تحديات المواجهات مع الأعاصير
د. محسن محرم زهران
تابع العالم قبل أسابيع عدة اجتياح الإعصار الكبير (ساندي) للساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وتهديده المباشر للإنسان والعمران في ثماني مناطق، وبخاصة بنسلفانيا ونيوجرسي ونيويورك. وقد حذرت السلطات المحلية والفيدرالية نحو 40 مليوناً من سكان تلك المناطق من الآثار المدمرة لهذا الإعصار الذي لم يسبق له مثيل في ضخامته وضراوته. وساعدت الإمكانات والوسائل التقنية المتطورة للأقمار الصنعية والأرصاد الجوية على تحديد زمن بدء وتطور هذا الإعصار، وتحركه من البحر الكاريبي شمالاً نحو الساحل الشرقي، مهدداً المراكز الرئيسة لاتخاذ القرار والمال والتجارة والإدارة والأعمال.
اتضحت خطورة إعصار (ساندي) فيما لحق من دمار في دول البحر الكاريبي؛ إذ خلف مئات الضحايا، إضافة إلى تدمير التجمعات السياحية والترفيهية والسكانية، مما أدى إلى تدمير شامل وخسائر كبيرة في مناطق عدة في المدن الأمريكية.
واستعداداً لذلك كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد أعلن وضع عدة ولايات كمناطق كوارث كبرى تستحق الدعم الفيدرالي المادي والبشري، مع تعبئة الإمكانات الفيدرالية والمحلية لمواجهة التهديدات المتوقعة للمدن الأمريكية من الإعصار، وذلك قبل يومين من وصوله إلى شاطئ مدينة (أتلانتيك سيتي) في ولاية نيوجرسي. وتم اتخاذ إجراءات احتياطية عديدة ومهمة لمواجهة تهديدات الإعصار العاتي وتداعياته الماحقة, ومنها:
- إغلاق المدارس والإدارات الحكومية والبورصة في نيويورك.
- إيقاف شبكات نقل الركاب تحت الأرض أو السطحية.
- إخلاء 350 ألف نسمة من المناطق الشاطئية المعرضة لكارثة الإعصار.
- إبحار السفن الراسية في الموانئ إلى عرض البحر، وبخاصة التابعة للبحرية الأمريكية.
- إعلان حالات الطوارئ في المستشفيات والصليب الأحمر والدفاع المدني.
- استدعاء الحرس الوطني لمساعدة العاملين في الإدارات الخدمية والمرافق المحلية، ولتأمين المناطق المخلاة.
- منع استخدام السيارات الخاصة في الطرقات إلا في حالات الطوارئ.
- توجيه شبكات ووسائل الإعلام لنشر تطورات الموقف أولا فأولا.
إعصار هائل
وضرب الإعصار الهائل مساء الثلاثاء 2010/10/30 مناطق نيوجرسي ونيويورك، مدمراً الشواطئ ومراسي السفن واليخوت والتجمعات الشاطئية والمجمعات السكنية الساحلية، وغطت الأمطار، مع موجة المد البحري، الشوارع بكميات هائلة من المياه، بلغ ارتفاعها عدة أقدام، كما أغرقت الأمطار أنفاق المترو والسيارات التي تربط مانهاتن بنيويورك والأحياء والولايات المجاورة. و اجتاحت الفيضانات العارمة مئات المنازل والشوارع خلال فترة الإعصار التي استمرت 12 ساعة من الأمطار والفيضانات الغزيرة وموجات المد البحري، التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الساحل الشرقي.
وسرعان ما تحركت فرق الإسعاف والإغاثة لإنقاذ السكان المحاصرين وإطفاء الحرائق التي اندلعت في نحو مئة منزل، و بادرت فرق إصلاح المرافق إلى العمل لإعادة التيار الكهربائي إلى نحو عشرة ملايين نسمة، والعمل على استعادة العمل في شبكات النقل والمرافق، ورفع الأنقاض والأشجار التي اقتلعها الإعصار، وسحب المياه من الأنفاق والمساكن الغارقة. وقدرت السلطات المعنية قيمة الخسائر والتعويضات في البداية بنحو 15 مليار دولار، ثم رفعتها إلى 50 ملياراً.
أوجه الإخفاق والقصور
على الرغم من الإنذار المبكر والاستعدادات المسبقة والتحذيرات المتكررة والدعم المادي البشري على كل المستويات، فإنَّ هناك دروساً مستفادة للاحتياطات الواجبة، والتي كان من الضروري على السلطات الأمريكية اتخاذها فيدرالياً ومحلياً من أجل تجنب الكثير من الخسائر المادية والبشرية، وتوقف الشبكات والأعمال عدة أيام، والتي غفل عنها المسؤولون، أو فوجئ بنتائجها المتخصصون، أو نسيها المخططون:
< كان من الواجب قطع التيار الكهربائي، وإيقاف ضخ الغاز في الشبكات خلال فترة الإعصار التي استمرت 12 ساعة، مع تنبيه الجميع إلى ذلك مسبقاً، الأمر الذي كان سينقذ مئات المنازل من الحرائق بسبب سقوط أعمدة الطاقة الكهربائية. ومن الطبيعي أن يعاد التيار فور مرور العاصفة، والتأكد من سلامة شبكات الطاقة.
< كان من الواجب التخطيط المسبق وتصميم بوابات رأسية من الصلب لإغلاق أنفاق المترو والسيارات، وتركيب نقط صرف تصب فى خزانات أرضية كبيرة يتم ضخ المياه المجمعة منها فوراً بعد انتهاء الإعصار، مما سيؤدي إلى تجنب الأعطال وتلافي الخسائر في الأنفاق، ومباشرة الحركة فيها بعد انتهاء الإعصار. إلا أن إصلاح الموقف تواصل عدة أيام.
< كان من الضروري دراسة التيارات البحرية، وتخطيط وتنفيذ حواجز وسدود كخطوط دفاع بحرية في مناطق العمران الساحلي لمنع تدفق موجات المد العالية من إغراق وتدمير التجمعات الشاطئية على طول الساحل الشرقي. ولا شك أن تنفيذ هذه الحواجز البحرية كان سيحمي المنشآت على الواجهة البحرية، وسيمنع إهدار مئات المليارات!
< تحذير أصحاب المراكب واليخوت في المراسي الخاصة بسحبها إلى البر وتخزينها مؤقتا حتى انتهاء الإعصار.
< تحزيم وربط وتثبيت الأشجار الكبيرة الواقعة على الطرق الرئيسية، وقرب المنازل، من أجل منع سقوطها وقت الإعصار، وتدميرها للمنازل والسيارات وقتل المواطنين، والتسبب في قطع خطوط الكهرباء المعلقة؛ ذلك أنَّ كثيراً من الضحايا سقطوا بسبب سقوط هذه الأشجار على سياراتهم ومنازلهم.
< تركيب شبكات صرف خاصة للعواصف مستقلة عن شبكات الصرف الصحي في المناطق الساحلية.
< إعادة تخطيط وتنفيذ الواجهات والأشرطة العمرانية على السواحل المعرضة للكوارث الطبيعية، من أجل تجنيبها الدمار من جراء الكوارث والأعاصير.
< مشاركة المواطنين من خلال إنشاء فرق مدربة لمساعدة السلطات المختصة لمواجهة الأزمات والمخاطر وحالات الطوارئ.
< إنشاء إدارات متخصصة لمواجهة الأزمات والكوارث، مدعمة بالإمكانات المادية والتقنية والبشرية، مع التأكيد على عقد دورات تعبوية دورياً على مدار العام للتأكد من أهبتها الدائمة واستعدادها المستمر لمواجهة أي طارئ أو كارثة.
< سن القوانين ووضع اللوائح والاشتراطات والإجراءات والأنظمة المؤكدة على ضرورة قيام المؤسسات العامة وغيرها، وبخاصة المدارس والمستشفيات والمباني الحكومية والإدارية، وتلك الخاصة بالتجارة والأعمال والمصانع، بتعبئة وتدريب العاملين فيها دورياً وسنوياً، لمواجهة الطوارئ وقت الزلازل والأعاصير والحرائق والكوارث وغيرها، كما هي الحال لركاب السفن العابرة للمحيطات أو الطائرات. ولابد من اعتماد التمويل السنوي المستمر واللازم لديمومتها.
توفيق أو إخفاق
من خلال هذا التحليل النقدي يتضح مدى توفيق أو إخفاق السلطات المعنية في حشد وتعبئة الإمكانات والموارد المتاحة، وكيفية الاستعداد والإعداد من أجل مجابهة وتحدي الكوارث والأعاصير، والتي من الضروري على الحكومات والمؤسسات المعنية الاسترشاد بها والاقتداء بنجاحاتها، مع تجنب أوجه الإخفاق والقصور التي صاحبتها، ونتج عنها تكبد الدولة والمواطنين خسائر بشرية ومادية فادحة.
والواجب يقتضي أن يستفيد الجميع من دروس هذا الإعصار وغيره حول العالم، وآخرها الإعصار كاترينا في لويزيانا، والزلزال التسونامي الماحق في اليابان. إن تكرار مثل هذه الكوارث الطبيعية يؤكد أن ظاهرة الاحتباس الحراري كانت سبباً خلال هذا القرن في نشوء كثير من الكوارث المروعة والزلازل المدمرة والمصائب المتكررة، ومن الضروري، والأمر كذلك، أن نتخذ من الإجراءات والاحتياطات والاستعدادات ما يجنبنا ضحاياها ودمارها وخسائرها.