العلوم البيئيةالعلوم الطبيعية

جزيرة النباتات.. جوهرة أسوان الخضراء

د. قاسم زكي
أستاذ الوراثة في كلية الزراعة بجامعة المنيا (مصر)

  • محمية طبيعية تقع وسط النيل وتحوي نحو 1000 نبات وتعد من أقدم الحدائق النباتية في العالم

لا تكتمل الجولة السياحية لأي زائر إلى مدينة أسوان الواقعة جنوبي مصر إذا لم تكن جزيرة النباتات إحدى المحطات الرئيسية فيها؛ فتلك الجوهرة الخضراء تعد أحد أهم المزارات السياحية في المدينة ومن أقدم الحدائق النباتية في العالم.

  تقع حديقة النباتات على جزيرة بكاملها، وهي جزيرة متوسطة الحجم بيضاوية الشكل ترقد في أحضان مياه النيل، في الجانب الغربي من نيل أسوان. وتبلغ مساحتها نحو 71 كم مربعا، وتحوي نحو ألف نبات، جلها استوائية ونادرة وليس لها مثيل في مصر. وتكسو الخضرة الزاهية والأزهار الملونة كل مساحتها. وبالقرب منها جزر أسوان الغنية بثرائها بالخضرة والصخور الغرانيتية.

سجل تاريخي

تعد جزيرة النباتات إحدى أقدم الجزر النيلية في مصر، وقد تكونت عبر ترسيبات طمي النيل على صخور الجزيرة الغرانيتية عبر ملايين السنين. وكان يستوطنها النوبيون منذ القدم، وسموها جزيرة (النطرون). واستخدمها الإنجليز في أواخر القرن التاسع عشر كقاعدة عسكرية لتوطيد احتلال السودان، حين هبط عليها اللورد الإنجليزي هوراشيو كتشنر Horatio Kitchener واتخذها نقطة ارتكاز لقواته  للهجوم على السودان عام 1898 لإخماد الثورة المهدية في الجنوب. فأصبحت مركزا لقيادة حملاته واستراحة له في آن واحد، حتى أصبحت تعرف بـ (منزل اللورد). وكان كتشنر مغرما بالنباتات، فحول الجزيرة إلى حديقة خلابة، وجلب لها أنواعا نادرة من النباتات من دول عدة، وسميت جزيرة السردار أو (جزيرة كتشنر) .

 وبعد رحيل كتشنر في 1928، وانتقال إدارة الجزيرة إلى وزارة الزراعة المصرية، غير الملك فؤاد الأول (حكم مصر من 1917-1936م) اسمها لتصبح (جزيرة الملك). ثم غير اسمها عقب ثورة يوليو عام 1952 إلى (جزيرة النباتات).

 محتويات فريدة

تضم الحديقة مجموعة نادرة من الأشجار والنباتات التي يتجاوز عمر بعضها مئة عام، وهي مقسمة إلى 27 حوضا من خلال أربعة ممرات طولية و تسعة ممرات عرضية. وتقسم تلك الأشجار والنباتات إلى مجموعات طبقا لطبيعة نموها، وأهمها مجموعة الأشجار الخشبية مثل خشب الأبنوس والماهوغني والصندل. وهناك مجموعة أشجار الفاكهة الاستوائية مثل الباباظ والجاك فروت.

والحديقة غنية بالنباتات الطبية والعطرية مثل السواك والتمر الهندي والخروب والقرنفل، وتزدان بنباتات التوابل مثل الشطة والفلفل الأسمر، وبنباتات الزينة مثل الفل والياسمين والتيوليب. وتمتلئ بالأشجار الزيتية مثل نخيل الزيت وجوز الهند والزيتون. ويلفت نظر الزائر مجموعة أشجار النخيل مثل نخيل الدوم وجوز الهند والتمر وأشجار النخيل الملوكي.

ويعود سبب التنوع الحيوي للنباتات في الجزيرة إلى اللورد كتشنر الذي وجد عندما نزل فيها بعض أنواع الحبوب مثل الذرة والبرسيم والقمح، وبعض أشجار الجميز ونخيل التمر ونخيل الدوم. لكن مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة أصدر كتشنر أوامره إلى الجنود الذين ينتمون إلى بلاد مختلفة مثل الهند ووسط أفريقيا بأن يأتوا عقب عودتهم من إجازاتهم بنباتات من بلادهم من أجل زراعتها في الجزيرة لتخفيف حدة الشمس، ومن هنا كان التنوع النباتي فيها.

 مشتى عالمي

 نظرا إلى قرب جزيرة النباتات من محمية جزر سالوجا وغزال، فإنها تتمتع بوجود بعض الطيور، سواء المقيمة في أسوان أم التي تزورها في طريق الهجرة الموسمية، كالنوارس والبلاشونات واللقلق الأبيض والأسود والعقاب النسارية والصقور والعصفور الدوري.

والجزيرة من الأماكن المناسبة لمحبي رياضة المشي والجري لأنها تحتوي على ممرات محاطة بالأشجار. ويلجأ إليها السكان المحليون كمنتزه لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. وتزدحم الجزيرة بالزوار في فصل الشتاء، حيث شمس أسوان الدافئة ومناخها المعتدل الجاف، ومن ثم فهي تعد أهم مشتى مصري منذ القدم.

 محمية طبيعية

شهدت الجزيرة تطورات كثيرة في الآونة الأخيرة، منها تكسية جوانبها لحمايتها من الانجراف، ووضع ممرات مغطاة بالغرانيت الأسواني الوردي كفاصل بين قطاعات الحديقة، وإنشاء بيوت زراعية مغطاة (صوب) ومشاتل لإكثار النباتات، وتجهيز ثلاثة مراس لاستقبال القوارب.

وتمارس الجزيرة دورها كمحمية طبيعية لحفظ التنوع الحيوي، وكمركز علمي وبحثي يحوي مكتبة علمية وتعقد به ندوات علمية ودورات تدريبية. وفيها معشبة نباتية تحوي عينات مجففة لكل أشجار الحديقة ومعلومات كاملة عنها. وفيها مختبرات (معامل) حديثة منها مختبر زراعة الأنسجة النباتية. وهذا جعلها مقصدا للمهتمين بدراسة الجيولوجيا والبيولوجيا القديمة، وللمهتمين بنباتات المناطق المعتدلة والاستوائية.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى