م. محمد القطان
نحو 35 مليون عربي لا يحصلون على خدمات طاقة حديثة، وبشكل خاص الكهرباء. وقدرة التوليد المركبة للتوليد في الدول العربية الـ22 تبلغ 202 جيغاواط، وهي بذلك لا تتجاوز نسبة %4 من إجمالي قدرات التوليد المركبة على مستوى العالم، و كفاءة الري العربية هي في المستويات الدنيا عالميّاً إذ لا تزيد على %40. وازدادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة باحتراق الوقود في المنطقة العربية بنسبة %247 بين عامي 1990 و2010، ونجمَ ما يزيد على %95 من هذه الانبعاثات عن استخدام النفط والغاز. هذه الأرقام والبيانات منتقاة من أحدث تقرير أصدره (المنتدى العربي للبيئة والتنمية) المعروف اختصارا (أفد)، وأطلقه في مؤتمره السادس الذي عقده في أواخر أكتوبر الماضي في الشارقة بمشاركة مسؤولين وباحثين ومتخصصين من داخل الوطن العربي وخارجه.
وتضمن التقرير ثمانية فصول تطرق الأول الذي أعده الباحثان بسام فتوح ولورا الكتيري إلى (النفط العربي في السياق المحلي والعالمي)، والثاني الذي أعده حكيم دربوش إلى (الغاز العربي والتحول في قطاع الطاقة العربية)، والثالث الذي أعده كل من كريستين لينس و ليلي رياحي ورومان زيسلر إلى (الطاقة المتجددة)، والرابع الذي أعده هانز هولغر روغنر وعدنان شهاب الدين إلى (خيار الطاقة النووية)، والخامس الذي أعده طارق المطيرة وفريد شعبان إلى (كفاءة الطاقة)، والسادس الذي أعده ماهر عزيز بدروس إلى (خيارات التخفيف من تغير المناخ في قطاع الطاقة)، والسابع الذي أعده إبراهيم عبد الجليل إلى (الحاجة إلى قطاعٍ للطاقة يستجيبُ لتغير المناخ)، مع ملحق أعده وليد الزباري بعنوان ( العلاقة بين الماء والطاقة والغذاء في المنطقة العربية)، في حين تناول الفصل الثامن والأخير الذي أعده طارق السيد وشهاب البرعي (تمويل إمدادات الطاقة.. دور القطاع الخاص).
ويتبين من الملخص التنفيذي للتقرير أن أنظمة الطاقة الموجودة في الوطن العربي – التي تهيمن عليها أنواع الوقود الأحفوري كما في معظم دول العالم – هي أنظمة غير مُستدامة سواء من الناحية الاقتصادية أو البيئية أو الاجتماعية، وأنه على الرغم من أن مستويات كثافة استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الكربون للفرد هي من بين الأعلى عالميّاً، فإن نحو 35 مليون شخص في الوطن العربي لا يحصلون على خدمات حديثة في مجال الطاقة، ولاسيما الكهرباء.
غير أن المنطقة العربية، بخلاف الكثير من مناطق العالم، تنعم بوفرة مصادر الطاقة النظيفة المتجدّدة، وفي مقدمتها الشمس والرياح.
ومن شأن هذه المصادر المتجدّدة، بالتوازي مع اعتماد التقنيات النظيفة بيئياً وتحسين كفاءة الطاقة، أن تساهم في تنويع الطاقة وتعزيز استدامتها في المستقبل. وإذا التزمت الدول العربية بسياسات واستثمارات ملائمة، فإن بإمكانها أن تكون عضواً فاعلاً في مجتمع الطاقة النظيفة العالمي، وبهذا يمكنها إيجاد المزيد من فرص العمل المجزية وتصدير الطاقة المتجددة، إضافة إلى النفط والغاز.
دور النفط والغاز
تطرق التقرير إلى الدور الذي يؤديه كل من النفط والغاز في اقتصاد الوطن العربي والمساهمة في دعم عملية التنمية فيه.
ويقول بهذا الصدد إن إيرادات النفط والغاز هـي مصدر الدخل الأساسي في معظم الدول العربية، لاسيما في منطقة الخليج العربي، إذ تشير أرقام صندوق النقد العربي إلى أن قطاع النفط والغاز يشكّل نحو %36 من مجموع الناتج المحلي الإجمالي العربي.
وتراوح نسبة إيرادات المواد الهدروكربونية من مداخيل صادرات معظم الدول العربية المنتِجة بين %33 في اقتصاد الإمارات العربية المتحدة المتنوّع نسبيّاً، و%88 في الاقتصادات المعتمدة بشكل عام على التصدير مثل السعودية وقطر، وتتجاوز %97 في كل من الجزائر والعراق.
لكن عوائد النفط الكبيرة لم تؤدِّ إلى إحداث التنويع الاقتصادي بالقدر الذي طمحت إليه دول عربية عديدة منتِجة للنفط، ممّا جعل معظمها معتمداً، بشكل استثنائي، على إيرادات النفط التي أثبتت أنها متقلّبة إلى حدّ كبير. ولايزال النفط أهم الموارد الطبيعية في الوطن العربي، وتشير كل الاحتمالات إلى استمرار هذا الوضع في المدى المنظور.
وتعتمد الاقتصادات العربية على النفط والغاز لتلبية أكثر من %97 من الطلب المحلي على الطاقة، أما الطاقة المتجدّدة فتساهم في توفير النسبة المتبقية، أي %3.
لكن سوق الطاقة المتجدّدة في البلدان العربية آخذة في التوسّع بسرعة، إذ كشفت مجموعة متنوّعة من البلدان عن مشروعات وسياسات لتوجيه وفرة موارد الطاقة المتجددة في المنطقة نحو التنمية الاقتصادية وتحسين أمن الطاقة.
كما أن استمرار اعتماد الوطن العربي على المواد الهدروكربونية للوفاء بحاجاته المحلية من الطاقة يطرح تحديات من نوع آخر: الارتفاع الحادّ في الطلب المحلي على الطاقة يعني زيادة في استنزاف النفط المنتَج في المنطقة، وتحويل جزء متزايد منه إلى السوق المحلية بدل التصدير.
وتقدّر بعض الدراسات أن الدول العربية المنتجة للنفط يمكن أن تخسر ما يصل إلى 90 دولاراً في كل برميل نفط يُستهلك محليّاً بدلاً من تصديره، كما يقول التقرير.
أنماط استهلاك الطاقة
ويرى التقرير أن الاتجاهات الحالية لأنماط استهلاك الطاقة تضع الاقتصادات العربية في مصافّ الاقتصادات الأقلّ كفاءة على الصعيد العالمي. فعلى مدى العقد المنصرم لم يحدث في المنطقة العربية أي فك للارتباط بين النمو الاقتصادي والطلب على الطاقة. وكان نموّ استهلاك الطاقة أسرع من النموّ الاقتصادي، إذ بلغ متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي نحو 4 % سنويّاً، في حين بلغت زيادة الطلب على الطاقة الأولية والكهرباء نحو %8. و دعم الوقود الأحفوري هو من العوامل الرئيسية المؤدية إلى عدم الكفاءة في استخدام الطاقة؛ فأسواق المستهلكين في القطاع السكني في البلدان العربية، مثلاً، هي الأكثر تلقياً للدعم، حيث يصل الدعم الضمني المقدّم في بعض البلدان العربية إلى 95 %.
ومن العوامل الأخرى أن البنية التحتية للكهرباء في معظم بلدان المنطقة تفتقر إلى الكفاءة، فمتوسط مقادير فَقْد الطاقة الكهربائية في التوليد والنقل والتوزيع في الدول العربية، البالغ %19.4، يفوق ضعفي المعدّل العالمي البالغ %8.3. وإدراكاً من جامعة الدول العربية لأهمية المكاسب التي يُمكن أن تُجنى من كفاءة الطاقة، عمدت في عام 2010 إلى إقرار المبادئ التوجيهية العربية لكفاءة الطاقة، لتعزيز التحسينات المجدية اقتصاديّاً في الاستخدام النهائي للكهـرباء في الـدول الأعضاء عن طريق أهداف توجيهية وآليات وحوافز وأُطُر مؤسساتية. لكن على الرغم من كثرة البيانات والوعود بزيادة تنمية الطاقة المستدامة، فإنه لا يوجد في المنطقة اليوم سوى عدد قليل من الدول التي أعلنت عن استراتيجيات لكفاءة الطاقة ذات أهداف محدّدة كمّيّاً وتدابير سياسات داعمة. فالعديد من العوائق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لا تزال قائمة في وجه كفاءة الطاقة في المنطقة، وهذه ينبغي تجاوزها. كما أن بالإمكان تعزيز كفاءة الطاقة عن طريق التأثير في سلوك المستهلكين بواسطة الحوافز، للتمكّن من التغلّب على عوائق السوق، سواء أكانت متعلّقة بالأسعار أم بسواها.
ولاحظ خبراء السياسات والاستثمار والأعمال، على حدّ سواء، أن اقتصاد الطاقة النظيفة آخذ في البروز كإحدى أهم الفرص الاقتصادية والبيئية العالمية في القرن الحادي والعشرين. وأخذ القادة، على جميع المستويات المحلية والوطنية في أرجاء العالم، يدركون أن استخدام الطاقة المأمونة والموثوقة والنظيفة يمكّنهم من خلق الوظائف والأعمال، وتحسين أمن الطاقة، ورفع مستوى جودة الهواء والصحة العامة، والتخفيف من حدة تغيّر المناخ. وفي وسع البلدان العربية، إذا كان ثمّة التزام طويل الأجل وإذا وُجدت السياسات والاستثمارات المناسبة، أن تنضمّ إلى نادي الطاقة النظيفة العالمي، وأن تخلق بذلك فرص عمل جديدة عالية الأجور وتصدّر الطاقة المتجدّدة بالإضافة إلى النفط والغاز.
الطاقة النووية
ووفق التقرير فقد كشفت بعض البلدان العربية عن خطط لإضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة الذي تعتمده، وذلك للوفاء بالطلب المتنامي على الكهرباء. وتعتبر البلدان المنتجة للنفط أنها، بإضافة الطاقة النووية إلى مزيجها الطاقوي، تعزّز أمن الطاقة تحسّباً لنضوب الاحتياطيات الهدروكربونية، فضلاً عن تحرير المزيد من كميات النفط للتصدير والاستفادة من الأسعار المؤاتية في الأسواق. وترى البلدان الأخرى أن الطاقة النووية هي الحل الذي يمكّنها من تجاوز مشكلة افتقارها إلى الموارد الهدروكربونية.
لكن قدرة الدول العربية على إدارة كامل دورة حياة الطاقة النووية هي موضع شكّ، إذ تظلّ المسائل الأساسية المتعلّقة بالسلامة بحاجة إلى معالجة. فإضافة إلى أخطار الحوادث المحتملة في محطات الطاقة النووية، لا تزال مشكلات تخزين النفايات النووية والتخلّص منها بحاجة إلى حلول، وهي تشكّل أخطارا على الصحة العامة. وازدادت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة باحتراق الوقود في المنطقة العربية بنسبة %247 بين عامي 1990 و2010، متجاوزة بدرجات كبيرة نسبة النموّ السكاني في الفترة نفسها. ونجمَ ما يزيد على %95 من هذه الانبعاثات عن استخدام النفط والغاز. وعلى الرغم من أن مجمل مساهمة المنطقة في تغيّر المناخ العالمي لا تتجاوز نسبة %5، فالمنطقة لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي، سواء على المستويات العالمية أو الإقليمية أو الوطنية، نظراً لشدّة تأثّرها بالمفاعيل المحتملة من جراء ذلك. وتعد المنطقة العربية من بين أكثر مناطق العالم معاناة من شح المياه، ومع تغيّر المناخ الآخِذ في الزيادة، يتوقع أن تصبح موجات الجفاف أشدّ حدّة وأن تتفاقم ندرة المياه. ومن مصلحة البلدان العربية اتخاذ إجراءات صارمة على الصعيد العالمي لتخفيف الآثار والتكيّف في ما يتعلق بتغير المناخ.
الاستثمار في قطاع الطاقة
ويقول التقرير إن هناك تحدّياً رئيسياً يواجه الحكومات في معظم البلدان العربية، يتمثّل في تخصيص الأموال الكافية لدعم النموّ المتوقع في الطلب على الطاقة. وتبلغ قدرة التوليد المركبة للتوليد في الدول الـ22 الأعضاء في جامعة الدول العربية 202 جيغاواط، وهي بذلك لا تتجاوز نسبة %4 من إجمالي قدرات التوليد المركبة على مستوى العالم، وبلغ متوسط استهلاك الفرد العربي للكهرباء سنويّاً 2396 كيلوواط ساعة في عام 2010، متراوحاً بين 18319 كيلوواط ساعة في الكويت و248 كيلوواط ساعة في اليمن. وراوحت معدلات نموّ الطلب خلال العقد المنصرم بين 5 و%10 سنويّاً، ويُتوقّع أن تستمرّ في المراوحة بين 4 و%8 خلال العقد المقبل. لذا فإنّ تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية من قاعدة المستهلكين، الآخذة بالنموّ من حيث الحجم ومعدّل الاستهلاك للفرد، تحتاج إلى مواصلة إضافة قدرة توليد بنحو 24 جيغاواط سنويّاً على مدى السنوات العشر المقبلة، وهذا يعني ضرورة توفير استثمارات جديدة تفوق 31 مليار دولار في كل عام، أي ما يوازي %1.5 من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية. تضاف إلى هذه المتطلبات المالية استثمارات رأسمالية في البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، وكذلك نفقات التشغيل والصيانة والأموال اللازمة لدعم أسعار الوقود.
ويدعو التقرير إلى اجتذاب التمويل من مصادر عدة، عبر مقاربات ابتكارية تعزّز الأموال العامة المحدودة وتمكّنها من جذب استثمارات ضخمة من القطاع الخاص.
وكان نموذج منتجي الطاقة المستقلّين أبرز أسلوب للشراكة بين القطاعين العام والخاص في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2010، حيث بلغت قدرات مشروعات شركات إنتاج الطاقة المستقلة نحو 40 جيغاواط، شكّلت ما يزيد على 50 مليار دولار من استثمارات وتمويلات القطاع الخاص. وتمثّل خبرة السعودية وأبوظبي وقطر وعمان والمغرب خلال العقد الماضي نموذجاً يُسَجَّل لمشاركة القطاع الخاص في تطوير قدرات التوليد.
وفي الآونة الأخيرة، نجح مطورو إنتاج الطاقة المستقلون والمصارف في هذه البلدان في بناء قدرات كافية للقيام بدور قيادي في تمويل وتنفيذ مشروعات توليد واسعة النطاق في المنطقة العربية وخارجها.