تكنولوجيافضاء

السبات البشري..

فكرة مستقبلية في السفر الفضائي

  • الوكالة ناسا تبحث منذ عام 2014 فكرة السبات الطويل كوسيلة محتملة لتسهيل السفر إلى الفضاء
  • السبات البشري يحمي رواد الفضاء من خطر الإشعاعات الكونية وتداعيات انعدام الجاذبية ومرض حمى المقصورة

حسن الخاطر
باحث وكاتب علمي (السعودية)

تستغرق رحلة السفر إلى المريخ نحو سبعة أشهر بالتقنيات الحالية، في حين نحتاج إلى نحو تسع سنوات للوصول إلى الكوكب القزم بلوتو. وعندما نريد الذهاب إلى النجم ألفا سنتوري الذي يبعد عن الأرض أكثر من أربع سنوات ضوئية سوف يمتد بنا الزمن إلى 70 ألف سنة! وبناء على ذلك، فإن الزمن الطويل يشكل تحديا كبيرا في الرحلات الفضائية، فهل تتحقق فكرة السبات البشري كحلٍ لذلك أو أنها ما تزال بعيدة المنال؟

تلجأ العديد من الحيوانات، مثل الدببة والسناجب والقنافذ في فصل الشتاء، إلى ممارسة ظاهرة فسيولوجية غريبة تشبه الموت تعرف باسم السبات الشتوي Hibernation بهدف الحفاظ على الطاقة، من خلال تعليق وتقليل عمل الوظائف الفسيولوجية لتكون بحدها الأدنى للبقاء على قيد الحياة، مثل هبوط درجة حرارة الجسم وتباطؤ عملية التنفس وقلة التمثيل الغذائي وانخفاض معدل نبضات القلب. وهذه الاستراتيجية التي تمارسها الحيوانات ألهمت علماء الفضاء تطبيقها على البشر في الرحلات الفضائية خلال المستقبل القريب كالسفر إلى المريخ.

   وعلى المدى الطويل سيتجه العلماء إلى وجهات أبعد من المريخ وخارج مجموعتنا الشمسية. وتبحث وكالة الفضاء ناسا منذ عام 2014 فكرة السبات الطويل كوسيلة محتملة لتسهيل السفر إلى الفضاء، في حين تأمل وكالة الفضاء الأوروبية إيسا تحقيق السبات البشري خلال العشرين سنة المقبلة بهدف السفر إلى المريخ.

  وتناولت العديد من أفلام الخيال العلمي فكرة السبات البشري في السفر إلى الكواكب البعيدة؛ ففي فيلم الخيال العلمي باسنجرز Passengers الذي أنتج في عام 2016، تنطلق المركبة الفضائية أفالون Starship Avalon من كوكب الأرض في رحلة طويلة مدتها 120 عاما، متجهة إلى مستعمرة في كوكب (هومستيد 2) Homestead II، وجميع من كانوا بداخلها في سبات اصطناعي.

تطبيقات واعدة

يتضمن السبات البشري مزايا كثيرة، فعلى الصعيد الطبي هناك الرعاية الطارئة والحفاظ على الأعضاء، كما يستخدم الجراحون في الحالات الصعبة تبريد الجسم أثناء الجراحة التي تتطلب إيقاف نبضات القلب لفترة طويلة نسبيا، مما يسمح للدماغ والأعضاء الأخرى بالبقاء مدة أطول أثناء غياب إمدادات الطاقة عنهم. وأصبحت تقنية تبريد جسم الإنسان جزءا من الممارسة الجراحية، وتوسعت خلال السنوات القليلة الماضية بسبب التقدم الطبي لتشمل الأطفال حديثي الولادة الذين يعانون نقص الأكسجين.

  وللسبات البشري تطبيقات طبية واعدة في المستقبل، كتأخير الشيخوخة وإطالة العمر ومعالجة الأمراض الخطيرة التي تهدد الحياة من خلال تفعيل العلاج المحدد لها عن طريق كسب المزيد من الوقت المستقبلي. وسيكون السبات البشري إحدى طرائق العلاج في المستقبل، لكنه سيكون مقيدا بالجانب الأخلاقي.

وعلى صعيد الرحلات الفضائية هناك مزايا عدة عند تطبيق هذه التقنية، منها تقليل التكلفة الاقتصادية؛ فكتلة المركبة الفضائية يمكن تقليلها بمقدار الثلث وتكون بحجم أصغر في حال تطبيق السبات على رواد الفضاء، وذلك بسبب عدم حاجتهم إلى أماكن عمل واسعة النطاق أو غرف للتمارين الرياضية أو مساحة لتخزين المواد الاستهلاكية مثل الطعام والماء. وستكون لهذه المزايا انعكاسات إيجابية؛ فعندما تكون المركبة الفضائية أصغر حجما وأخف وزنا ستتطلب قوة دفع أقل للانطلاق بها، وهذا سيؤدي إلى طاقة أقل وتوفير هائل في الموارد والنفقات، إضافة إلى أن السبات يحمي رواد الفضاء من الإشعاعات الكونية الخطيرة لكونهم في حجيرات خاصة تزود بحقل مغناطيسي يشكل درع حماية لهم من تلك الإشعاعات.

الحد من الأخطار

  وثمة أبحاث حديثة توضح الكيفية التي يمكن بها للسبات أن يخفف من الخطر الذي تشكله الإشعاعات الكونية بسبب كبح عملية التمثيل الغذائي، فعندما يدخل رواد الفضاء في السبات فإن أجسامهم تنجو من الإشعاعات الكونية ومن حدوث تلف كبير في الخلايا. والسبب في ذلك هو الحد من العمليات البيوكيميائية والإجهاد التأكسدي المفرط إضافة إلى انخفاض استهلاك الأكسجين. ويمنع السبات البشري الآثار السلبية الناتجة عن انعدام الجاذبية التي تشكل خطرا كبيرا على رواد الفضاء، مثل اضطرابات التوازن وضعف البصر وضمور عضلة القلب.

   وهنالك جانب يتعلق بمرض نفسي ينتج عن العزلة والحبس لفترة زمنية طويلة يسمى حمى المقصورة Cabin Fever ربما يتعرض له رواد الفضاء نتيجة وجودهم في غرفة معدنية تسبح بهم في الفضاء مدة زمنية طويلة، ومن الواضح أن السبات سيقدم حلا ناجعا لهذه المشكلة.

وابتكر باحثون من وكالة الفضاء الأوروبية تصميما تخيليا لمركبة فضائية صممت بما يتناسب مع الخدمات اللوجستية والحماية من الإشعاعات الكونية والكفاءة في استهلاك الطاقة، لتكون جاهزة للسفر إلى المريخ خلال العشرين سنة المقبلة. ويستعين الفريق بالذكاء الاصطناعي لإدارة المركبة بما في ذلك حجيرات السبات الاصطناعي.

تجارب علمية

على صعيد الأبحاث والتجارب العلمية في السبات الاصطناعي بالنسبة إلى الحيوانات، فقد استطاع باحثون من جامعة هارفارد جعل فئران يعيشون في حالة سبات اصطناعي لعدة أيام من خلال تحفيز مناطق معينة في أدمغتهم في منطقة ما تحت المهاد Hypothalamus التي تتحكم في حالة السبات. ونشروا نتائج دراستهم في مجلة نيتشر في يونيو الماضي. وهنالك دراسة أخرى مشابهة نشرت في المجلة نفسها أجراها باحثون من جامعة تسوكوبا في اليابان أثبتت النتائج نفسها.

إن فهم العملية التي تتحكم في السبات لدى الفئران والحيوانات الأخرى سيكون خطوة واعدة نحو دراستها على البشر، وفي حال نجاحها ستكون لها تطبيقات عدة مثل منع إصابة الدماغ أثناء السكتة الدماغية مما يتيح علاجات جديدة لأمراض التمثيل الغذائي، وستفتح الطريق أمام رواد الفضاء للسفر إلى كوكب المريخ أو الكواكب البعيدة.

إن دراسات السبات الطبيعي للثدييات من خلال البحث في مسارات الدماغ التي تُنشط أو تحظر لبدء عملية السبات تمثل طريقا محتملا نحو السبات البشري، كما أن التقدم الملحوظ في العلوم الطبية الحيوية والهندسة الوراثية والبيولوجيا التركيبية وتقنيات التبريد والذكاء الاصطناعي يقربنا من هدفنا أكثر. وهذا يعني أن الحصول على شكل من أشكال السبات لدى الإنسان بهدف السفر في الفضاء ليس بعيدا، ولن يكون مقتصرا على أفلام الخيال العلمي.

التمثيل الغذائي

يعرف التمثيل الغذائي أو الأيض Metabolism بأنه جميع العمليات الكيميائية التي تحدث داخل الجسم للبقاء على قيد الحياة مثل تحويل الطعام إلى طاقة من خلال التفاعلات الكيميائية. لذلك فإن عملية إبطاء التمثيل الغذائي للبشر لفترات طويلة مع البقاء على قيد الحياة صعبة جدا لكنها غير مستحيلة؛ ففي عام 1999، سقطت عالمة الأشعة آنا باغينهولم                           Anna Bagenholm في مجرى متجمد أثناء ممارستها التزلج في النرويج، وبقيت تحت الجليد أكثر من 80 دقيقة ودخلت حالة الموت السريري Clinical Death، فقد توقف قلبها وأصبحت غير قادرة على التنفس وانخفضت درجة حرارة جسمها إلى 13.7 درجة مئوية. ومع ذلك قام الأطباء بعكس عملية التجميد، وذلك من خلال  تسخين دمها تدريجيا، فبدأ جسمها في الشفاء ببطء حتى شفيت تماما في اليوم الثاني عشر. وهذا يعني أن لدى البشر قدرة على التعافي من حالة انخفاض التمثيل الغذائي بشكل شديد.

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى