نظام إنذار مبكر لجائحة كوفيد – 19 في الكويت
أحدثت جائحة كوفيد19- حالة من الارتباك الدائم في مختلف أنحاء العالم. لدى تلقي أنباء عن الإصابات القليلة الأولى في العالم والمنطقة، وبينما كان معظم الناس يطرحون العديد من الأسئلة ويستعدون لتنفيذ إجراءات الإغلاق، سارع فريق من الأطباء الكويتيين إلى العمل على مشروع من شأنه أن يوفر إجابات عن هذه الأسئلة.
وردت أخبار عن ظهور العديد من الأمراض الجديدة في السنوات القليلة الماضية. بعض هذه الأمراض ربما يشكل تهديدًا مباشرًا لرفاهية الناس في البلاد، فيما ليس لبعضها الآخر تأثير. ولكي يتمكن المهنيون العاملون في مجال الطب من تمييز مستوى الخطر الذي يطرحه أي مرض، عليهم الانخراط في عملية مستمرة متعددة الأوجه لمراقبة جوانب معينة من المرض.
لهذا السبب، وخلال المراحل الأولى للجائحة في أواخر فبراير من عام 2020، أدرك الدكتور سلمان الصباح، الأستاذ المساعد في كلية الصحة العامة بجامعة الكويت الشغوف بالبحث العلمي الأكاديمي، الحاجة الملحة لاستقطاب خبير في علم الأوبئة لقيادة جهود تطوير وتنفيذ “نموذج أولي لنظام الإنذار المبكر لمراقبة الأمراض في الوقت الفعلي تقريبًا لجائحة كوفيد19- في الكويت”.
يُعرّف نظام مراقبة الإنذار المبكر بالأمراض بشكل عام على أنه عملية مراقبة انتشار الأمراض لجمع بيانات كافية وتحليلها لإتاحة تكوين استجابة مناسبة.
اتضح على الفور أن الدكتور محمد الخميس هو الشخص المثالي لهذا المشروع، وذلك بفضل خبرته في الأساليب الوبائية المتقدمة في مراقبة الأمراض ومكافحتها والوقاية منها. كما أن الخميس، وهو أستاذ مساعد في علم الأوبئة والإحصاء الحيوي في كلية الصحة العامة بجامعة الكويت، كرس أطروحته للدكتوراه لتقييم مخرجات مراقبة إنفلونزا الطيور في الاتحاد الأوروبي، وكان من الأشخاص القلائل في الكويت الذين نشروا بحثا عن متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس).
ولما كان الوقت عاملاً مهماً، خاض الطبيبان سباقًا مع الزمن لتشكيل فريق من الخبراء والحصول على موافقات من وزارة الصحة في الكويت لجمع البيانات وإجراء البحوث، وكذلك التقدم بطلب للحصول على منحة من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي لتسهيل توفير متطلباتهم لأغراض البحث.
لضمان نجاح مشروعه، استعان الخميس بمحمد خاجة، الخبير في تحليل البيانات الضخمة. ويعد دور خاجة في هذا المشروع أساسيًا نظرًا لخبرته في تنظيم كميات هائلة من البيانات الطبية وتحليلها. ويقول كل من الخميس والصباح إن المشروع لم يكن ليحقق تقدمًا من دون المساعدة القيِّمة التي قدمها الأطباء الكويتيون والمهنيون الطبيون المتميزون الذين تعاونوا بكل ما لديهم من حماسة وشغف لتجميع كمية كبيرة من البيانات التي تم جمعها وتفسيرها.
بعد تجميع البيانات الضرورية، أمكن الشروع في تنفيذ المرحلة الأولى من المشروع التي استخدم خلالها الفريق الأدوات المتاحة، بما في ذلك “الأساليب التحليلية المستعارة من العلوم متعددة التخصصات مثل علم البيئة والرياضيات وعلم الحاسوب وعلم البيانات”. يسلط الخميس الضوء على أهمية هذه المرحلة، من خلال توضيح أنه عند الوصول إلى عدد معين من الحالات أو مَعلمات المرض، فإن النظام “يطلق إنذارًا، ثم يحذر هذا الإنذار صانع القرار إلى الحاجة إلى التعمق في البيانات” وتحليلها لاتخاذ القرارات المناسبة.
كان الفريق قادرًا على تحليل البيانات لاكتشاف التجمعات المكانية الزمانية حيث توجد زيادة في انتشار المرض. بعد ذلك، من خلال إبلاغ الجهات المعنية في وزارة الصحة في الكويت، تمكن صانعو القرار من التوجيه بتنفيذ عمليات إغلاق وقائية في مناطق معينة لتقليل انتشار المرض.
تتضمـن المرحلة الثانية مـن المشـروع إنشاء مراقبة التسلسل الجيني للفيروس لتتبع التحورات. نظرًا لأن التحورات هي نتيجة مؤكدة للأمراض المعدية، كان الخميس دقيقًا في توقعه الحاجة إلى إضافة مراقبة التسلسل الجيني كأحد أهم عناصر المشروع؛ إذ يمكن أن يساعد تحليل المادة الجينية للفيروس على توقع انتشار المتحورات وتحديد منشئها، وهذا بدوره يوفر معلومات تساعد صانعي القرار على تحديد البلدان التي يتعين تنظيم السفر منها وإليها.
بفضل معرفة الخميس بشأن النشر المناسب للمعلومات، تمكن الفريق من تحقيق هدف هذا المشروع البحثي بشكل فعال. وهو يوضح أن تقديم نتائج البحث العلمي الخام في تقارير غير منقحة ومنسقة إلى صانعي القرار يعيق الغرض من إعلامهم ودعم دورهم في وضع المبادئ التوجيهية واللوائح المناسبة.
تمكن الفريق من إصدار تقارير من صفحة واحدة بناءً على تحليل البيانات تضمنت معلومات حيوية، مثل مواقع بؤر الإصابات وتوصياتهم لأصحاب القرار في وزارة الصحة للإسراع في جهود السيطرة على فيروس كورونا ومنع انتشار المرض.
ولكن عملهم لا ينتهي هنا، فالفريق لديه خطط لمواصلة جهوده. فبينما هدف هذا المشروع إلى تطوير نموذج أولي، يقول الصباح إنهم يأملون في أن يتلقوا في المستقبل مزيدًا من الدعم “لبناء بنية تحتية لنظام إنذار مبكر”. ويضيف أن مثل هذا المسعى سيتطلب تعاون مختلف الجهات الطبية والعلمية في الكويت.
سلط كل من الخميس والصباح الضوء على الدور الذي أدته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في دعم مشروعهما. بدأ دور المؤسسة عندما سرَّعت إجراءات عملية التقدم للحصول على التمويل المتعلق بكوفيد19- وسهَّلتها.
إلى جانب منح الفريق منحة لمساعدته مالياً، ربطت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي الفريق بخبرات دولية لتقديم “وجهات نظر متنوعة من باحثين مختلفين” في هذا المجال، بحسب الصباح.
يأمل الخميس أن يكون هناك اهتمام متزايد بالدور الذي تؤديه التكنولوجيا في مستقبل البحث الطبي والعلمي. ففي معظم الأحيان، تحظى المختبرات الرطبة بالثقة وتحصل على التمويل مقارنة بالمختبرات الجافة. ففي الأولى تُحلل المواد البيولوجية والكيميائية وفي الثانية يطبق التحليل الرياضي الحسابي على البيانات التي جُمعت.
بقلم لولوه العفتان