التنوع البيولوجي في عائلة الضباع
أسعد الفارس
الضباع حيوانات برية معروفة متوسطة القد، قصيرة الذيل وتعيش في البيئة العربية وغير العربية. وهي حيوانات ثديية من الحيوانات الفقارية، من رتبة آكلات اللحوم Carnivora التي تجمع أنواعها في عائلة أخذت اسمها من الضباع هي عائلة الضباع “Hyaenidae”. والضباع معروفة في معاجم اللغة العربية، وفي كتب التراث العلمي العربي حيث تعد ضرباً من السباع، وجمعها أضبع وضباع، والكبير منها يدعى الذيخ.
مزايا الضباع وخصائصها
والضباع مظلومة على الرغم من أهميتها البيئية، فلدى الناس عنها انطباع سيىء بسبب شكلها المخيف، وجسمها غير المتناسق، ولبعض عاداتها في الولوغ في الجيف، ولرائحة جسمها غير المقبولة. وعلى الرغم من التنوع في عائلة الضباع، فإن هنالك صفات وعادات مشهورة لها.
تتميز الضباع برأس كبير وعنق غليظ وخطم قوي. وجسمها ممتلئ، وأرجلها الأمامية أعلى من أرجلها الخلفية، فتبدو مائلة الجسم نحو الخلف، ومحدبة الظهر. في أقدامها أربعة أصابع، والآذان مستعرضة قليلاً، مدببة الطرف عليها شعر قليل، والعيون منحرفة ببريق مخيف. ولها صوت مزعج يشبه في بعضها ضحك الإنسان. والأنياب والأضراس في الضباع قوية ومتينة تطحن بها عظام وقرون وجلود فرائس الحيوانات الأخرى، وتمتلك الضباع فكوكا قوية، وفي فم كل منها غدد لعابية كثيرة، ولها لسان مبردي ومعدة حامية تهضم العظام والقرون وكل المواد الغذائية الصلبة. وتوصف الضباع بالعرج وليست بعرجاء، إنما يُخيل ذلك للناظر للدونة في مفاصلها، وزيادة رطوبة في الجانب الأيمن على الأيسر. والضباع أكولة نهمة كناسة تخلص البيئة من الرمم والجيف وبقايا الحيوانات، وبسبب عنقها القوي وهندسة جسمها فإنها تستطيع حمل جثث الحيوانات إلى مسافات بعيدة حيث تقيم جراؤها. والضباع حيوانات ليلية تكمن في جحورها في النهار وتخرج ليلاً للبحث عن جثث الحيوانات الأخرى. وبشكل عام تألف الضباع السهوب المكشوفة القليلة الأشجار، والقريبة من المناطق الصخرية الكثيرة الكهوف في آسيا والجزيرة العربية وأفريقيا.
التنوع البيولوجي في عائلة الضباع
تقدر أنواع الكائنات الحية على الأرض بـ 1.7 مليون كائن بما فيها النباتات والحيوانات، غير أن بعض هذه الأنواع تعرضت للانقراض بسبب العمران والصيد الجائر والرعي والتلوث وانتشار التصحر، وهذا يعني أن حياتها باتت في خطر؛ فتداعت المنظمات البيئية للتصدي لهذه الظاهرة، فأخذت ترصد الأنواع الموجودة، وتعمل على حمايتها، ودراسة الأخطار التي تهددها بالانقراض. ومن هذه الأنواع أنواع عائلة الضباع المتباينة في الشكل والبيئة والبنية. فهذه العائلة فيها أربعة أنواع مختلفة في جيناتها وأشكالها، والبيئة التي تعيش فيها، وذلك هو التنوع الحيوي الذي نقصده في عائلة الضباع، وهي وفقاً للقد والحجم: الضباع المنقطة (الرقطاء)، والضباع البنية (الغثراء) والضباع المخططة، وذئب الأرض.
أولاً- الضباع المنقطة Crocuta crocuta
تعرف أيضا بالضباع الرقطاء Spotted Hyaena فهي أكبر أنواع الضباع حجماً. طولها ما بين 160-115 سنتيمتراً، والأنثى أكبر من الذكر قليلاً وأثقل وزناً. وهي قوية البنية بصورة عامة وفي الربع الأمامي منها بصورة خاصة، واللون رمادي فاتح تغطيه بقع غامقة تميل للاختفاء مع تقدم العمر. والجراء بنية داكنة تأخذ لون البالغين بعد نحو خمسة أشهر. تأكل الضباع المنقطة رمم الحيوانات الميتة وبقايا الفرائس، لكنها تصطاد بنفسها الثيران البرية وحمر الوحش، وبقر الوحش، والماشية، فهي من الضواري المخيفة التي تتعقب الماشية والكلاب الأهلية، وتصارع الفهود والكلاب البرية والنمور على فرائسها. تعيش في مجموعات تضم ما بين 10-8 ضباع من مختلف الأعمار بما فيها الذكور. فتصطاد ليلاً فرادى وفي مجموعات. تستوطن الضباع المنقطة وتنتشر في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تكثر في منطقة السافانا وعند حافة الغابات، وتبتعد عن الصحاري الجافة، وتختبئ في كهوف الكتل الصخرية. تمارس التزاوج خلال ثلاثة أيام فتحمل الأنثى بـ 3-1 جراء. غير أن نسبة نفوق الجراء عالية بسبب الجوع وقتل البشر والأسود للأمهات. وتكثر عادة في شرق أفريقيا وفي جنوبها، وهي مهددة بالانقراض خارج المناطق المحمية؛ لكثرة ما يقتل منها وينفق في كل عام.
ثانياً- الضباع البنية Parahyaena brunnea
وهي الضباع الغثراء، لغبشة في لونها تخالطها حمرة، وغبرة إلى خضرة، وهي المعروفة بالإنجليزية بالضباع البنية Brown Hyaena. متوسطة القد طولها ما بين 136-110سنتيمترا والذكر أكبر من الأنثى بقليل. يغطي جسمها فرو خشن أشعث بني غامق اللون، فيخف هذا اللون ليصبح أشقر على العنق والكتفين، مع خطوط داكنة في الخلف وعلى الأرجل. تستوطن هذه الضباع في جنوب أفريقيا، في المواطن الجافة وشبه الجافة من الصحاري المفتوحة إلى السافانا وأطراف الغابات، وتألف السهول الرعوية القريبة من العمران ، وتتغذى بشكل رئيسي على رمم الحيوانات الميتة، وتصطاد أحياناً الفقاريات الصغيرة وحتى الأيائل. وربما تدخل الفرائس التي تصطادها في طعامها بنسبة %16-6. وهي ليلية النشاط، وقد تخرج للصيد في النهار في الأيام الباردة عندما تشعر بالأمان. وتعيش في مجموعات صغيرة عددها ما بين 14-4 فرداً، وتتعاون الإناث لتربية مجموعة من الصغار، وتعلم البيئة الخاصة بها بمفرزاتها وغددها. تتزاوج فيما بينها لمدة أسبوع واحد، فتحمل الأنثى ما بين 3-2 من الجراء. غير أنها تتعرض للنفوق بشدة، وهي واسعة الانتشار، غير أنها تتعرض للقتل لبشاعة مظهرها ولاتهامها بالسطو على الماشية.
ثالثاً-الضباع المخططة Striped Hyaena
ضباع متوسطة القد تلي الضباع البنية من حيث القد. طولها ما بين 119-98 سنتيمترا، والذكر أكبر من الأنثى. وتعد الضباع المخططة من أجمل الضباع. لونها رمادي مغبر وعلى جسمها وأرجلها خطوط سوداء، ويعم السواد في وجهها وحلقها، وعلى ظهرها وعنقها عرف مميز من الشعر ينتصب عندما يثار فتبدو أكبر من حجمها، ولجمالها والخطوط المنتظمة على جسمها سميت بالضباع المخططة. ينتشر هذا النوع من الضباع في غرب وشمال أفريقيا وفي الشرق الأوسط ووسط آسيا حتى الهند، في الصحاري المفتوحة الجافة، وفي منطقة السافانا وأطراف الغابات والمناطق الجبلية، وكانت تعيش في أوروبا ثم انقرضت منها، ولانتشارها الواسع في أمكنة متباعدة تتنوع في سلالات محددة منها: السلالة السورية في بلاد الشام والعراق والأناضول، والسلالة الشمال والشرق أفريقية، والسلالة البربرية التي تستوطن شمال غرب أفريقيا، والسلالة الهندية، والسلالة السلطانية التي تستوطن شبه الجزيرة العربية، والسلالة الأخيرة هي ضباع الجزيرة العربية المعروفة، وكل الأوصاف والأدبيات العربية تقصد هذه السلالة من الضباع دون غيرها.
تتغذى الضباع المخططة على رمم الحيوانات الأخرى، وبقايا فرائس الأسود والنمور، وتقترب من قطعان الماشية للبحث عن الحيوانات الميتة. وهي بشكل عام ليلية النشاط والجبلية منها في الأيام الباردة وعندما تكون جائعة لا تتورع عن مهاجمة الإنسان نفسه. تعيش الضباع المخططة في مجموعات قليلة وعند التزاوج تعيش ثنائياً (أنثى وذكر) وتزاوجها يدوم ليوم واحد، تحمل الأنثى بعدها وتلد ما بين 5-1 جراء. تتعرض الضباع المخططة للقتل والاصطياد لاعتقاد الناس أنها تهاجم الماشية، غير أن ذلك يتم منها في ظروف خاصة ومحدودة، ولهذا فهي بحاجة دون غيرها للحماية الطبيعية.
رابعاً- ذئب الأرض Proteles cristates
أصغر أنواع عائلة الضباع حجماً، فهو أصغر من الضباع المخططة، ويشابهها في الخطوط على الجسم. رأسه صغير وضيق ونحيف، وخطمه مدبب أسود. يتميز ذئب الأرض مقارنة بأنواع الضباع الأخرى بفكين ضعيفين، وأسنان حادة صغيرة لأنه يتغذى بالأساس على النمل الأبيض، يلتقطه بلسانه اللزج. ولذئب الأرض سمع متطور يساعده على تعقب الحشرات والنمل في الأرض. يختبئ ذئب الأرض في الجحور في النهار وينشط في الليل. وقد ينبش الأرض بمخالبه الحادة بحثاً عن النمل وبقية الحشرات. ولولا الجسم المخطط كالضباع المخططة لكان أقرب في شكله من مجموعة الكلاب، ولهذا سمي بذئب الأرض Aardwolf غير أنه لا يأكل اللحم بل يلتقط النمل بلسانه اللزج فيكفيه في اليوم نحو 300 ألف نملة أي بمعدل 1.2 كغ من النمل كل ليلة. والمشكلة أنه في الليالي الباردة وأيام المطر يبقى النمل في باطن الأرض فيتحول للبحث عن أغذية أخرى أقل أهمية من النمل، فيجوع ويهزل ويفقد ربع وزنه. وقد تموت بعض جرائه جوعاً كما قد تفترسها الحيوانات الأخرى مثل النمور والأسود.
ينتشر ذئب الأرض في السهول المفتوحة والأراضي العشبية ومنطقة السافانا، ويتحمل الجفاف ونقص الماء لكنه يبتعد عن الغابات والصحاري الحارة والجافة، وذلك في منطقتين منفصلتين في شرق أفريقيا وغربها. أما عن التكاثر فيقترن الذكر بأنثى واحدة وربما بثانية وفقاً لطبيعة البيئة التي يعيش فيها، ويتم التزاوج في مدار ثلاثة أيام وتحمل الأنثى بعدها بـ 5-2 جراء . ويعد ذئب الأرض من الحيوانات المهددة بالانقراض، فالمناطق العشبية والمراعي الغنية بأعشاش النمل هي بيئته المفضلة، غير أن انتشار التصحر والجفاف ورش المبيدات الحشرية ينتج عنه إبادة النمل. وعلى الرغم من أنه لا يأكل اللحم فإنه يتعرض للصيد والإبادة لاتهامه بمهاجمة حملان الغنم الصغيرة.