ابتكار معالجة المياه باستخدام الموارد المحلية
مسار عبدالرحمن الصليلي من الرياضيات إلى حلول المياه المستدامة
لم يكن عبدالرحمن الصليلي يتوقع أن يبني مسيرته البحثية حول المياه؛ فبعد أن قاده حبه للرياضيات إلى الحصول على درجة البكالوريوس والماجستير في الهندسة المدنية من جامعة الكويت، حصل بعد ذلك على منحة دراسية للحصول على درجة الدكتوراه في جامعة تكساس بأوستن. ولكن المنحة كانت في مجال الهندسة البيئية. وقد دفعه بحثه الناتج عن ذلك في مجال معالجة المياه، كما اتضح، إلى مجال بحثي ذي أهمية لا تُقدَّر بثمن، بالنسبة إلى منطقة الخليج بأكملها؛ إذ يقول الصليلي: «الكويت بلد غني، ولكن من ناحية أخرى، فهي فقيرة جدًّا في المياه».
وكأستاذ للهندسة المدنية في جامعة الكويت، سعى الصليلي لاستخدام مهاراته العلمية للمساهمة في حل مشكلات منطقة قاحلة؛ فعلى الرغم من أن الكويت هي واحدة من أكثر الدول التي تعاني نقص المياه في العالم، فإنها لا تتصرف على هذا النحو بالتأكيد؛ إذ يُصنَّف استهلاك الفرد من المياه في البلاد على أنه أحد أعلى المعدلات في العالم؛ حيث يستهلك الفرد أكثر من أربعمئة لتر من المياه يوميًّا. ويتدفق ما يقرب من ثلاثة أخماس هذه المياه من شبكة تقوم على أقل من اثنتي عشرة محطة لتحلية المياه، في حين يُستخرَج خمس آخر من المياه الجوفية النادرة والمستنزفَة في المنطقة ككل، والتي غالبًا ما تكون شديدة الملوحة؛ بحيث يتعين خلطها بعد ذلك مع إمدادات المياه المُحلَّاة، أو استخدامها لأغراض غير الشرب، مثل: الري أو البناء.
أما الخمس المتبقي من موارد المياه في الكويت، فيأتي من مياه الصرف الصحي المُعالَجة (وهو ما يجعل الكويت – إلى جانب دول أخرى صغيرة الحجم، تعاني ندرة المياه، مثل قطر وسنغافورة – دولة رائدة على مستوى العالم بعض الشيء). ولكن هذا النجاح قد لا يكون كافيًا لمواجهة أزمة الموارد المقبلة؛ إذ تشير التوقعات الحالية إلى أنه بحلول العام 2050 فإن منطقة الخليج بأكملها قد تفقد ما يصل إلى نصف نصيب الفرد من المياه المتاحة، وهو ما يقل كثيرًا عن احتياجاتها المستقبلية.
ولكن الصليلي أكمل أخيرًا مشروعًا، بتمويل من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، قد يوفر تكتيكًا إبداعيًّا يساعد على معالجة هذا النقص الوشيك. وفي تقريره الختامي بعنوان «استخدام بذور التمر كمواد نفايات في معالجة مياه الصرف الصحي»، استعرض الصليلي إمكانات التمر الذي تستهلك الكويت 750 ألف طن منه سنويًّا، كنوع طبيعي وذي أسعار معقولة من أنواع المرشحات البيولوجية لمياه الصرف الصحي.
إن هذه ليست المحاولة الأولى التي يقوم بها المهندسون لاستخدام منتج النفايات الزراعية؛ إذ تنصب حاليًا الأبحاث على إدارة النفايات وتشهد ذروة غير مسبوقة؛ حيث تسعى كل بلدية على وجه الأرض إلى إيجاد طرق لانتزاع القليل من الفائدة من النفايات (مع الحد – في الوقت نفسه – من العبء المتزايد المتمثل في مكبات النفايات غير الصحية التي تستهلك كميات كبيرة من الأراضي). وقبل أحدث منشورات الصليلي، كان قد قدم أيضًا ورقة بحثية في مؤتمر بعنوان «الفحم الحيوي القائم على النفايات الزراعية كممتص منخفض التكلفة لمعالجة المياه»، والتي بحثت في إمكانات ليس فقط أنوية التمر، ولكن أيضًا قشور الموز، وأنوية النبق، وبقايا القهوة.
ويقول: «ولكن عندما قرأت الأدبيات، فإن أحد الأشياء التي لفتت انتباهي هو أنهم تحدثوا عن أنوية التمر كأنها كلها متشابهة». ويتابع قائلا: «ولكن لدينا أصنافًا مختلفة! كبيرة وصغيرة، لذا عندما نتحدث عن الكربون المنشَّط Activated carbon الذي يمكننا إنتاجه، فهل كل هذه الأنوية متشابهة أم لا؟ ظلت هذه الفكرة تدور في رأسي».
ولقد أثبتت فرضية الصليلي، كما اتضح، أنها مثمرة بشكل خاص؛ فبالتعاون مع المؤلِّفَين المشاركَين عبدالرحمن الرفاعي (من جامعة الكويت أيضًا)، وهيكتور غارسيا (من معهد IHE Delft Institute for Water Education، في هولندا)، انتهى الصليلي إلى اختبار مجموعة مدهشة من تسعة أصناف مميزة من التمور. وبعد اختيار أنوية أصغر حجمًا للخضوع لهذه العملية (بأقطار تتراوح بين 0.3 و0.85 ملم)، شطف الباحثون أنوية التمور وجفّفوها جيدًا لمدة أربع وعشرين ساعة لتحضيرها لعملية «التنشيط» Activation، وهي عملية معالجة تملأ الأنوية بثقوب صغيرة مسامية. وتساعد هذه المعالَجة على زيادة مساحة سطح الأشياء المنشطة بشكل كبير، من خلال منحها بنية مجهرية تشبه «الإسفنج» يمكن للجزيئات أن تلتصق بها.
وعلى الرغم من أن كل صنف أثبت نظريًّا قدرته على العمل بديلًا للكربون المنشط؛ فإن أكثر الأنواع التي أثبتت أنها أكثر فعالية – بنحو سبعة أو ثمانية أضعاف من الأصناف الأخرى، على سبيل المثال – نجح صنف الخْلاص والخَضَري بشكل خاص في التنشيط. ولكن في حين أظهر الخَضَري بنية مسامية أفضل؛ فقد تفوق نوع الخْلاص في النهاية؛ فقد أثبتت مسام الخْلاص – كونها أقل عددًا، ولكنها أكبر قطرًا – أي أنها أقل عرضة للانسداد.
وفي المحصلة، وجد الصليلي أن أنوية الخْلاص المنشطة يمكن أن تحقق معدلات امتصاص تصل إلى %71 (مقارنة بالفحم المنشط المتوافر تجاريًّا). وإضافة إلى ذلك، يمكن إنتاج أنوية التمر المنشطة – وهي منتج نفايات كان من الممكن أن ينتهي به المطاف في مكبات النفايات في الكويت – بتكلفة أقل بنسبة %55. وفي الوقت نفسه، تمثل هذه الأرقام نتائج مبكرة، تم تحقيقها بالموارد المحدودة المتاحة لمختبر الصليلي. وإذا أمكن تسويق أنوية التمر المنشَّطة تسويقًا صحيحًا، وإنتاجها على نطاق واسع؛ فقد توفر معدلات أعلى في الفاعلية، وتكاليف إنتاج أكثر اقتصادًا.
وقد تكون أنوية التمر المنشطة مفيدة أيضًا عند تطبيقها على أحد المنتجات الثانوية الرئيسية لصناعة النفط الكويتية، وهو مزيج من النفط والماء والمواد الصلبة العالقة المعروفة باسم «مياه الإنتاج» Produced water. وعلى الرغم من أنه لا يمكن معالجة هذه المياه للاستخدام العام؛ حيث إن ملوحتها العالية تجعلها غير صالحة حتى للري؛ فقد بحث الصليلي أيضًا ما إذا كانت أنوية التمر المُنشَّطة تسمح بترشيح المياه المُنتَجة بطريقة يمكن إعادة حقنها في آبار النفط الكويتية.
في أكتوبر 2023، شغل الصليلي منصب رئيس أول ندوة هندسية لدول مجلس التعاون الخليجي بجامعة الكويت، على أمل جمع زملائه الباحثين لمعالجة هذه التحديات المُلحَة، يقول الصليلي: «الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية… لدينا جميعًا المشكلات نفسها، لدينا الثقافة نفسها، ولدينا التحديات نفسها، ربما المشكلة نفسها التي أعمل عليها هنا في الكويت، تعمل عليها مجموعة أخرى في قطر، لماذا يجب أن نكرر أنفسنا؟ يجب أن نوحد جهودنا».
«هذا ما أحبه في الهندسة البيئية»، كما يقول الصليلي. ويتابع قائلا: «نعم، يمكنك بناء بعض المباني، أو زيادة قوة الخرسانة أو الفولاذ، ولكن إذا سعيت إلى عمل الخير لصالح البيئة، فيمكنك التأثير في حياة الجميع».