجراءات وعمليات مكافحة.
الموارد المتاحة لمكافحة التسربات
من أهم الأمور التي تؤخذ بعين الاعتبار عند مكافحة التسربات النفطية لدى الجهة المسؤولة هي ماهية الموارد التي يمكن توظيفها في مكافحة التسرب النفطي. لذلك يجب إجراء دراسة تفصيلية لجميع الموارد المتاحة ونوعيتها, وآلية نقلها لموقع الحدث في الوقت المطلوب, لاختزالها في منظومة مكافحة التسربات النفطية. وتصنف الموارد إلى قسمين: بشرية وغير بشرية.
الموارد البشرية
يتم اختزال الموارد البشرية في الأشخاص الذين لديهم تدريبات مهنية في مكافحة التسربات النفطية, تكون شاملة على الآتي كحد أدنى:
– إجراءات الصحة والسلامة.
– آلية تنظيف المواقع الملوثة بالبقع النفطية، مع مراعاة البيئة المحيطة.
عزل النفايات.
– طبيعة المناطق الحساسة المتوقع العمل فيها.
– تشغيل وصيانة المعدات المستخدمة في مكافحة التسربات النفطية.

الموارد غير البشرية
من الضروري في عمليات المكافحة معرفة الآلات والمواد المتاحة لمكافحة التسرب النفطي, وإمكانية نقل هذه الموارد إلى موقع الحدث في الوقت المطلوب ليتسنى استخدامها ضمن منظومة مكافحة البقع النفطية. ولعل دراسة ما يمكن توفيره عن طريق الشراء المباشر أو الاستئجار أفضل وسيلة للتحكم في النفقات، مقارنة بشراء المعدات والمواد المستخدمة، ثم تخزينها وعدم استخدامها لمدد طويلة. ولابد أن يكون هناك مخزون صغير استراتيجي يغطي الاحتياجات الأولية من الموارد حتى يتم تفعيل الخطط وجلب الموارد المطلوبة، سواء عن طريق الشراء أو الاتفاقيات الثنائية. علماً أن الاتفاقيات الثنائية، سواء المحلية أو الإقليمية أو العالمية، تمثل جزءاً مهماً في توفير معدات حيوية بتكاليف منخفضة، مقارنة بحيازة هذه المعدات.

القوانين الخاصة بالتلوث
تعتبر القوانين المختصة بالتلوث النفطي, آلية عمل محددة والتزاما من الدولة بالمحافظة على البيئة وتوزيع المسؤولية الناتجة عن التسرب على الجهات المسؤولة عن التلوث، فهي تحدد حجم ومدى الالتزام المادي والتقني المطلوب توفيره من الجهة المالكة للصناعات، حتى قبل بدء العمليات الصناعية وحدوث أي تسرب نفطي. وسنت بعض الدول قوانين تجرم عمليات تلويث البيئة, بما يحمل الجهة المالكة للصناعة المسؤولية الجنائية عن الحادث. وتنظم القوانين المحلية آلية تمويل عملية المكافحة، وتحدد الجهة المسؤولة وكيفية إدارة عملية مكافحة التسرب النفطي. وعند وضع خطة مكافحة التسربات لابد من الأخذ بعين الاعتبار أي متطلب محلي بهذا الشأن, وتعديل أنظمة الجهة المالكة للصناعة لتتناسب مع القوانين المحلية.

الإعلام
يعتبر الرأي العام العنصر الأكثر تأثيراً في استخدام أساليب مكافحة التسربات النفطية, لذلك لابد من وجود منظومة إعلامية واضحة, تمتلك القدرة على التعامل مع الجمهور وإيصال الرسائل المطلوبة في الوقت المحدد. وثمة ضرورة لتطوير عملية التواصل مع وسائل الإعلام وفق إجراءات تم التخطيط لها سلفاً، والهدف من ذلك إعداد خطة لإيصال معلومات واضحة ودقيقة للجمهور والجهات المهتمة بمجريات الأمور، وتجنب إلحاق ضرر طويل الأمد بالجهة المتسببة بالحادث، أو خسارة ثقة الجمهور.
ومن الجوانب المهمة في التأثير الإيجابي في الرأي العام، هو التأكيد برسالة إعلامية واضحة أن الجهات المسؤولة تبذل كل ما في وسعها لمعالجة هذه القضية وتأصيل مبدأ الشفافية في نشر المعلومات.

الحياة النباتية والحيوانية
أدى التطور الصناعي الهائل في العالم إلى انحسار وانقراض أنواع عديدة من الحيوانات والنباتات. ويجب على العالم حالياً الانتباه إلى ذلك الأمر بصورة ملحة، وعلى المؤسسات الصناعية معرفة أنواع الحيوانات والنباتات الواقعة ضمن نطاق عملياتها الصناعية. وفي حالات التسربات النفطية يجب معرفة الآلية المطلوبة للتعامل مع هذه الأنواع, مع الحرص على الحفاظ على الأجناس المهددة بالانقراض بشكل خاص، لذلك من المهم وجود دراسة تبين التنوع البيولوجي في المنطقة التي تنشط فيها تلك المؤسسات الصناعية.

التكنولوجيا
تؤدي التكنولوجيا دوراً مهماً في تقنين الموارد المستخدمة وتسريع وتيرة المحافظة على البيئة حتى قبل وقوع الحادث, وتحسين وسائل الاتصال. وتسهم نظم المحاكاة والخرائط الإلكترونية في توجيه الجهة المسؤولة نحو المناطق الأكثر تضرراً، مما يختزل توظيف الموارد المتاحة لمكافحة التسرب النفطي.
وللتكنولوجيا دور حيوي أيضاً في إيصال الرسائل المطلوبة للإعلام والرأي العام، والمساهمة في ترسيخ مبدأ الشفافية من قبل الجهة المسؤولة.
كما تؤدي التكنولوجيا دوراً مهماً في الاستفادة من نتائج الدراسات السابقة في الأمور الآتية:
– أنسب طرق المكافحة المطلوبة لكل موقع على حدة.
– المعدات اللازمة لكل موقع.
– الجهات المطلوب مشاركتها في أي عملية مكافحة.
ويؤدي ذلك كله إلى توفير كبير للمال والجهد, ومن ثمّ الحد من الأضرار التي تلحق بالبيئة وبصحة الإنسان.

خطة المكافحة
تتضمن خطة المكافحة توثيق جميع الدراسات السابقة في وثيقة حيوية, وتضمينها الجهات الواجب الاتصال بها أثناء الحوادث النفطية. ولابد أيضاً من تطابقها واعتمادها من الجهات الرسمية المختصة لضمان شموليتها، مع توفر غطاء فني ودعم لوجستي بما يضمن للجهة المالكة للصناعة السيطرة على حوادث التسربات النفطية بأقل الأضرار المادية والبيئية. وتعتبر الخطة نهاية مرحلة التخطيط الخاصة بمكافحة التسربات النفطية. >

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Back to top button