العلوم البيئية

التقييم البيئي الاستراتيجي

المهندس خالد العنانزة 

شهد العالم في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بالقضايا البيئية، وتكريس الكثير من الجهود لتحسين الأداء البيئي في مشروعات التنمية وزيادة الوعي البيئي بهدف دمج الاعتبارات البيئية بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية في قطاعات التنمية. وفي الوقت نفسه ظلت القرارات البيئية موضع تساؤلات لا تنتهي؛ ليس لأنها لم تضع آليات قانونية مناسبة أو أدوات تنفيذية سليمة أو لم تبحث عن حلول لمشكلات التدهور البيئي الحرج فحسب، لكن أساسا لأنها لم تستجب بكفاءة للتحديات الجديدة ولم تحقق النتائج المتوقعة تجاه سلامة البيئة وتكاملها مع التنمية أو ما يُعرف بالتنمية المستدامة.

وأدى ذلك إلى زيادة الاهتمام بزيادة الوعي البيئي لدى صانعي القرار وظهور اهتمام متزايد بتقييمات الاستدامة، وبدأ يظهر إلى حيز الوجود تقييم الأثر البيئي لتحديد الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المتوقعة للمشروعات، بهدف التأكد من أن المشروع المنوي إقامته لن يؤدي إلى أضرار بالبيئة المحيطة. ومع وجود مشروعات كبيرة تتجاوز الحدود الدولية أو تقع في مناطق تابعة لأكثر من دولة أو وجود قطاعات تنموية أو قرارات استراتيجية توثر على البيئة، برزت الحاجة إلى تعزيز تقييم الأثر البيئي خاصة في عملية صنع القرار لمستوى يتجاوز المشروع، مما أدى إلى ظهور مفهوم التقييم البيئي الاستراتيجي الذي يساعد صناع القرار على التوصل إلى فهم أفضل لكيفية ملاءمة الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في قراراتهم الاستراتيجية.

مفهوم التقييم
البيئي الاستراتيجي
التقييم البيئي الاستراتيجي Strategic Environmental Assessment (SEA) هو منهج تحليلي استباقي فعال لدمج الاعتبارات البيئية بطريقة متكاملة في المستويات العليا لصناعة القرار، بهدف تقييم الآثار البيئية للسياسات والخطط والبرامج التنموية المقترحة وتوفير البدائل الأكثر استدامة، وتنفيذ طرق وإجراءات التخفيف المناسبة وتقديم التوصيات المناسبة لصناع القرار. ويستهدف التقييم البيئي الاستراتيجي ضمان أن السياسة أو الخطة أو البرنامج المقترح تطويره متناسق ومتناغم مع القرارات الاستراتيجية الأخرى، ويضمن مشاركة الجمهور ومنظمات المجتمع المدني في عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية. ويتكون التقييم البيئي الاستراتيجي من نوعين: التقييم البيئي الاستراتيجي القطاعي (ويطبق عندما يندرج عدد كبير من المشروعات الجديدة تحت قطاع واحد)، والتقييم البيئي الاستراتيجي الإقليمي (ويطبق عندما يتم التخطيط لتنمية اقتصادية كبيرة داخل إقليم واحد).
وتتألف جميع القرارات الاستراتيجية من أهداف عامة (رؤى) ومعلومات تفصيلية (أفعال، ونشاطات، وإجراءات، وخطط تنفيذ) لتنفيذ هذه الأهداف.
ويغطي مفهوم القرار الاستراتيجي مجموعة كبيرة من النشاطات، كاستعمالات الأراضي أو خطط التنمية لمنطقة ما. وعادة ما يتم تطوير القرارات الاستراتيجية من قبل الوزارات والمؤسسات والوكالات الحكومية، وقد تطورها شركات خاصة أو شبه خاصة، كشركات الاتصالات أو المياه التي لديها برامج لتحديد وجود البنية التحتية الخاصة بهم.
وتشمل القرارات الاستراتيجية ما يأتي:
< التشريعات الدولية و الوطنية والإقليمية، والمعاهدات الدولية.
< السياسات الاقتصادية، والميزانيات، والتخطيط المالي، وإعادة الهيكلة، والخصخصة، والضرائب، والاتفاقات التجارية.
< خطط التنمية والتطوير المتكاملة: الخطط الدولية و الوطنية والإقليمية، والبرامج المتعددة المشروعات، ومناطق الحفظ والصون (التراث العالمي، المتنزهات الوطنية).
< السياسات والخطط والبرامج المرتبطة بقطاع معين على نطاق واسع،مثل الزراعة والنقل والنفايات.

كيف تبدأ عملية التقييم ؟
تبدأ عمليات التقييم البيئي الاستراتيجي بدراسة نطاق القرار الاستراتيجي (السياسة، والخطة، والبرامج) وهــــذا يشمل دوافــــع القرار وأهميته وأهدافه ومراجعــــــة السياسات والخطط والبــــرامج المحلية والوطنية والدولية ذات الصلة، واقـــــتراح أهداف للتقييم البيئي الاستراتيجي لتوفير أساس لمقارنتها بالتأثيرات البيئية المتوقعة للقرار الاستراتيجي وخيارات البدائل المقترحة. كما تشمل عمليات التقييم التدابير المتوخاة لرصد ومراقبة الآثار البيئية المترتبة على تنفيذ القرار الاستراتيجي والآثار غير الحدودية الملحوظة التي يحتمل أن تلحق بالبيئة.
إن التنـــبؤ بالعواقب البيئية على المستوى الاستراتيجي يصبح عموما أضعف منه على مستوى المشروع، ويزداد تعقيده بسبب تعدد الجهات الفاعلة المشاركة في اتخاذ القرار ووجود مجال واسع من البدائل. ويبين المخطط المرفق إعداد التقييم البيئي الاستراتيجي بالتزامن مع صناعة القرار الاستراتيجي:

تحليل التأثير
تتحدد أهمية التأثير من خلال التفاعل بين عناصر مختلفة مثل قيمة الأثر(الحجم أو الشدة ) و طول الأثر (مؤقتا، أو دائما، أو منعكسا) و قيمة الموارد البيئية التي ستتأثر (كالأهمية الدولية أو الوطنية أو الإقليمية أو المحلية). و من المهم النظر أيضا في حساسية المورد إلى تأثير معين أو مجموعة من التأثيرات، مثل التنوع البيولوجي وبيئة المياه من القرار الاستراتيجي المقترح أو التطورات المستقبلية المقترحة (الآثار التراكمية). ومن الوسائل المستخدمة في تحديد وتقييم وتحليل تأثير الأبحاث والمعلومات، مثل تقارير حالة البيئة ودراسات الحالة المشابهة. و آراء الخبراء والمختصين من خلال المسوح وورش العمل. >

Show More

Related Articles

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

Check Also
Close
Back to top button