العلوم الطبيعية

الإنسان وثروات الطبيعة …. أغلـى مـن الذهــب!

على الرغم من أن تربة الأرض تتكون من نحو 2000 معدن فإن المعادن الثمينة بين هذا العدد الكبير لا تتجاوز 16 معدنا! ومن المعادن الثمينة تتكون «الأحجار الكريمة«. وبين سائر مقتنيات الإنسان من متاع الدنيا لا يوجد ما هو أغلى من الذهب سوى الأحجار الكريمـة!

ومن قبيل الفضول العلمي، وليس من منطلق إسالة اللعاب أو الإغراء بالاقتناء، فإننا سنسرد في هذه المقالة بعض المعلومات المهمة عن عالم الأحجار الكريمة.

علم الأحجار الكريمة 

ترجع معرفة الإنسان بالأحجار الكريمة «Precious Stones» إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد حسبما يقدر المؤرخون. إلا أن هذه المعرفة لم تصبح «علما» بالمعنى الحقيقي إلا في العهـود القريبة. ويندرج علم الأحجـار الكريمة ضمن علم المعـادن «Mineralogy».

ووفقا لعـلم الأحجار الكريمة، فإن معـظم تلك الأحجار مكون من معادن الأرض. والمعدن هو أي مادة طبيعية غير عضوية لها تركيب كيميائي متميز وشكل بلوري معين. والمعادن التي تتقارب وتتشابه في تركيبها الكيميائي وشكلها البللوري، لكنْ تختلف في اللون، تكوّن جنساً

«Species» من المعـادن. فمثلا الياقوت الأحمــر «Ruby» والصفير «Sapphire» يعتبران من جنس واحد. وكذا يعتبر الزمـرد «Emerald» والزبرجـد «Aquamarine».

تنفرد المعادن التي تتكون منها الأحجار الكريمة بين سائر معادن الأرض بالمتانة العالية والجمال الفائق. وعادة توصف متانة المعدن بكلمتين همـا

الصلابة «hardness» (أيْ مقاومة الخدش) والصلادة «toughness» (أي مقاومة التشقق والكسر).

ومتانة الأحجار الكريمة هي السبب في اعتبارها مجوهرات. إذْ لو كانت هشة سهلة الكسر والخدش لما كانت لها قيمة ولا عمر!

من حيث المتانة، يعتبر الألماس أصلد الأحجار الكريمة، بل هو في الحقيقة أصلد معادن الأرض قاطبة. ولا غرْوَ والحال كذلك أن يكون الألمـاس أغلى معـادن كوكبنا. ويأتي بعـد الألمـاس الياقـوت، ثم حجر التوباز « Topaz». وهذه الأنواع الثلاثة تتصدر قائمة أسعار الأحجار الكريمة من حيث الغلاء.

أما جمال الأحجار الكريمة فيرجع إلى خصائصها البصرية، مثل اللون والبريق والوهج، وأحيانا تعدد الألوان وتغير البريق. ومصدر اللون هو الشوائب التي يحويها أي حجر كريم. وباستثناء الألماس الذي لا لون له بسبب نقاوته العالية، فإن فقدان اللون يبخس ثمن الحجر الكريم!

في الماضي كان يتم تصنيف الأحجار الكريمة وفقا للونها. فمثلا، كانت جميع الأحجار الكريمة ذات اللون الأحمر تسمى ياقوتا! إلا أن التصنيف الحديث يقوم على أساس التركيب الكيميائي والشكل البلوري، لا على أساس اللون. لذا تجد أن الياقوت الأحمر والصفير الأزرق يندرجان في عائلة واحدة في التصنيف الحـديث، لأن كليهمـا يتكـون من بلورات من أكسـيد الألمنيوم. وسبب اللون الأزرق في الحجر «الصفير » هو وجود شوائب من معدن التيتانيوم، في حين ترجع حمرة الياقوت الأحمر إلى وجـود شـوائب من معـدن الكروميوم.

أما بريق الحجر الكريم فيعتمد على شفافيته من ناحية، وعلى ما يسمى معامل الانكسار من ناحية أخرى. ومعامل الانكسار يؤخذ كمقياس لقدرة الحجر الكريم على اختزال ( أي إنقاص ) سرعة الضوء المار خلاله. والمقصود بالانكسار هنا هو انكسار الضوء. ويمكن زيادة بريق الأحجار الكريمة بقطعها بزوايا معينة توافق معامل انكسارها، ثم تلميعها. ويعتبر الألماس أكثر الأحجار الكريمة بريقا. بل هو كذلك أكثر بريقا من أي مادة صنعها الإنسان.

وعلى ذلك، فإن الألماس يجمع إلى صلادته العالية شفافية فائقة وبريقا لا يضاهى. وكلما أتقـنت صنعة قطعه بزوايا معينة توافق معامل انكساره (وهو 2.42) ثم تلميعه، ازداد جمالا وبريقا. لذا فلا عجب أن يخلب لبّ الإنسان!

ظاهرة الألوان

ومن الخصائص البصرية التي تزيد من رونق الأحجار الكريمة وجمالها، ظاهرة تشتيت الضوء وتحويله إلى ألوان قوس قزح (وهي الألوان التي يتكون منها الضوء الأبيض). وتعرف هذه الظاهرة باسم التقزح «dispersion». وسبب ذلك أن هذا الحجر الكريم يتكون من تراكيب دائرية لبلورات السيليكا (ثاني أكسيد السيليكون) تفتت الضوء الأبيض إلى ألوان الطيف.

وقد يصدر عن بعض الأحجار الكريمة لون معين عند استقبالها للضوء بزاوية معينة، ويصدر عنها لون آخر عند استقبال الضوء بزاوية مختلفة. وتعرف هذه الظاهرة باسم الامتصاص الاختياري؛ ومعنى ذلك أن الحجر الكريم يمتص أطوال موجات معينة من الضوء، ويعكس باقي الموجات. والموجات المنعكسة هي التي يظهر لونها من الحجر الكريم. وهذه خاصية فريدة للأحجار الكريمة تزيد من جمالها. وقد سبق ذِكْرُ أن الشوائب الموجودة في الحجر الكريم هي المسؤولة عن هذه الظاهرة.

أما تغير البريق فهو ظاهرة يتميز بها الحجر الكريم المسمى عين القط «Cat’s eye» وقد سمي كذلك لأن هذه الظاهرة تتجلى في عين القط في الظلام. والمعـدن الذي يتكون منه الحجر «عين القط» يعرف باسم كريزوبيريل «Chrysoberyl». وقد تبدو هذه الظاهرة من بعـض الأحجـار الكريمة الأخـرى مثل التورمالين و المرْو.

وجودها والتعرف عليها 

الأحجار الكريمة المعدنية ( أي غير العضوية ) توجد في معظم الأحوال في الصخور النارية ( أو البركانية ).

وهي الصخور التي تتكون عندما تبرد الحمم التي يقذف بها بركان ما. مثال ذلك الألماس. والمناطق من المعمورة التي توجد فيها تلك الصخور تشمل تنزانيا وجنوب أفريقيا والكونغو وسيراليون والهند والولايات المتحدة.

وبعض الأحجار الكريمة المعدنية يوجد في التراكيب الغرانيتية من تربة الأرض. مثال ذلك الياقوت. وتنتشر تلك التراكيب في أنحاء كثيرة من المعمورة، لكنها توجد بشكل خاص في البرازيل ومدغشقر وجنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

أما الأحجار الكريمة الملونة فمعظمها يوجد في الصخور الطينية. مثال ذلك الزمرد. وأشهر مناطق تعدين هذا النوع من الأحجـار الكريمة سريلانكا.

أما الأحجار الكريمة العضوية التي تتكون من تحلل أجسام بعض الأحياء بعد موتها، فأشهرها اللؤلؤ. ويتكون اللؤلؤ داخل أصداف حيوان بحري أولي من فصيلة الرخويات اسمه المحار. وطبيعي والحال كذلك أن اللؤلؤ يجري استخراجه من صيد البحر، بخلاف أنواع الأحجار المعدنية التي يجري استخراجها من تربة الأرض.

و جرت محاولات لإنتاج اللؤلؤ بقتل المحار داخل أصدافه! بيد أن هذه المحاولات لم تصادف النجاح، فضلا عن أن اللؤلؤ الناتج عنها ليس في جمال ذلك الذي ينتج بشكل طبيعي.

اختبارات الأحجار الكريمة

عند العثور على الأحجار الكريمة من تربة الأرض أو من صيد البحر، تجرى اختبارات معينة عليها لإظهـار الخصائص التي تتميز بها. مثال ذلك اختبـار معامل الانكسار والخصائص البصرية الأخرى، واختبار الكثافة النوعية والصلابة.

ونادرا ما تكون هناك حاجة لإجراء اختبارات إضافية مثل الفحص بالمطياف وبالأشعة السينية، فضلا عن عدد من الاختبارات الكيميائية التي تفيد في إظهار الخصائص الفيزيائية للمعدن الذي يتكون منه الحجر الكريم.

والأحجار الكريمة الصناعية تماثل تلك الطبيعـية من نواح كثيرة. ولا يستعان بالاختبارات المذكورة للتمييز بينهما، وإنما يمكن الفصل بينهما بالفحص تحت المجهر أو تحت عدسة مكبرة. ويفيد التكبير في إظهار الشكل البلوري للحجر الكريم والطريقة التي تتجمع بها الجزيئات الصغيرة التي يتكون منها الحجر الكريم. ومن الأحجار التي تنتج صناعيا على نطاق واسع الياقوت والصفير.

بعد التعرف على الحجر الكريم، يدفع إلى مصانع المجوهرات حيث تعمل على تخليصه وقطعه وتلميعه. وهي حرفـة تتطلب قدرا عاليا من المهارة والحِذْق. وبعد ذلك يعرض الحجر الكريم للبيع بأثمان أغلى من الذهب!

الطريف عن الأحجار الكريمة أن إنسان القرون الخالية كان يعتقد أن لها خصائص سحرية تجلب الحظ السعيد، فضلا عن قدرتها على شفاء أمراض مستعصية عند بلعها! واليوم، فإن الأحجار الكريمة أغلى كثيرا من أن تستخدم كدواء، وأندر من أن تتخذ لجلب الحظ السعيد! >

belowarticlecontent
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

For security, use of Google's reCAPTCHA service is required which is subject to the Google Privacy Policy and Terms of Use.

I agree to these terms.

زر الذهاب إلى الأعلى