الطب وصحةوباء الكورونا

الوجه الخفي للجائحة: الأثر النفسي لكوفيد19- على العاملين في مجال الرعاية الصحية في الكويت

في أوائل العام 2020، صنفت منظمة الصحة العالمية انتشار كوفيد – 19 على أنه جائحة عالمية، وأعلنت حالة الطوارئ الصحية العامة. وبينما اضطر الكثير منا إلى الالتزام بإجراءات الحظر، والتحول إلى الدراسة والعمل من المنزل، طُلب إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية مواصلة العمل بكامل طاقتهم لرعاية المرضى المصابين بالمرض. لقد ثبت أن لشيوع عدم اليقين والاضطراب الناجمين عن الجائحة تأثيرا كبيرا في صحتنا النفسية الجماعية، وبشكل أكثر حدة في العاملين في مجال الرعاية الصحية، الذين ما زالوا يعملون في ظل حالة الطوارئ بسبب متحورات الفيروس التي تواصل انتشارها.

في بداية الوباء، كانت سارة الكندري، مساعدة الأبحاث ورئيسة لجنة رعاية الحيوان والأخلاقيات في معهد دسمان للسكري، ضمن مجموعة من المتطوعين في الخطوط الأمامية الذين لبوا النداء لمساعدة الطاقم الطبي على إجراء اختبارات تفاعل البوليميريز المتسلسل (PCR) للأشخاص الذين يصلون إلى المستشفى على متن طائرات الإجلاء. معلوماتها في مجال علم الوراثة جعلتها على دراية بالاختبار كأداة بحث صارت تُستخدم لتشخيص كوفيد – 19.

عندما بدأت سارة الكندري العمل في أبريل 2020، كان قد مضى شهران على انتشار الجائحة، وكانت تلك تجربتها الأولى في مجال الرعاية الصحية في مختبر إكلينيكي. وصفت تلك التجربة بأنها مضنية؛ فقد عملوا في نوبات طويلة استمرت حتى الثالثة أو الرابعة صباحًا – وأحيانًا أطول من ذلك، حسب حجم العمل المطلوب إكماله.

قالت الكندري: “على الرغم من أنني كنت هناك كمتطوعة وبإمكاني المغادرة عندما أنهيت فترة الأسابيع الستة فإنني كنت أشعر بالإرهاق… ودفعني ذلك للتفكير في العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين كانوا يؤدون عملهم من دون تحديد مدة معينة لانتهائه”.

بناءً على معرفتها بأنظمة الرعاية الصحية وتعاونها مع أطباء من مختلف المجالات، بدأت الكندري بالبحث في التأثير النفسي لوباء كوفيد19- في العاملين في مجال الرعاية الصحية في الكويت.

 

بمساعدة الطبيب النفسي محمد السويدان، استخدمت الكندري والمتعاونون معها في البحث استبيانات تم التحقق من صلاحيتها لقياس أمور مثل الاكتئاب والقلق والرفاهية بين العاملين في مجال الرعاية الصحية. وبالاستعانة بمسح منظمة الصحة العالمية للرفاهية واستبيان صحة المريض (PHQ)، ومسح اضطراب القلق العام (GAD)، تمكن الفريق من قياس الصحة النفسية لدى 378 من العاملين في مجال الرعاية الصحية خلال الأسبوعين الأولين من شهر يوليو 2020.

قالت الكندري: “لقد استخدمنا شيئًا يسمى تقنية جمع العينات المتسلسلة Snowball Gathering Technique، وهي عندما نرسل الاستبيان إلى شخص ثم يرسله بدوره إلى آخرين ضمن شبكة اتصالاته… كان لدينا عدد من الأطباء في مختلف المجالات لمساعدتنا على جمع البيانات مثل د. مها عنبر ود. فاطمة الحجي من مستشفى الفروانية، وكذلك د. عصام العمد من مستشفى العدان”.

تظهر الدراسة أن هناك مستويات عالية من القلق والاكتئاب بين العاملين في مجال الرعاية الصحية بسبب ظروف العمل المُجهدة. فمن ناحية، أفاد %77 عن مستويات معتدلة من القلق و%20 عن أعراض القلق الشديد؛ ومن ناحية أخرى، أبلغ %83 عن بعض الاكتئاب، في حين أبلغ %9 عن اكتئاب حاد. للأسف، لم تكن هذه النتائج مفاجئة للفريق نظرًا لوجود ارتفاع عام في مستويات الاكتئاب والقلق بين العاملين في مجال الرعاية الصحية على نطاق عالمي.

قالت الكندري: “كلنا نواجه الضغوط نفسها؛ الخوف من مرض يهدد الحياة، وفقدان الأحبة، والعزلة الاجتماعية بسبب قيود الحظر، وتعطيل التعليم، والبطالة، وعدم الاستقرار المالي… تخيلي طاقمًا للرعاية الصحية يعمل على خط المواجهة لمكافحة الوباء مدة عامين، من دون إجازة، وهم أيضًا يواجهون ما نواجهه”.

مع دخول الجائحة عامها الثالث، يمكن أن يكون لهذا الضغط المطول على العاملين في مجال الرعاية الصحية عواقب وخيمة إذا لم يتم التعامل معه على النحو الصحيح. لقد ثبت أن الدعم الاجتماعي يقلل الضغط النفسي الذي يعاني منه مقدمو الرعاية الصحية أثناء الجائحة. فوفقًا لنتائج مشروع البحث، أبلغ المشاركون المتزوجون عن مستوى أقل من تواتر القلق والاكتئاب ومن شدة أعراضهما مقارنة بالمشاركين غير المتزوجين. على سبيل المثال، العاملون في مجال الرعاية الصحية غير المتزوجين أكثر عرضة بنسبة %12.4 للإصابة بالاكتئاب الشديد مقارنة بالعاملين في مجال الرعاية الصحية المتزوجين.

قالت الكندري: “لقد وجدنا أن استجابات الإجهاد من مثل سوء التغذية، وإيذاء الذات، والتفكير في الانتحار، كانت أكثر تواترًا لدى العاملين في مجال الرعاية الصحية غير المتزوجين، مما يقودنا إلى الوجه التام للكيفية التي يؤثر وفقها الدعم الاجتماعي، المتمثل في هذه الحالة في الشراكة، بشكل كبير في قدرة العاملين على التعامل مع الضغوط اليومية”. وأضافت أن ” إيجاد طرق لإنشاء شبكة اجتماعية داعمة أوسع ضمن وضع يمثل ضغوطًا عالية قد يؤثر بشكل إيجابي في الصحة النفسية للعاملين في هذه الأوقات الصعبة. التدابير الداعمة القائمة على الأدلة ضرورية لمساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية على الحفاظ على صحتهم النفسية”.

لا يؤثر الإرهاق بين العاملين في مجال الرعاية الصحية سلبًا في العمال أنفسهم فحسب، بل يؤثر أيضًا في المرضى ونظام الرعاية الصحية ككل. تحث المؤسسات الطبية ومؤسسات الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم الحكومات على تنفيذ تدابير داعمة قائمة على الأدلة تستهدف على وجه التحديد الصحة النفسية للعاملين في مجال الرعاية الصحية، وإلا فإنها ستكون معرضة لخطر إجهاد نظام الرعاية الصحية ودفع العاملين فيه إلى التخلي عن المهنة.

وفقًا لتقرير صادر عن مجموعة الخبراء العلميين وقادة الأنظمة الصحية الاستشارية في مجال كوفيد19- في أونتاريو بكندا، Ontario COVID-19 Science Advisory Table، فإن التعويض المالي، وجداول العمل، وطول النوبات المناسبة، إضافة إلى شبكات الدعم هي بعض الطرق التي يمكن من خلالها تخفيف الإرهاق النفسي والبدني لدى الطاقم الطبي. وربما يساعد مزيد من الأبحاث التي تُجرى محليًا على وضع السياسات التي تستهدف توفير الاحتياجات المحددة للعاملين في مجال الرعاية الصحية في الكويت.

بقلم منيرة اليحيى

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

زر الذهاب إلى الأعلى