مؤشر الابتكار العالمي لعام 2021.. العلم والتكنولوجيا في ضوء أزمة كوفيد-19
بينما يتطلع العالم إلى الانتعاش من جائحة كوفيد-19، يتبين أن الابتكار لا غنى عنه في التصدي للتحديات المشتركة التي تواجه العالم وبناء مستقبل أفضل لمجتمعاته.
محمد الحسن
كاتب علمي
على الرغم من الأثر الهائل الذي أحدثته جائحة كوفيد-19 على البشرية، وتداعياتها على جميع مجالات الحياة، فإن مؤشر الابتكار العالمي لعام 2021 بيَّن أن قطاعات عديدة أظهرت قدرة ملحوظة على الصمود، لاسيما تلك التي تبنت الرقمنة والتكنولوجيا والابتكار. وفي الوقت الذي يتطلع فيه العالم إلى الانتعاش من الجائحة بعد مرور نحو 18 شهرا على بدئها، يتبين أن الابتكار يعد من الأمور التي لا غنى عنها في التصدي للتحديات المشتركة التي تواجه العالم وبناء مستقبل أفضل لمجتمعاته.
ومؤشر الابتكار العالمي هو أداة فريدة لإرشاد واضعي السياسات والشركات إلى كيفية رسم خطط مناسبة لضمان أن يكون العالم أقوى عند خروجه من الجائحة. ويقدِّم إصدار عام 2021 من ذلك المؤشر أحدث تصنيف عالمي للابتكار في 132 اقتصاداً بالاستناد إلى 81 مؤشراً مختلفاً. وإلى جانب تتبع أحدث اتجاهات الابتكار العالمية في متعقب الابتكار العالمي الجديد، يركز هذا الإصدار أيضاً على تأثير جائحة كوفيد-19 في الابتكار.
وتوفر الصيغة الشاملة التي يستخدمها مؤشر الابتكار العالمي في قياس القدرة الإبداعية للاقتصاد ومخرجاته الوضوح لمتخذي القرارات في الحكومة والمنشآت التجارية وغيرها وهم يتطلعون إلى وضع سياسات تمكن شعوبهم من الابتكار والإبداع بكفاءة أكبر.
مراتب عالمية وعربية
في العشرين من سبتمبر الماضي أصدرت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) في جنيف، تقريرها السنوي الجديد لمؤشر الابتكار العالمي، معلنة فيه تصدر سويسرا المركز الأول عالميا في ذلك المؤشر للسنة الحادية عشرة على التوالي، في حين جاءت السويد في المرتبة الثانية ثم الولايات المتحدة، ثم المملكة المتحدة تلتها جمهورية كوريا في المركز الخامس (لتدخل للمرة الأولى قائمة البلدان الخمسة الأولى في مؤشر الابتكار العالمي)، وهولندا في المركز السادس، ثم فنلندا وسنغافورة والدنمارك وألمانيا.
وحلت الكويت في المرتبة 72 هذا العام متقدمة ستة مراكز عن العام الماضي حين كانت في المرتبة الـ 78، في ما تقدمت الامارات مركزا واحدا عن تصنيف العام الماضي لتحتل المرتبة الـ 33 عالميا والأولى عربيا وخليجيا. وجاءت السعودية في المرتبة الثانية عربيا وخليجيا بعد الإمارات محتلة الترتيب الـ 66 عالميا، وهو نفس ترتيب العام الماضي، في حين جاءت قطر في المرتبة الثالثة خليجيا لتحتل المرتبة الـ 68 عالميا متقدمة مركزين، وجاءت تونس في المركز الرابع عربيا والمرتبة الـ 71 عالميا، وسلطنة عمان في المركز السادس عربيا والـ 76 عالميا.
تعزيز الاستثمار في الابتكار
أظهر التقرير أن الحكومات والشركات في أجزاء كثيرة من العالم زادت من استثماراتها في الابتكار، وذلك في ضوء الخسائر البشرية والاقتصادية الهائلة الناجمة عن جائحة كورونا، وبما يدل على اعتراف متزايد بأن الأفكار الجديدة تؤدي دورا محوريا في التغلب على الجائحة ولضمان النمو الاقتصادي فيما بعدها.
وتبين أن مؤشر الابتكار العالمي في ترتيبه السنوي لاقتصادات العالم من حيث القدرة على الابتكار ونواتج الابتكار يظهر أن بضعة اقتصادات فقط تتصدر الترتيب بانتظام، ومعظمها من الاقتصادات مرتفعة الدخل. لكن مع ذلك، فإن مجموعة من الاقتصادات متوسطة الدخل – بما فيها الصين وتركيا وفيتنام والهند والفلبين – تلحق بالركب وتغير مشهد الابتكار.
ووفقا لمنظمة (وايبو) فينما تستمر منطقتا أمريكا الشمالية وأوروبا في تصدر مشهد الابتكار العالمي من حيث المناطق، فإن الصين لا تزال الاقتصاد المتوسط الدخل الوحيد الذي دخل قائمة المراكز الثلاثين الأولى، في حين دخلت بلغاريا (35) وماليزيا (36) وتركيا (41) وتايلاند (43) وفيتنام (44) والاتحاد الروسي (45) والهند ( 46 ) وأوكرانيا (49) والجبل الأسود (50) قائمة البلدان الخمسين الأولى في المؤشر.
وذكر التقرير أن أمريكا الشمالية التي تضم الولايات المتحدة وكندا لا تزال هي المنطقة الأكثر ابتكارا في العالم، إذ تتصدر الولايات المتحدة مقاييس رئيسية مثل البراءات بحسب المنشأ وجودة الجامعات وتأثير المنشورات العلمية، كما أنها تستضيف أكبر عدد (24) من تجمعات العلوم والتكنولوجيا في العالم. أما على الصعيد الأوروبي، فإن سويسرا هي الرائدة إقليميا في مجال نواتج الابتكار ولاسيما في مجال البراءات بحسب المنشأ وإيداعات الملكية الفكرية. وفي الوقت الذي تتصدر فيه النرويج البلدان في استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والإنفاق على التعليم، فإن المملكة المتحدة تتصدر البلدان من حيث جودة الجامعات وتأثير المنشورات العلمية.
صمود الابتكار خلال الجائحة
خلص مؤشر الابتكار العالمي إلى أن الاستثمار في الابتكار أبدى صمودا كبيرا خلال جائحة كوفيد-19، وغالبا ما وصل إلى مستويات عالية لم يحققها من قبل، ولكن ذلك يختلف باختلاف القطاعات والأقاليم. وقد بلغ الاستثمار في الابتكار أعلى مستوى له على الإطلاق قبل انتشار الوباء، حيث حقق البحث والتطوير نموا بنسبة استثنائية بلغت 8.5 % عام 2019. وعندما ضرب الوباء، كان السؤال المهم يتمحور حول التأثير الذي سيخلفه على الابتكار. وتثبت الأدلة المستقاة من الماضي حدوث تراجع حاد في استثمارات الابتكار بسبب الأوبئة . ومع ذلك، استمر الإنتاج العلمي، ونفقات البحث والتطوير، وإيداعات الملكية الفكرية، وصفقات رأس المال الاستثماري في النمو في عام 2020. فازداد نشر المقالات العلمية في جميع أنحاء العالم بنسبة 7.6 %، وتواصل نمو مخصصات الميزانيات الحكومية للاقتصادات الأكثر إنفاقا على البحث والتطوير، وزادت الشركات العالمية المنفقة على البحث والتطوير، التي تتاح بيانات بشأنها، إنفاقها الإجمالي على البحث والتطوير بنحو 10 %، ووصلت إيداعات البراءات الدولية عبر (الوايبو) إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وكانت التكنولوجيا الطبية والمستحضرات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية وراء زيادة تلك الإيداعات بنسبة بلغت 3.5 % ، ونمت صفقات رأس المال الاستثماري بنسبة 5.8 %.
إن تسارع وتيرة تطوير لقاحات كوفيد-19 يعني تحقيق وعد التقدم التكنولوجي. ويستمر التقدم على قدم وساق في مجالات التكنولوجيا الأخرى – على سبيل المثال، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة المتجددة – مع إمكانية رفع مستويات المعيشة وتحسين صحة الإنسان وحماية البيئة.
نتائج المؤشر
من أهم النتائج التي خرج بها مؤشر الابتكار العالمي لعام 2021 هي:
1- ظل عدد قليل من الاقتصادات يحقق بثبات أعلى المستويات في أداء الابتكار، فقد احتلت كل من سويسرا والسويد والولايات المتحدة والمملكة المتحدة المراتب الـ5 الأولى في السنوات الثلاث الماضية، وانضمت جمهورية كوريا إلى المراتب الـ5 الأولى في مؤشر هذا العام. ولا تزال معظم البلدان ضمن الاقتصادات الـ25 الأولى في مؤشر الابتكار تنحدر من أوروبا.
2- تسعى الاقتصادات المتوسطة الدخل المختارة على تغيير مشهد الابتكار، بدءا من الصين وتركيا وفيتنام والهند والفلبين، وهي حاليا تكتسب ثقلها العالمي. ولا تزال الصين الاقتصاد الوحيد متوسط الدخل من بين الاقتصادات الـ30 الأكثر ابتكارا على مستوى العالم.
3- يفوق أداء العديد من الاقتصادات النامية ما هو متوقع في مجال الابتكار مقارنة بمستوى تنميتها الاقتصادية. فقد سجلت الهند وكينيا وجمهورية مولدوفا وفيتنام الرقم القياسي في الأداء فوق التوقعات في مجال الابتكار مقارنة بمستوى تنميتها للعام الحادي عشر على التوالي.
4- تفاوت التغييرات التي تشهدها جغرافية الابتكار العالمي. فأمريكا الشمالية وأوروبا تواصل ريادة الابتكار بعيدا عن الأقاليم الأخرى، في حين كان أداء الابتكار في جنوب شرق آسيا وشرق آسيا وأوقيانوسيا هو الأكثر ديناميكية في العقد الماضي، وهو الإقليم الوحيد الذي سد الفجوة في مجال الابتكار. أما شمال أفريقيا وغرب آسيا وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، ووسط وجنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – على الرغم من الأداء القوي لبعض دولها كإيران والإمارات- فقد ظلت متخلفة في الوراء بسنوات ضوئية.
5- ظهور تكتلات جديدة من العلوم والتكنولوجيا، مع تركز معظمها في يد قلة من البلدان. فلا يزال تكتل طوكيو – يوكوهاما للعلوم والتكنولوجيا، يليه تكتل شنزين – هونغ كونغ – غوانزو، الأفضل أداء. وتواصل الولايات المتحدة احتواءها على أكبر عدد من التكتلات، تليها الصين فألمانيا واليابان. وسجلت التكتلات في الصين أعلى زيادة في إنتاج العلوم والتكنولوجيا.
(وايبو) والمؤشر
المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو) هي المنتدى العالمي للخدمات والسياسة العامة والتعاون والمعلومات في مجال الملكية الفكرية. وقد أسست في عام 1967، وتعد إحدى وكالات الأمم المتحدة، وهي تمول نفسها بنفسها ويبلغ عدد أعضائها 193 دولة.
أما مؤشر الابتكار العالمي الذي صدرت طبعته الرابعة عشرة في عام 2021، فأصبح أداة قيّمة للقياس والمعايرة يمكنها أن تيسر الحوار ما بين القطاع العام والقطاع الخاص، ويمكن من خلالها لصانعي السياسات والشخصيات الرائدة في مجال الأعمال والأطراف المعنية الأخرى تقييم التقدم المحرز في مجال الابتكار على أساس سنوي.