الطب وصحةبيولوجياعلم الأحياء التطوري

استنساخ النياندرتال هل تصبح أفكار الخيال العلمي واقعا؟

- فكرة استنساخ النياندرتال في الوقت الحالي بعيدة المنال من الناحية التطبيقية بسبب مشكلات عديدة لاسيما الأخلاقية، لكنها ربما تكون متاحة في المستقبل القريب.

حسن الخاطر
كاتب علمي ، (السعودية)

عاش الإنسان البدائي المعروف باسم نياندرتال Neanderthal على وجه الأرض قبل ظهور الإنسان الحديث بفترة طويلة. وقد انقرض قبل نحو 30 ألف سنة مخلفا وراءه سجله التاريخي الأحفوري من الهياكل العظمية والجماجم، فهل تستطيع تقنيات الهندسة الوراثية المستقبلية استنساخه؟!

تجارب الاستنساخ

تعود تجارب الاستنساخ إلى عام 1928، وذلك عندما أجراها عالم الأجنة الألماني الحائز جائزة نوبل هانس شبيمان              Hans Spemann بهدف تكاثر أجنة حيوان السمندل Salamander. وبعد عقد من الزمن اقترح فكرة توليد الحيوانات المستنسخة عن طريق النقل النووي لكنه لم يجرِ التجربة لقصور التقنية حينذاك. وفي عام 1958 استنسخ عالم الأحياء البريطاني الحائز جائزة نوبل جون غوردون  John Gurdon ضفدعا.

في عام 1996 حدثت قفزة كبيرة في الاستنساخ؛ إذ استنسخت النعجة دولي، وهي أول حيوان ثديي يتم استنساخه. وبعد عدة سنوات من هذا النجاح توسعت تقنية الاستنساخ لتشمل حيوانات ثديية أخرى بما فيها الكلاب والخنازير والخيول والأبقار. وفي عام 2018 أعلن علماء صينيون استنساخ قردين من الرئيسيات التي تضم الإنسان في خطوة تعد الأولى من نوعها في العالم.

من الناحية النظرية فإننا نملك القدرة على استنساخ البشر لكن هذه العملية محظورة من الجانب الأخلاقي في كثير من الدول، وهناك مخاوف من تطبيق الاستنساخ على البشر في الصين بعد نجاح العلماء في استنساخ القرود غير أن العلماء الصينيين ذكروا أنهم لا يخططون لاستنساخ البشر، وأنهم مهتمون بإنتاج قرود متطابقة وراثيا. إن استنساخ الإنسان يعني إيجاد نسخة منه أي توأم له. ويتوقع غوردون أن يكون استنساخ البشر ممكنا في المستقبل، وأن الآباء الذين فقدوا أبناءهم في الحوادث قد يتمكنون من الحصول على نسخة لهم بعد خمسة عقود. وعلى الرغم من تجريم الاستنساخ البشري في كثير من الدول فهذا لا يعني عدم وجوده بشكل سري أو السماح به وإمكانية حدوثه في المستقبل.

الحيوانات المهددة بالانقراض

في عام 2003 حدث توجه نحو استنساخ الحيوانات المهددة بالانقراض، وحينها أعلن باحثون في إسبانيا أنهم تمكنوا للمرة الأولى في التاريخ من استنساخ عنزة جبلية برية منقرضة بنجاح تعرف باسم بوكاردو Bucardo. وعلى الرغم من ذلك النجاح فقد توفيت العنزة بعد بضع دقائق بسبب مشكلات في التنفس وعيوب في الرئة. وجرت العملية بتجميد أنسجة آخر حيوان من تلك السلالة (سيليا) في النتروجين السائل عند درجة 196 مئوية تحت الصفر. وبعد موته بسنوات قليلة تم استنساخه. ويشكل نجاح هذا العمل فكرة مشروع تخزين أنسجة وخلايا الحيوانات المهددة بالانقراض.

استخدمت في الأمثلة السابقة تقنية نقل نواة الخلية الجسدية (SCNT)، التي يتم فيها أخذ خلية البويضة من الحيوان وإزالة أنوية الخلية للتخلص من جميع شيفراتها الوراثية، ثم زرعها في خلية بويضة فارغة. توضع هذه البويضة الهجينة في رحم أم بديلة للحمل، وهذه بدورها ستضع مولودا يحمل خصائص جينية متطابقة تماما للخصائص الجينية للنواة المزروعة، ما يعني نسخة تماما من الحيوان المستنسخ، فالجينات هي التي تحكم الصفات الوراثية كلون الشعر مثلا، وهذا يعني أن العلم ربما يتجه في المستقبل إلى التلاعب في الجينات البشرية مما يسمح باختيار الآباء لجينات أطفالهم كلون العينين مثلا.

إبداعات الخيال العلمي

  شكلت تجارب الاستنساخ الناجحة أرضا خصبة لكتاب الخيال العلمي، ففي فيلم الحديقة الجوراسية Jurassic Park الذي أنتج في عام 1993، يشطح بنا الخيال العلمي إلى أقصى حدوده، إذ تتمحور فكرته حول إعادة الديناصورات التي انقرضت قبل نحو 66 مليون سنة إلى الحياة بواسطة استنساخها! وذلك عن طريق أخذ المادة الوراثية الخاصة بها من الحمض النووي (DNA) من الحشرات المحفوظة داخل الكهرمان، التي عاشت في تلك الحقبة الزمنية وتغذت على دماء الديناصورات!

وبعيدا عن الخيال العلمي، فمن غير الممكن الحصول على عينات صالحة من الحمض النووي للديناصورات بسبب الفترة الزمنية الطويلة التي تفصلنا عنها، والتي تقدر بنحو 66 مليون سنة، وهذه الفترة الزمنية أكبر بكثير من الفترة الزمنية لبقاء الحمض النووي، لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى الحيوانات التي انقرضت في فترة زمنية تسمح ببقاء الحمض النووي مثل الماموث الذي انقرض قبل 4000 سنة، إذ يأمل العلماء استخراج خلايا الماموث الحية التي تحتوي على الحمض النووي وإدخال البويضة النهائية في رحم أم فيل لانتمائهما إلى الفصيلة نفسها وقربهما من الناحية الجينية، أو استخدام رحم صناعية بدلا من ذلك. وهناك خطوات واعدة تسير في هذا الاتجاه ولاسيما بعد الحصول على أعداد من الماموث المجمدة في سيبيريا، وتلك البيئة المتجمدة حمتها من التحلل والحيوانات المفترسة. وقد درست عينات الماموث وتم التعرف إلى جينومه. وفي عام 2015 أدخل العلماء في جامعة هارفارد بنجاح الحمض النووي للماموث في جينوم الفيل.

ماذا عن النياندرتال؟ 

لكن بالنسبة إلى النياندرتال سيكون الأمر أصعب من ذلك بكثير؛ فهناك تحديات تقنية صعبة جدا ستواجهنا في استنساخ النياندرتال إضافة إلى الجانب الأخلاقي والتحديات الاقتصادية.

لنتخيل أن يخرج الإنسان القديم الذي عاش في بيئة بدائية وبسيطة جدا قبل عشرات الآلاف من السنين إلى الحياة في القرن الحادي والعشرين؟! بالطبع سيشكل العالم الحديث صدمة كبيرة له! وماذا لو كان النياندرتال يتصف بسلوك عدواني؟

  من الناحية التقنية فالفترة الطويلة التي تفصلنا عنه كافية لتحطيم خلاياه وحمضه النووي، فمتوسط عمر الحمض النووي 521 سنة، وهذا هو الزمن الذي يستغرقه نصف روابطه الكيميائية للتكسر.

إن التطورات الحديثة في مجال الهندسة الوراثية قد تجعل هذا الشيء ممكنا، وذلك باستخراج الحمض النووي من العظام وإزالة الحمض النووي الملوث بواسطة البكتريا التي استعمرت جسم الإنسان البدائي وإعادة بناء الجينوم من الأجزاء المتحللة والمتغيرة كيميائيا. ففي عام 2010 بدأ العلماء بدراسة عظام النياندرتال بحثا عن أجزاء من المادة الوراثية القابلة للحياة، ووضعوا المسودة الأولى للخريطة الجينية له. ولا يزال العمل مستمرا في هذا الشأن، وكلما عرفنا أكثر عن جينوم الإنسان البدائي اقتربنا أكثر من هدفنا.

  وبسبب أهمية دراسة جينوم النياندرتال،  تأسس مشروع جينوم النياندرتال The Neanderthal genome project، وهو تعاون علمي بين الشركات الأمريكية ومعهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية. إن الهندسة الوراثية ستسمح لنا بإجراء تعديلات على الحمض النووي في الخلية البشرية بشكل اصطناعي بحيث تتطابق جينيا مع الإنسان البدائي. وعلى الرغم من ذلك، فإن فكرة استنساخ النياندرتال في الوقت الحالي بعيدة المنال من الناحية التطبيقية؛ فحتى الآن لم يتم استنساخ أي إنسان وغالبا ما تواجه الحيوانات المستنسخة مشكلات صحية، والوفيات في تجارب الاستنساخ شائعة، كما أن العملية تستغرق العديد من المحاولات. لا تزال هناك الكثير من التحديات التقنية التي تحول دون تحقيق خيالنا، ومن غير المرجح أن نرى استنساخا للنياندرتال في وقتنا الحالي، لكن الفكرة ستبقى حبيسة الخيال العلمي، وربما تكون ممكنة في المستقبل القريب!

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى